الاثنين، 3 مارس 2014

أدونيس في زمن الشعر

أدونيس في زمن الشعر

 
في نظرة أدونيس إلى الشعر أفق مختلف , ورؤيا جديدة وعميقة , تعمد إلى التحليل والمقارنة , ففي كتابه » زمن الشعر « يرى أدونيس أن الشعر هو رباط خلاّق بين الحاضر والمستقبل , الحضور والغيب , الزمن والأبدية , الواقع وما وراء الواقع  , فالشّعر الذي عجز عن تعريفه الشعراء , كان دائماً مؤشراً حضارياً وقيمة إنسانية قبل أن يكون قيمة أدبية أو تاريخية , والقصيدة تؤثر في الإنسان وبالتّالي تؤثر في العالم : » القصيدة العظيمة حركة لا سكون , وليس مقياس عظمتها في مدى عكسها أو تصويرها لمختلف الأشياء والمظاهر , بل في مدى إسهامها بإضافة جديد لهذا العالم  لغة إيماءات « لا لغة » تحديدات « فهي تعتمد على الخيال المنبثق من الفهم والرؤيا المختلفة للعالم » التخيّل هو القوّة الرؤيوية التي تستشف ما وراء الواقع , فيما هي تحتضن الواقع  , إذاً القصيدة ليست مجموعة من التعاريف , وليست وصفاً زخرفياً , وليست تقريراً وجدانياً , إنّها أهمّ وأسمى من ذلك , والصورة هي أداة الشّاعر وهي ناقلة الشّعر » الصورة ابتكار فني لا تنشأ من التشبيه بل تنشأ من التقريب بين واقعين متباعدين قليلاً او كثيراً  « فالجوهر ليس في الصورة الشعرية , بل في التأثير الذي ينتج عنها , وإذا كان الشّعر إبداعاً فلا بدّ له من خلق جديد , ولا بدّ له من مقاييس جديدة أيضاً » الإبداع لا يمكن تقييمه بمقاييس الماضي  فالشّعر القديم كان ثورة فكرية في زمانه , أما تقليده اليوم فما هو إلا تخلّف , في الشعر القديم هناك التاريخ حي وكذلك الزمن والإنسان  , هذا ويطرح أدونيس قضية التجديد في الشّعر العربي , والتي ظهرت ملامحها مع قيام الدّولة العبّاسية , وكان من روّاد التجديد » أبو تمام وأبو نوّاس « وغيرهم . فقد رأى الدارسون كما يقول أبو هلال العسكري أنّ من حق الشعر ان تكون ألفاظه كالوحي وأن تكون معانيه كالسّحر » , فعلى العقيدة الجديدة ان تتمتع برؤيا مختلفة » يتخلى الشّعر الجديد عن الرؤىة الأفقية , إذ إن البعض يتمترسون خلف بستان الألفاظ ليتغلبوا على أفقية الرؤىة , فتركوا لنا القصيدة اللعبة , ويرى أدونيس أن فهم التجربة الشعرية الجديدة , يحتاج إلى التخلّص مما يلي :‏ - العقلية السّلفية التي ينبع مثلها الأدبي الأعلى من الماضي.‏ - النموذجية : اتباع نماذج جاهزة ومطروقة » وهذا على خلاف ما يقول ابن قتيبة : ليس لمتأخر الشّعراء أن يخرج عن مذهب المتقدمين  .‏ - الشكلية : صناعة الألفاظ .‏ - التجزيئية : عدم النظر الى القصيدة كوحدة او ككل .‏ - الغنائية الفردية : والتي تعكس انفعال الشاعر كفرد أو أوضاعه الاجتماعية كفرد .‏ - التكرار : الدوران ضمن عالم منغلق فيه حقائق لا يجوز تخطّيها .‏ فالشعر الجديد يقوم على تجربة كلية. فىرى أدونيس أن » أهزل الآثار الشعرية , بالمقياس الجديد هي غالباً الآثار التي لا تكشف إلا عقد الشاعر , أو ظروفه الاجتماعية الشخصية , أو قناعاته المقولبة .‏ كل ما سبق ضروري برأي أدونيس , لتكون القصيدة الجديدة » اكتشاف عالم لم نره ولم نشعر به أبداً ومن هنا يشرح أدونيس رؤيته للشعر العربي / المريض بالقناعات  . فالشعر يجب ان يتمتع بالنفس التجديدي ليتمكن من حمل بعد رؤيوي , فالشرط الأولي للشّاعر هو أن » يرى ما لا يراه غيره  , وذلك لكي يحقق الشعر غاية وجوده في أن يكون » صناعة ثقافة , وصناعة حريّة وإبداع , لا صناعة قصيدة , وبراعة لفظية « وهكذا يكون الفن مختلفاً ومحرّكاً  .‏ ومما تقدم نرى ان على الشعر العربي , أن يخترق حواجز التقليد , وأن يحمل الرؤىة والبعد المختلف , والنّابع من صميم الانسان العربي, وإن كان الإبداع لا يتأتى من عدم وكلّ أديب يتأثر بالإنتاج الأدبي والفكري , فإن قيمة القصيدة تكون بما تضيفه , لا بما تعيد تسطيره , فالثقافة » هي الحلول التي يبتكرها الانسان لمشكلاته وليست إحياء مشاكل الماضي , فالشاعر الجديد هو الذي يبتكر وليس الذي يتشبه , فالشعر ليس رسماً, بل خلق , والأثر الشعري ليس انعكاساً بل فتح ,وليس إحياءً أو تمجيداً بل نقد وتحليل وتجاوز .‏ يعارض أدونيس آراءً كثيرة , ورؤى متعددة , وهذا أمر طبيعي فالنقد لا يحدث فيه إجماع , وليست له قواعد جامدة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق