أدونيس في زمن الشعر
في نظرة أدونيس إلى الشعر أفق مختلف , ورؤيا جديدة
وعميقة , تعمد إلى التحليل والمقارنة , ففي كتابه » زمن الشعر « يرى أدونيس
أن الشعر هو رباط خلاّق بين الحاضر والمستقبل , الحضور والغيب , الزمن
والأبدية , الواقع وما وراء الواقع , فالشّعر الذي عجز عن تعريفه
الشعراء , كان دائماً مؤشراً حضارياً وقيمة إنسانية قبل أن يكون قيمة أدبية
أو تاريخية , والقصيدة تؤثر في الإنسان وبالتّالي تؤثر في العالم : »
القصيدة العظيمة حركة لا سكون , وليس مقياس عظمتها في مدى عكسها أو تصويرها
لمختلف الأشياء والمظاهر , بل في مدى إسهامها بإضافة جديد لهذا العالم لغة إيماءات « لا لغة » تحديدات « فهي
تعتمد على الخيال المنبثق من الفهم والرؤيا المختلفة للعالم » التخيّل هو
القوّة الرؤيوية التي تستشف ما وراء الواقع , فيما هي تحتضن الواقع , إذاً القصيدة ليست مجموعة من التعاريف , وليست وصفاً زخرفياً , وليست
تقريراً وجدانياً , إنّها أهمّ وأسمى من ذلك , والصورة هي أداة الشّاعر
وهي ناقلة الشّعر » الصورة ابتكار فني لا تنشأ من التشبيه بل تنشأ من
التقريب بين واقعين متباعدين قليلاً او كثيراً « فالجوهر ليس في
الصورة الشعرية , بل في التأثير الذي ينتج عنها , وإذا كان الشّعر إبداعاً
فلا بدّ له من خلق جديد , ولا بدّ له من مقاييس جديدة أيضاً » الإبداع لا
يمكن تقييمه بمقاييس الماضي فالشّعر
القديم كان ثورة فكرية في زمانه , أما تقليده اليوم فما هو إلا تخلّف , في
الشعر القديم هناك التاريخ حي وكذلك الزمن والإنسان , هذا ويطرح
أدونيس قضية التجديد في الشّعر العربي , والتي ظهرت ملامحها مع قيام
الدّولة العبّاسية , وكان من روّاد التجديد » أبو تمام وأبو نوّاس « وغيرهم
. فقد رأى الدارسون كما يقول أبو هلال العسكري أنّ من حق الشعر ان تكون
ألفاظه كالوحي وأن تكون معانيه كالسّحر » , فعلى العقيدة الجديدة ان
تتمتع برؤيا مختلفة » يتخلى الشّعر الجديد عن الرؤىة الأفقية , إذ إن البعض
يتمترسون خلف بستان الألفاظ ليتغلبوا على أفقية الرؤىة , فتركوا لنا
القصيدة اللعبة , ويرى أدونيس أن فهم التجربة الشعرية الجديدة ,
يحتاج إلى التخلّص مما يلي : - العقلية السّلفية التي ينبع مثلها الأدبي الأعلى من الماضي. - النموذجية
: اتباع نماذج جاهزة ومطروقة » وهذا على خلاف ما يقول ابن قتيبة : ليس
لمتأخر الشّعراء أن يخرج عن مذهب المتقدمين . - الشكلية : صناعة الألفاظ . - التجزيئية : عدم النظر الى القصيدة كوحدة او ككل . - الغنائية الفردية : والتي تعكس انفعال الشاعر كفرد أو أوضاعه الاجتماعية كفرد . - التكرار : الدوران ضمن عالم منغلق فيه حقائق لا يجوز تخطّيها . فالشعر
الجديد يقوم على تجربة كلية. فىرى أدونيس أن » أهزل الآثار الشعرية ,
بالمقياس الجديد هي غالباً الآثار التي لا تكشف إلا عقد الشاعر , أو ظروفه
الاجتماعية الشخصية , أو قناعاته المقولبة . كل
ما سبق ضروري برأي أدونيس , لتكون القصيدة الجديدة » اكتشاف عالم لم نره
ولم نشعر به أبداً ومن هنا يشرح أدونيس رؤيته للشعر العربي / المريض
بالقناعات . فالشعر يجب ان يتمتع بالنفس التجديدي ليتمكن من حمل
بعد رؤيوي , فالشرط الأولي للشّاعر هو أن » يرى ما لا يراه غيره ,
وذلك لكي يحقق الشعر غاية وجوده في أن يكون » صناعة ثقافة , وصناعة حريّة
وإبداع , لا صناعة قصيدة , وبراعة لفظية « وهكذا يكون الفن مختلفاً
ومحرّكاً . ومما تقدم نرى ان على
الشعر العربي , أن يخترق حواجز التقليد , وأن يحمل الرؤىة والبعد المختلف ,
والنّابع من صميم الانسان العربي, وإن كان الإبداع لا يتأتى من عدم وكلّ
أديب يتأثر بالإنتاج الأدبي والفكري , فإن قيمة القصيدة تكون بما تضيفه ,
لا بما تعيد تسطيره , فالثقافة » هي الحلول التي يبتكرها الانسان لمشكلاته وليست إحياء مشاكل الماضي , فالشاعر الجديد هو الذي يبتكر وليس الذي
يتشبه , فالشعر ليس رسماً, بل خلق , والأثر الشعري ليس انعكاساً بل فتح
,وليس إحياءً أو تمجيداً بل نقد وتحليل وتجاوز . يعارض
أدونيس آراءً كثيرة , ورؤى متعددة , وهذا أمر طبيعي فالنقد لا يحدث فيه
إجماع , وليست له قواعد جامدة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق