أمِنْ تذَكُّرِ جيرانٍ بذي سلمِ | مزجتَ دمعاً جرى من مقلة ٍ بدمِ |
أمْ هبَّتِ الريحُ من تلقاءِ كاظمة ٍ | وأوْمَضَ البَرْقُ في الظلْماءِ مِنْ إضَمِ |
فما لعينيكَ إن قلتَ اكففا هَمَتا | ومَا لِقَلْبِك إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ |
أَيَحْسَبُ الصَّبُّ أنَّ الحُبَّ مُنْكتِمٌ | ما بَيْنَ مُنْسَجِم منهُ ومضطَرِمِ |
لولاَ الهَوَى لَمْ تُرِقْ دَمْعاً عَلَى طَلَلٍ | ولا أرقتَ لذكرِ البانِ والعَلم ِ |
فكيفَ تُنْكِرُ حُبَّا بعدَ ما شَهِدَتْ | بهِ عليكَ عدولُ الدَّمْعِ والسَّقَم |
وَأثْبَتَ الوجْدُ خَطَّيْ عَبْرَة ٍ وضَنًى | مِثْلَ البَهارِ عَلَى خَدَّيْكَ والعَنَمِ |
نعمْ سرى طيفُ من أهوى فأرقني | والحُبُّ يَعْتَرِضُ اللَّذاتِ بالأَلَمِ |
يا لائِمِي في الهَوَى العُذْرِيِّ مَعْذِرَة ً | منِّي إليكَ ولو أنصفتَ لم تلُمِ |
عَدَتْكَ حالِيَ لا سِرِّي بمُسْتَتِرٍ | عن الوُشاة ِ ولادائي بمنحسمِ |
مَحَّضَتْنِي النُّصْحَ لكِنْ لَسْتُ أَسْمَعُهُ | إنَّ المُحِبَّ عَن العُذَّالِ في صَمَمِ |
إني اتهمتُ نصيحَ الشيبِ في عذلٍ | والشَّيْبُ أَبْعَدُ في نُصْحٍ عَنِ التُّهَم |
فإنَّ أمَّارَتي بالسوءِ مااتعظتْ | من جهلها بنذيرِ الشيبِ والهرمِ |
ولا أَعَدَّتْ مِنَ الفِعْلِ الجَمِيلِ قِرَى | ضيفٍ المَّ برأسي غير محتشمِ |
لو كنت أعلم أني ما أوقره | كتمت سرا بدا لي منه بالكتم |
من لي بِرَدِّ جماحٍ من غوايتها | كما يُرَدُّ جماحُ الخيلِ باللجمِ |
فلا تَرُمْ بالمعاصِي كَسْرَ شَهْوَتِها | إنَّ الطعامَ يُقَوِّي شهوة َ النهمِ |
والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على | حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم |
فاصرفْ هواها وحاذرْ أنْ تُوَلِّيَهُ | إنَّ الهوى ما تولَّى يُصمِ أوْ يَصمِ |
وَراعِها وهيَ في الأعمالِ سائِمة ٌ | وإنْ هِيَ اسْتَحْلَتِ المَرْعَى فلا تُسِم |
كَمْ حَسَّنَتْ لَذَّة ٍ لِلْمَرءِ قاتِلَة ً | من حيثُ لم يدرِ أنَّ السُّمَّ في الدَّسَمِ |
وَاخْشَ الدَّسائِسَ مِن جُوعٍ وَمِنْ شِبَع | فَرُبَّ مَخْمَصَة ٍ شَرٌّ مِنَ التُّخَمِ |
واسْتَفْرِغ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنٍ قد امْتَلأتْ | مِنَ المَحارِمِ وَالْزَمْ حِمْيَة َ النَّدَمِ |
وخالفِ النفسَّ والشيطانَ واعصهما | وإنْ هُما مَحَّضاكَ النُّصحَ فاتهم |
وَلا تُطِعْ منهما خَصْماً وَلا حَكمَاً | فأنْتَ تَعْرِفُ كيْدَ الخَصْمِ والحَكمِ |
أسْتَغْفِرُ الله مِنْ قَوْلٍ بِلاَ عَمَلٍ | لقد نسبتُ به نسلاً لذي عقمِ |
أمرتكَ الخيرَ لكنْ ماائتمرتُ بهِ | وما استقمتُ فماقولي لك استقمِ |
ولا تَزَوَّدْتُ قبلَ المَوْتِ نافِلة ً | ولَمْ أُصَلِّ سِوَى فَرْضٍ ولَمْ أَصُمِ |
ظلمتُ سُنَّة َ منْ أحيا الظلامَ إلى | أنِ اشْتَكَتْ قَدَماهُ الضُّرَّ مِنْ وَرَم |
وشدَّ مِنْ سَغَبٍ أحشاءهُ وَطَوَى | تحتَ الحجارة ِ كشحاً مترفَ الأدمِ |
وراودتهُ الجبالُ الُشُّمُّ من ذهبٍ | عن نفسهِ فأراها أيما شممِ |
وأكَّدَتْ زُهْدَهُ فيها ضرورتهُ | إنَّ الضرورة َ لاتعدو على العصمِ |
وَكَيفَ تَدْعُو إلَى الدُّنيا ضَرُورَة ُ مَنْ | لولاهُ لم تخرجِ الدنيا من العدمِ |
محمدٌ سيدُّ الكونينِ والثَّقَلَيْنِ | والفريقينِ من عُربٍ ومن عجمِ |
نبينَّا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ | أبَرَّ في قَوْلِ «لا» مِنْهُ وَلا «نَعَمِ» |
هُوَ الحَبيبُ الذي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ | لِكلِّ هَوْلٍ مِنَ الأهوالِ مُقْتَحَمِ |
دعا إلى اللهِ فالمستمسكونَ بهِ | مستمسكونَ بحبلٍ غيرِ منفصمِ |
فاقَ النبيينَ في خلْقٍ وفي خُلُقٍ | ولمْ يدانوهُ في علمٍ ولا كَرَمِ |
وكلهمْ من رسول اللهِ ملتمسٌ | غَرْفاً مِنَ البَحْرِ أوْ رَشْفاً مِنَ الدِّيَمِ |
وواقفونَ لديهِ عندَ حَدِّهمِ | من نقطة ِ العلمِ أومنْ شكلة ِ الحكمِ |
فهْوَ الذي تَمَّ معناهُ وصُورَتُه | ثمَّ اصطفاهُ حبيباً بارىء ُ النَّسمِ |
مُنَّزَّهٌ عن شريكٍ في محاسنهِ | فَجَوْهَرُ الحُسْنِ فيهِ غيرُ مُنْقَسِمَ |
دَعْ ما ادَّعَتْهُ النَّصارَى في نَبيِّهِمِ | وَاحكُمْ بما شِئْتَ مَدْحاً فيهِ واحْتَكِمِ |
وانْسُبْ إلى ذاتِهِ ما شِئْتَ مِنْ شَرَفٍ | وَانْسُبْ إلى قَدْرِهِ ما شِئْتَ منْ عِظَمِ |
فإن فضلَ رسولِ اللهِ ليسَ لهُ | حَدٌّ فيُعْرِبَ عنه ناطِقٌ بفَمِ |
لو ناسبتْ قدرهُ آياتهُ عظماً | أحيا اسمهُ حينَ يُدعى دارسَ الرِّممِ |
لَمْ يَمْتَحِنَّا بما تعْمل العُقولُ بِهِ | حِرْصاً علينا فلمْ ولَمْ نَهَمِ |
أعيا الورى فهمُ معانهُ فليس يُرى | في القُرْبِ والبعدِ فيهِ غير منفحِمِ |
كالشمسِ تظهرُ للعينينِ من بُعُدٍ | صَغِيرَة ٍ وَتُكِلُّ الطَّرْفَ مِنْ أممٍ |
وكيفَ يُدْرِكُ في الدُّنْيَا حَقِيقَتَهُ | قومٌ نيامٌ تسلَّوا عنهُ بالحُلُمِ |
فمبلغُ العلمِ فيهِ أنهُ بشرٌ | وأنهُ خيرُ خلقِ اللهِ كلهمِ |
وَكلُّ آيِ أَتَى الرُّسْلُ الكِرامُ بها | فإنما اتَّصلتْ من نورهِ بهمِ |
فإنهُ شمسٌ فضلٍ همْ كواكبها | يُظْهِرْنَ أَنْوارَها للناسِ في الظُلَم |
أكرمْ بخلقِ نبيٍّ زانهُ خُلُقٌ | بالحُسْنِ مُشْتَمِلٍ بالبِشْرِ مُتَّسِمِ |
كالزَّهرِ في تَرَفٍ والبَدْرِ في شَرَفٍ | والبَحْر في كَرَمٍ والدهْرِ في هِمَمِ |
كأنهُ وهو فردٌ من جلالتهِ | في عَسْكَرٍ حينَ تَلْقاهُ وفي حَشَمِ |
كَأَنَّما اللُّؤْلُؤُ المَكْنونُ في صَدَفِ | من معدني منطقٍ منهُ ومبتسمِ |
لا طِيبَ يَعْدِلُ تُرْباً ضَمَّ أَعْظُمَهُ | طُوبَى لِمُنْتَشِقٍ منهُ ومُلْتَئِم |
أبان مولدهُ عن طيبِ عُنصرهِ | يا طِيبَ مُبْتَدَإٍ منه ومُخْتَتَمِ |
يومٌ تفرَّسَ فيهِ الفرسُ أنهم ُ | قد أنذروا بحلولِ البؤسِ والنقمِ |
وباتَ إيوانُ كسرى وهو منصدعٌ | كشملِ أصحابِ كسرى غيرَ ملتئمِ |
والنَّارُ خامِدَة ُ الأنفاس مِنْ أَسَفٍ | عليه والنَّهرُ ساهي العين من سدمِ |
وساء ساوة أن غاضتْ بحيرتها | ورُدَّ واردها بالغيظِ حين ظمى َ |
كأنَّ بالنارِ مابالماء من بللٍ | حُزْناً وبالماءِ ما بالنَّارِ من ضرمِ |
والجنُّ تهتفُ والأنوار ساطعة ٌ | والحَقُّ يَظْهَرُ مِنْ مَعْنى ً ومِنْ كَلِم |
عَموُا وصمُّوا فإعلانُ البشائرِ لمْ | تُسْمَعْ وَبارِقَة ُ الإِنْذارِ لَمْ تُشَم |
مِنْ بَعْدِ ما أَخْبَرَ الأقْوامَ كاهِنُهُمْ | بأَنَّ دينَهُمُ المُعْوَجَّ لَمْ يَقُمِ |
وبعدَ ما عاينوا في الأفقِ من شُهُبٍ | منقضة ٍ وفقَ مافي الأرضِ من صنمِ |
حتى غدا عن طريقِ الوحيِ مُنهزمٌ | من الشياطينِ يقفو إثرَ منهزمِ |
كأَنُهُمْ هَرَباً أبطالُ أَبْرَهَة ٍ | أوْ عَسْكَرٌ بالحَصَى مِنْ رَاحَتَيْهِ رُمِي |
نَبْذاً بهِ بَعْدَ تَسْبِيحِ بِبَطْنِهما | نَبْذَ المُسَبِّحِ مِنْ أحشاءِ مُلْتَقِمِ |
جاءتْ لدَعْوَتِهِ الأشجارُ ساجِدَة ً | تَمْشِي إليهِ عَلَى ساقٍ بِلا قَدَمِ |
كأنَّما سَطَرَتْ سَطْراً لِمَا كَتَبَتْ | فروعها من بديعِ الخطِّ في اللقمِ |
مثلَ الغمامة ِ أنى َسارَ سائرة ٌ | تقيهِ حرَّ وطيسٍ للهجيرِ حمي |
أقسمتُ بالقمرِ المنشقِّ إنَّ لهُ | مِنْ قَلْبِهِ نِسْبَة ً مَبْرُورَة َ القَسَمِ |
ومَا حَوَى الغارُ مِنْ خَيْرٍ ومَنْ كَرَم | وكلُّ طرفٍ من الكفارِ عنه عمي |
فالصدقُ في الغارِ والصديقُ لم يرِما | وَهُمْ يقولونَ ما بالغارِ مِنْ أَرمِ |
ظَنُّوا الحَمامَ وظَنُّو العَنْكَبُوتَ على | خيْرِ البَرِيَّة ِ لَمْ تَنْسُجْ ولمْ تَحُم |
وقاية ُ اللهِ أغنتْ عن مضاعفة ٍ | من الدروعِ وعن عالٍ من الأطمِ |
ما سامني الدهرُ ضيماً واستجرتُ بهِ | إلاَّ استلمتُ الندى من خيرِ مُستلمِ |
لاتنكرُ الوحيَ من رؤياهُ إنَّ لهُ | قَلْباً إذا نامَتِ العَيْنانِ لَمْ يَنمِ |
وذاكَ حينَ بُلوغٍ مِنْ نُبُوَّتِهِ | فليسَ يُنْكَرُ فيهِ حالُ مُحْتَلِمِ |
تَبَارَكَ الله ما وحْيٌ بمُكْتَسَبٍ | وَلا نَبِيٌّ عَلَى غَيْبٍ بِمُتَّهَمِ |
كَمْ أبْرَأَتْ وَصِبا باللَّمْسِ راحَتهُ | وأَطْلَقَتْ أرِباً مِنْ رِبْقَة ِ اللَّمَمِ |
وأحْيَتِ السنَة َ الشَّهْبَاءَ دَعْوَتُهُ | حتى حَكَتْ غُرَّة ً في الأَعْصُرِ الدُّهُمِ |
بعارضٍ جادَ أو خلتَ البطاحَ بها | سيبٌ من اليَمِّ أو سيلٌ من العرمِ |
دعني ووصفي آياتٍ له ظهرتْ | ظهورَ نارِ القرى ليلاً على علمِ |
فالدرُّ يزدادُ حُسناً وهو منتظمٌ | وليسَ ينقصُ قدراً غير منتظمِ |
فما تَطاوَلُ آمالُ المَدِيحِ إلى | ما فيهِ مِنْ كَرَمِ الأَخْلاَقِ والشِّيَمِ |
آياتُ حقٍّ من الرحمنِ محدثة ٌ | قَدِيمَة ٌ صِفَة ُ المَوْصوفِ بالقِدَم |
لم تقترنْ بزمانٍ وهي تخبرنا | عَن المعادِ وعَنْ عادٍ وعَنْ إرَمِ |
دامَتْ لَدَيْنا فَفاقَتْ كلَّ مُعْجِزَة ٍ | مِنَ النَّبِيِّينَ إذْ جاءتْ ولَمْ تَدُمِ |
مُحَكَّماتٌ فما تبقينَ من شبهٍ | لذي شقاقٍ وما تبغينَ من حكمِ |
ما حُورِبَتْ قَطُّ إلاَّ عادَ مِنْ حَرَبٍ | أَعْدَى الأعادي إليها مُلقِيَ السَّلَمِ |
رَدَّتْ بلاغَتُها دَعْوى مُعارِضِها | ردَّ الغيور يدَ الجاني عن الحُرمِ |
لها مَعانٍ كَمَوْجِ البَحْر في مَدَدٍ | وفَوْقَ جَوْهَرِهِ فِي الحُسْنِ والقِيَمِ |
فما تُعَدُّ وَلا تُحْصَى عَجَائبُها | ولا تُسامُ عَلَى الإكثارِ بالسَّأَمِ |
قرَّتْ بها عينُ قاريها فقلت له | لقد ظفِرتَ بِحَبْلِ الله فاعْتَصِمِ |
إنْ تَتْلُها خِيفَة ً مِنْ حَرِّ نارِ لَظَى | أطْفَأْتَ نارَ لَظَى مِنْ وِرْدِها الشَّبمِ |
كأنها الحوضُ تبيضُّ الوجوه به | مِنَ العُصاة ِ وقد جاءُوهُ كَالحُمَمِ |
وَكالصِّراطِ وكالمِيزانِ مَعدِلَة ً | فالقِسْطُ مِنْ غَيرها في الناس لَمْ يَقُمِ |
لا تعْجَبَنْ لِحَسُودٍ راحَ يُنكِرُها | تَجاهُلاً وهْوَ عَينُ الحاذِقِ الفَهِمِ |
قد تنكرُ العينُ ضوء الشمسِ من رمدٍ | ويُنْكِرُ الفَمُّ طَعْمَ الماء منْ سَقَم |
ياخيرَ من يَمَّمَ لعافونَ ساحتَهُ | سَعْياً وفَوْقَ مُتُونِ الأَيْنُقِ الرُّسُمِ |
وَمَنْ هُو الآيَة ُ الكُبْرَى لِمُعْتَبِرٍ | وَمَنْ هُوَ النِّعْمَة ُ العُظْمَى لِمُغْتَنِمِ |
سريتَ من حرمٍ ليلاً إلى حرمِ | كما سرى البدرُ في داجٍ من الظلمِ |
وَبِتَّ تَرْقَى إلَى أنْ نِلْتَ مَنْزِلَة ً | من قابِ قوسينِ لم تدركْ ولم ترمِ |
وقدَّمتكَ جميعُ الأنبياءِ بها | والرُّسْلِ تَقْدِيمَ مَخْدُومٍ عَلَى خَدَم |
وأنتَ تخترق السبعَ الطِّباقَ بهمْ | في مَوْكِبٍ كنْتَ فيهِ صاحِبَ العَلَمِ |
حتى إذا لَمْ تَدَعْ شَأْواً لمُسْتَبِقٍ | من الدنوِّ ولا مرقيً لمستنمِ |
خفضتَ كلَّ مقامٍ بالإضافة إذ | نُودِيتَ بالرَّفْعِ مِثْلَ المُفْرَدِ العَلَم |
كيما تفوزَ بوصلٍ أيِّ مستترٍ | عن العيونِ وسرٍّ أيِ مُكتتمِ |
فَحُزْتَ كلَّ فَخَارٍ غيرَ مُشْتَرَكٍ | وجُزْتَ كلَّ مَقامٍ غيرَ مُزْدَحَمِ |
وَجَلَّ مِقْدارُ ما وُلِّيتَ مِنْ رُتَبٍ | وعزَّ إدْراكُ ما أُولِيتَ مِنْ نِعَمِ |
بُشْرَى لَنا مَعْشَرَ الإسلامِ إنَّ لنا | من العناية ِ رُكناً غيرَمنهدمِ |
لمَّا دعا الله داعينا لطاعتهِ | بأكرمِ الرُّسلِ كنَّا أكرمَ الأممِ |
راعتْ قلوبَ العدا أنباءُ بعثتهِ | كَنَبْأَة ٍ أَجْفَلَتْ غَفْلاً مِنَ الغَنَمِ |
ما زالَ يلقاهمُ في كلِّ معتركٍ | حتى حَكَوْا بالقَنا لَحْماً على وضَم |
ودوا الفرار فكادوا يغبطونَ بهِ | أشلاءَ شالتْ مع العقبانِ والرَّخمِ |
تمضي الليالي ولا يدرونَ عدتها | ما لَمْ تَكُنْ مِنْ ليالِي الأَشْهُرِ الحُرُمِ |
كأنَّما الدِّينُ ضَيْفٌ حَلَّ سَاحَتَهُمْ | بِكلِّ قَرْمٍ إلَى لحْمِ العِدا قَرِم |
يَجُرُّ بَحْرَ خَمِيسٍ فوقَ سابِحَة ٍ | يرمي بموجٍ من الأبطالِ ملتطمِ |
من كلِّ منتدبٍ لله محتسبٍ | يَسْطو بِمُسْتَأْصِلٍ لِلْكُفْرِ مُصطَلِم |
حتَّى غَدَتْ مِلَّة ُ الإسلام وهْيَ بِهِمْ | مِنْ بَعْدِ غُرْبَتِها مَوْصُولَة َ الرَّحِم |
مكفولة ً أبداً منهم بخيرٍ أبٍ | وخير بعلٍ فلم تيتم ولم تئمِ |
هُم الجِبالُ فَسَلْ عنهمْ مُصادِمَهُمْ | ماذا رأى مِنْهُمُ في كلِّ مُصطَدَم |
وسل حُنيناً وسل بدراً وسلْ أُحُداً | فُصُولَ حَتْفٍ لهُمْ أدْهَى مِنَ الوَخَم |
المصدري البيضَ حُمراً بعدَ ما وردت | من العدا كلَّ مُسْوَّدٍ من اللممِ |
وَالكاتِبِينَ بِسُمْرِ الخَطِّ مَا تَرَكَتْ | أقلامهمْ حرفَ جسمٍ غبرَ منعجمِ |
شاكي السِّلاحِ لهم سيمى تميزهمْ | والوردُ يمتازُ بالسيمى عن السلمِ |
تُهدى إليكَ رياحُ النصرِ نشرهمُ | فتحسبُ الزَّهرَ في الأكمامِ كلَّ كمي |
كأنهمْ في ظهورِ الخيلِ نبتُ رُباً | مِنْ شِدَّة ِ الحَزْمِ لاَ مِنْ شِدَّة ِ الحُزُم |
طارت قلوبُ العدا من بأسهمِ فرقاً | فما تُفَرِّقُ بين البهم والبُهمِ |
ومن تكنْ برسول الله نصرتُه | إن تلقهُ الأُسدُ في آجامها تجمِ |
ولن ترى من وليٍّ غير منتصرِ | بهِ ولا مِنْ عَدُوّ غَيْرَ مُنْقصمِ |
أحلَّ أمَّتَهُ في حرزِ ملَّتهِ | كاللَّيْثِ حَلَّ مَعَ الأشبال في أجَم |
كمْ جدَّلَتْ كلماتُ اللهِ من جدلٍ | فيهِ وكم خَصَمَ البُرْهانُ مِنْ خَصِمِ |
كفاكَ بالعِلْمِ في الأُمِيِّ مُعْجِزَة ً | في الجاهلية ِ والتأديبِ في اليتمِ |
خَدَمْتُهُ بِمَديحٍ أسْتَقِيلُ بِهِ | ذُنُوبَ عُمْرٍ مَضَى في الشِّعْرِ والخِدَم |
إذ قلداني ما تُخشى عواقبهُ | كَأنَّني بهما هَدْيٌ مِنَ النَّعَم |
أطَعْتُ غَيَّ الصِّبَا في الحَالَتَيْنِ ومَا | حصلتُ إلاَّ على الآثامِ والندمِ |
فياخسارة َ نفسٍ في تجارتها | لم تشترِ الدِّينَ بالدنيا ولم تَسُمِ |
وَمَنْ يَبِعْ آجِلاً منهُ بِعاجِلِهِ | يَبِنْ لهُ الغَبْنُ في بَيْعِ وَفي سَلَمِ |
إنْ آتِ ذَنْباً فما عَهْدِي بِمُنْتَقِضٍ | مِنَ النبيِّ وَلا حَبْلِي بِمُنْصَرِمِ |
فإنَّ لي ذمة ً منهُ بتسميتي | مُحمداً وَهُوَ الخَلْيقِ بالذِّمَمِ |
إنْ لَمْ يَكُن في مَعادِي آخِذاً بِيَدِي | فضلاً وإلا فقلْ يازَلَّة َ القدمِ |
حاشاهُ أنْ يحرمَ الرَّاجي مكارمهُ | أو يرجعَ الجارُ منهُ غيرَ محترمِ |
ومنذُ ألزمتُ أفكاري مدائحهُ | وَجَدْتُهُ لِخَلاصِي خيرَ مُلْتَزِم |
وَلَنْ يَفُوتَ الغِنى مِنْهُ يداً تَرِبَتْ | إنَّ الحَيا يُنْبِتُ الأزهارَ في الأكَمِ |
وَلَمْ أُرِدْ زَهْرَة َ الدُّنْيا التي اقتطَفَتْ | يدا زُهيرٍ بما أثنى على هرمِ |
يا أكرَمَ الخلق مالي مَنْ أَلُوذُ به | سِوَاكَ عندَ حلولِ الحادِثِ العَمِمِ |
وَلَنْ يَضِيقَ رَسولَ الله جاهُكَ بي | إذا الكريمُ تَحَلَّى باسْمِ مُنْتَقِمِ |
فإنَّ من جُودِكَ الدنيا وَ ضَرَّتها | ومن علومكَ علمَ اللوحِ والقلمِ |
يا نَفْسُ لا تَقْنَطِي مِنْ زَلَّة ٍ عَظُمَتْ | إنَّ الكَبائرَ في الغُفرانِ كاللَّمَمِ |
لعلَّ رحمة َ ربي حين يقسمها | تأتي على حسب العصيانِ في القسمِ |
ياربِّ واجعل رجائي غير منعكسٍ | لَدَيْكَ وَاجعَلْ حِسابِي غَيرَ مُنْخَزِمِ |
والطفْ بعبدكَ في الدارينَِّ إن لهُ | صبراً متى تدعهُ الأهوالُ ينهزمِ |
وائذنْ لِسُحْبِ صلاة ٍ منكَ دائمة ٍ | على النبيِّ بمنهلٍّ ومنسجمِ |
ما رَنَّحَتْ عَذَباتِ البانِ ريحُ صَباً | وأطْرَبَ العِيسَ حادي العِيسِ بِالنَّغَمِ |
الأربعاء، 12 فبراير 2014
قصيدة أمِنْ تذَكُّرِ جيرانٍ بذي سلمِ للبوصيري
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق