الثلاثاء، 25 مارس 2014

المجاز المرسل وعلاقاته "السببية والمسببية"


المجاز المرسل وعلاقاته "السببية والمسببية"

المجاز: قيل مفعل من جاز المكان يجوزه إذا تعداه أي تعدت موضعها الأصلي وفيه نظر والظاهر أنه من قولهم جعلت كذا مجازا إلى حاجتي أي طريقا له على أن معنى جاز المكان سلكه على ما فسره الجوهري وغيره فإن المجاز طريق إلى تصور معناه واعتبار التناسب في التسمية يغاير اعتبار المعنى في الوصف كتسمية إنسان له حمرة بأحمر ووصفه بأحمر فإن الأول لترجيح الاسم على غيره حال وضعه له والثاني لصحة إطلاقه فلا يصح نقض الأول بوجود المعنى في غير المسمى كما يلهج به بعض الضعفاء.
والمجاز ضربان مرسل واستعارة لأن العلاقة المصححة إن كانت تشبيه معناه بما هو موضوع له فهو استعارة، وإلا فهو مرسل وكثيرا ما تطلق الاستعارة على استعمال اسم المشبه به في المشبه فيسمى المشبه به مستعارا منه والمشبه مستعارا له واللفظ مستعارا وعلى الأول لا يشتق منه لكونه اسما للفظ لا للحدث.
المرسل: وهو ما كانت العلاقة بين ما استعمل فيه وما وضع له ملابسة غير التشبيه كاليد إذا استعملت في النعمة لأن من شأنها أن تصدر عن الجارحة ومنها تصل إلى المقصود بها ويشترط أن يكون في الكلام إشارة إلى المولى لها فلا يقال اتسعت اليد في البلد أو اقتنيت يدا كما يقال: اتسعت النعمة في البلد أو اقتنيت نعمة وإنما يقال: جلت يده عندي وكثرت أياديه لدي ونحو ذلك ونظير هذا قولهم في صفة راعي الإبل إن له عليها أصبعا أرادوا أن يقولوا له عليها أثر حذق فدلوا عليه بالإصبع؛لأنه ما من حذق في عمل يد إلا وهو مستفاد من حسن تصريف الأصابع واللطف في رفعها ووضعها كما في الخط والنقش.
وعلى ذلك قيل في تفسير قوله تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} أي: نجعلها كخف البعير فلا يتمكن من الأعمال اللطيفة فأرادوا بالإصبع الأثر الحسن حيث يقصد الإشارة إلى حذق في الصنعة لا مطلقا حتى يقال رأيت أصابع الدار وله أصبع حسنة وأصبع قبيحة على معنى له أثر حسن وأثر قبيح ونحو ذلك وينظر إلى هذا قولهم ضربته سوطا؛لأنهم عبروا عن الضربة الواقعة بالسوط باسم السوط فجعلوا أثر السوط سوطا وتفسيرهم له بقولهم المعنى ضربته ضربة بالسوط بيان لما كان الكلام عليه في أصله ونظير قلولنا له على يد قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أسرعكن لحوقا ويروى لحاقا بي أطولكن يدا)).
وقوله: أطولكن نظير ترشيح الاستعارة ولا بأس أن يسمى ترشيح المجاز والمعنى بسط اليد بالعطاء وقيل قوله أطولكن من الطول بمعنى الفضل يقال لفلان على فلان طول أي فضل فاليد على هذين الوجهين بمعنى النعمة ويحتمل أن يريد أطولكن يدا بالعطاء أي أمدكن فحذف قوله: بالعطاء للعلم به وكاليد أيضا إذا استعملت في القدرة؛ لأن أكثر ما يظهر سلطانها في اليد وبها يكون البطش والضرب والقطع والأخذ والدفع والوضع والرفع وغير ذلك من الأفعال التي تنبىء عن وجوه القدرة ومكانها وأما اليد في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم)).
فهو استعارة والمعنى أن مثلهم مع كثرتهم في وجوب الاتفاق بينهم مثل اليد الواحدة فكما لا يتصور أن تخذل بعض أجزاء اليد بعضا وأن تختلف فيها الجهة في التصرف كذلك سبيل المؤمنين في تعاضدهم على المشركين لأن كلمة التوحيد جامعة لهم، وكالرواية للمزادة مع كونها للبعير الحامل لها لحمله إياها وكالحفض في البعير مع كونه لمتاع البيت لحمله إياه وكالسماء في الغيث كقوله: أصابتنا السماء؛ لكونه من جهة المظلة وكالإكاف في قول الشاعر:

يأكلن كل ليلة إكافا

أي: علفا بثمن الإكاف وهذا الضرب من المجاز يقع على وجوه كثيرة غير ما ذكرنا، منها تسمية الشيء باسم جزئه كالعين في الربيئة لكون الجارحة المخصوصة هي المقصود في كون الرجل ربيئة إذا ما عداها لا يغني شيئا مع فقدها فصارت كأنها الشخص كله وعليه قوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيل} أي: صل ونحوه لا تقم فيد أبدا أي لا تصل وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم ما ذنبه)) أي: من صلى.
ومنها عكس ذلك نحو: {يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم} أي: أناملهم.
وعليه قولهم: قطعت السارق وإنما قطعت يده.
ومنها تسمية المسبب باسم السبب كقولهم: رعينا الغيث أي: النبات الذي سببه الغيث وعليه قوله -عز وجل-: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} سمى جزاء الاعتداء؛لأنه مسبب عن الاعتداء وقوله تعالى: {وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} تجوز بالبلاء عن العرفان؛لأنه مسبب عنه كأنه قيل: ونعرف أخباركم.
وعليه قول عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا

الجهل الأول حقيقة والثاني مجاز عبر به عن مكافأة الجهل وكذا قوله تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَ} تجوز بلفظ السيئة عن الاقتصاص؛لأنه مسبب عنها قيل وإن عبر بها عما ساء أي: أحزن لم يكن مجازا لأن الاقتصاص محزن في الحقيقة كالجناية.
وكذا قوله تعالى: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ} تجوز بلفظ المكر عن عقوبته؛لأنه سببها قيل ويحتمل أن يكون مكر الله حقيقة لأن المكر هو التدبير فيما يضر الخصم وهذا محقق من الله تعالى باستدراجه إياهم بنعمه مع ما أعد لهم من نقمة.
ومنها تسمية السبب باسم المسبب كقولهم أمطرت السماء نباتا
وعليه قولهم كما تدين تدان أي كما تفعل تجازى
وكذا لفظ الأسنمة في قوله يصف غيث:
أقبل في المستن من ربابه
أسنمة الآبال في سحابه

وكذا تفسير إنزال أزواج الأنعام في قوله تعالى: {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} بإنزال الماء على وجه؛لأنها لا تعيش إلا بالنبات والنبات لا يقوم إلا بالماء وقد أنزل الماء فكأنه أنزلها ويؤيده ما ورد أن كل ما في الأرض من السماء ينزله الله تعالى إلى الصخرة ثم يقسمه قيل وهذا معنى قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} .
وقيل معناه وقضى لكم لأن قضاياه وقسمه موصوفة بالنزول من السماء حيث كتب في اللوح كل كائن يكون وقيل: خلقها في الجنة ثم أنزلها.
وكذا قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقً} أي: مطرا هو سبب الرزق وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرً} .
وقولهم: فلان أكل الدم أي: الدية التي هي مسببة عن الدم قال:
أكلت دما إن لم أرعك بضرة
بعيدة مهوى القرط طيبة النشر

وقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} ، أي أردت القراءة بقرينة الفاء مع استفاضة السنة بتقديم الاستعاذة.
وقوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} أي: أراد بقرينة: {فَقَالَ رَبِّ} .
وقوله تعالى: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا } أي: أردنا إهلاكها بقرينة فجاءها بأسنا.
وكذا قوله تعالى: {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَ} بقرينة {أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} وفيه دلالة واضحة على الوعيد بالإهلاك؛ إذ لا يقع الإنكار في أفهم يؤمنون في المجاز إلا بتقدير: "ونحن على أن نهلكهم".
ومنها تسمية الشيء باسم ما كان عليه كقوله عز وجل: {وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} أي: الذين كانوا يتامى إذ لا يتم بعد البلوغ.
وقوله: {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمً} سماه مجرما باعتبار ما كان عليه في الدنيا من الإجرام.
ومنها تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه كقوله تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرً} ومنها تسمية الحال باسم محله كقوله تعالى: {فليدع ناديه} أي: أهل ناديه ومنها عكس ذلك نحو: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ} أي: في الجنة
ومنها تسمية الشيء باسم آلته كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ} أي: بلغة قومه.
وقوله تعالى: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} أي ذكرا جميلا وثناء حسنا وكذا غير ذلك مما بين معنى اللفظ وما هو موضوع له تعلق سوى التشبيه
قال صاحب المفتاح وللتعلق بين الصارف عن فعل الشيء والداعي إلى تركه يحتمل عندي أن يكون المراد بمنعك في قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} دعاك ولا غير صلة قرينة المجاز وكذ: {مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ}.
قال الراغب رحمه الله: قال بعض المفسرين: إن معنى ما منعك ما حماك وجعلك في منعة مني في ترك السجود أي: في معاقبة تركه، وقد استبعد ذلك بعضهم بأن قال لو كان كذا لم يكن يجيب بأن يقول: أنا خير منه فإن ذلك ليس بجواب السؤال على ذلك الوجه وإنما هو جواب من قيل له: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ} .
ويمكن أن يقال في جواب ذلك: إن إبليس لما كان ألزم ما لم يجد سبيلا إلى الجواب عنه إذا لم يكن له من كالىء يحرسه ويحميه عدل عما كان جوابا كما يفعل المأخوذ بكظمه في المناظرة انتهى كلامه.
وقسم الشيخ صاحب المفتاح المجاز المرسل إلى خال عن الفائدة، ومفيد وجعل الخالي عن الفائدة: ما استعمل في أعم مما هو موضوع له كالمرسن في قول العجاج:
وفاحما ومرسنا مسرجا

فإنه مستعمل في الأنف لا بقيد كونه لمرسن مع كونه موضوعا له بهذا القيد لا مطلقا وكالمشفر في نحو قولن: فلان غليظ المشافر إذا قامت قرينة على أن المراد هو الشفة لا غير، وقال سمي هذا الضرب غير مفيد لقيامه مقام أحد المترادفين من نحو ليث وأسد وحبس ومنع عند المصير إلى المراد منه وأراد بالمفيد ما عدا الخالي عن الفائدة والاستعارة كما مر.
والشيخ عبد القاهر رحمه الله جعل الخالي عن الفائدة ما استعمل في شيء بقيد مع كونه موضوعا لذلك الشيء بقيد آخر من غير قصد التشبيه .
ومثله ببعض ما مثله الشيخ صاحب المفتاح، ونحوه مصرحا بأن الشفة والأنف موضوعان للعضوين المخصوصين من الإنسان فإن قصد التشبيه صار اللفظ استعارة كقولهم: في مواضع الذم غليظ المشفر فإنه بمنزلة أن يقال كأن شفته في الغلظ مشفر البعير وعليه قول الفرزدق:
فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي
ولكن زنجي غليظ المشافر

أي: ولكنك زنجي كأنه جمل لا يهتدي لشرفي، وكذا قول الحطيئة يخاطب الزبرقان:
قروا جارك العيمان لما جفوته
وقلص عن برد الشراب مشافره

فإنه وإن عنى نفسه بالجار جاز أن يقصد إلى وصف نفسه بنوع من سوء الحال ليزيد في التهكم بالزبرقان، ويؤكد ما قصده من رميه بإضاعة الضيف وإسلامه للضر والبؤس وكذا قول الآخر:
سأمنعها أو سوف أجعل أمرها
إلى ملك أظلافه لم تشقق

الضرب الثاني من المجاز الاستعارة: وهي ما كانت علاقته تشبيه معناه بما وضع له وقد تقيد بالتحقيقية لتحقق معناها حسا أو عقلا أي: التي تتناول أمرا معلوما يمكن أن ينص عليه ويشار إليه إشارة حسية أو عقلية فيقال إن اللفظ نقل من مسماه الأصلي فجعل اسما له على سبيل الإعارة للمبالغة في التشبيه أما الحسي فكقولك رأيت أسدا وأنت تريد رجلا شجاعا، وعليه قول زهير:
لدى أسد شاكي السلاح مقذف

أي: لدى رجل شجاع.
ومن لطيف هذا الضرب ما يقع التشبيه فيه في الحركات كقول أبي دلامة يصف بغلته:
أرى الشهباء تعجن إذ غدونا
برجليها وتخبز باليدين

شبه حركة رجليها حيث لم تثبتا على موضع تعتمد بهما عليه وهوتا ذاهبتين نحو يديها بحركة يدي العاجن فإنهما لا تثبتان في موضع بل تزلان إلى قدام لرخاوة العجين وشبه حركة يديها بحركة يدي الخابز، فإنه يثني يده نحو بطنه ويحدث فيها ضربا من التقويس كما تجد في يد الدابة إذا اضطربت في سيرها ولم تقو على ضبط يديها وأن ترمي بها إلى قدام وأن تشد اعتمادها حتى تثبت في الموضع الذي تقع عليه فلا تزول عنه ولا تنثني.
وأما العقلي فكقولك: أبديت نورا وأنت تريد حجة فإن الحجة مما يدرك بالعقل من غير وساطة حس؛ إذ المفهوم من الألفاظ هو الذي ينور القلب ويكشف عن الحق لا الألفاظ أنفسها وعليه قوله -عز وجل-: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ } أي: الدين الحق.
وأما قوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} فعلى ظاهر قول الشيخ جار الله العلامة استعارة عقلية؛لأنه قال شبه باللباس لاشتماله على اللابس ما غشي الإنسان والتبس به من بعض الحوادث.
وعلى ظاهر قول الشيخ صاحب المفتاح حسية؛لأنه جعل اللباس استعارة لما يلبسه الإنسان عند جوعه وخوفه من امتقاع اللون ورثاثة الهيئة فالاستعارة ما تضمن تشبيه معناه بما وضع له والمراد بمعناه ما عنى به أي: ما استعمل فيه فلم يتناول ما استعمل فيما وضع له وإن تضمن التشبيه به نحو زيد أسد ورأيته أسدا ونحو رأيت به أسدا لاستحالة تشبيه الشيء بنفسه على أن المراد بقولن: ما تضمن مجاز تضمن بقرينة تقسيم المجاز إلى الاستعارة وغيرها. والمجاز لا يكون مستعملا فيما وضع له وههنا شيء لا بد من التنبيه عليه وهو أنه إذا أجرى في الكلام لفظ دلت القرينة على تشبيه شيء بمعناه فيكون ذلك على وجهين:
أحدهم: أن لا يكون المشبه مذكورا ولا مقدرا كقولك: رنت لنا ظبية وأنت تريد امرأة ولقيت أسدا وأنت تريد رجلا شجاعا ولا خلاف أن هذا ليس بتشبيه وأن الاسم فيه استعارة.
والثاني: أن يكون المشبه مذكورا أو مقدورا فاسم المشبه به إن كان خبرا أو في حكم الخبر كخبر كان وإن والمفعول الثاني لباب علمت والحال فالأصح أنه يسمى تشبيها وأن الاسم فيه لا يسمى استعارة لأن الاسم إذا وقع هذه المواقع فالكلام موضوع لإثبات معناه لما يعتمد عليه أو نفيه عنه فإذا قلت زيد أسد فقد وضعت كلامك في الظاهر لإثبات معنى الأسد لزيد، وإذا امتنع إثبات ذلك له على الحقيقة كان لإثبات شبه من الأسد له فيكون اجتلابه لإثبات التشبيه فيكون خليقا بأن يسمى تشبيها إذ كان إنما جاء ليفيده بخلاف الحالة الأولى فإن الاسم فيها لم يجتلب لإثبات معناه للشيء كما إذا قلت: جاءني أسد ورأيت أسدا فإن الكلام في ذلك موضوع لإثبات المجيء واقعا من الأسد والرؤية واقعة منك عليه لا لإثبات معنى الأسد لشيء فلم يكن ذكر المشبه به لإثبات التشبيه وصار قصد التشبيه مكنونا في الضمير لا يعلم إلا بعد الرجوع إلى شيء من النظر.
ووجه آخر في كون التشبيه مكنونا في الضمير وهو أنه إذا لم يكن المشبه مذكورا جاز أن يتوهم السامع في ظاهر الحال أن المراد باسم المشبه به ما هو موضوع له فلا يعلم قصد التشبيه فيه إلا بعد شيء من التأمل بخلاف الحالة الثانية فإنه يمتنع ذلك فيه مع كون المشبه مذكورا أو مقدرا.
ومن الناس من ذهب إلى أن الاسم في الحالة الثانية استعارة لإجرائه على المشبه مع حذف كلمة التشبيه وهذا الخلاف لفظي راجع إلى الكشف عن معنى الاستعارة والتشبيه في الاصطلاح وما اخترناه هو الأقرب لما أوضحنا من المناسبة وهو اختيار المحققين كالقاضي أبي الحسن الجرجاني والشيخ عبد القاهر والشيخ جار الله العلامة والشيخ صاحب المفتاح رحمهم الله غير أن الشيخ عبد القاهر قال بعد تقرير ما ذكرناه: فإن أبيت إلا أن تطلق اسم الاستعارة على هذا القسم.
فإن حسن دخول أدوات التشبيه لا يحسن إطلاقه وذلك كأن يكون اسم المشبه به معرفة كقولك زيد الأسد وهو شمس النهار فإنه يحسن أن يقال زيد كالأسد وخلته شمس النهار وإن حسن دخول بعضها دون بعض هان الخطب في إطلاقه وذلك كأن يكون نكرة غير موصوفة كقولك: زيد أسد فإنه لا يحسن أن يقال: زيد كأسد ويحسن أن يقال: كأن زيدا أسد ووجدته أسدا، وإن لم يحسن دخول شيء منها إلا بتغيير لصورة الكلام وكان إطلاقه أقرب لغموض تقدير أداة التشبيه فيه وذلك بأن يكون نكرة موصوفة بما لا يلائم المشبه به كقولك: فلان بدر يسكن الأرض وهو شمس لا تغيب وكقوله:
شمس تألق والفراق غروبها
عنا وبدر والصدود كسوفه

فإنه لا يحسن دخول الكاف ونحوه في شيء من هذه الأمثلة ونحوها إلا بتغيير صورته كقولك هو كالبدر إلا أنه يسكن الأرض وكالشمس إلا أنه لا يغيب وكالشمس المتألقة إلا أن الفراق غروبها وكالبدر إلا أن الصدود وكسوفه.
وقد يكون في الصفات والصلات التي تجيء في هذا النحو ما يحيل تقدير أداة التشبيه فيه فيقرب إطلاقه أكثر وذلك مثل قول أبي الطيب:
أسد دم الأسد الهزبر خضابه
موت فريص الموت منه يرعد

فإنه لا سبيل إلى أن يقال المعنى هو كالأسد وكالموت لما في ذلك من التناقض لأن تشبيهه بجنس السبع المعروف دليل أنه دونه أو مثله وجعل دم الهزبر الذي هو أقوى الجنس خضاب يده دليل أنه فوقه وكذلك لا يصح أن يشبه بالموت المعروف ثم يجعل الموت يخاف منه وكذا قول البحتري:
وبدر أضاء الأرض شرقا ومغربا
وموضع رحلي منه أسود مظلم

إن رجع فيه إلى التشبيه الساذج حتى يكون المعنى هو كالبدر لزم أن يكون قد جعل البدر المعروف موصوفا بما ليس فيه فظهر أنه إنما أراد أن يثبت من الممدوح بدرا له هذه الصفة العجيبة التي لم تعرف للبدر فهو مبني على تخييل أنه زاد في جنس البدر واحدا له تلك الصفة فالكلام موضوع لا لإثبات الشبه بينهما ولكن لإثبات تلك الصفة فهو كقولك: زيد رجل كيت كيت لم تقصد إثبات كونه رجلا لكن إثبات كونه متصفا بما ذكرت فإذا لم يكن اسم المشبه به في البيت مجتلبا لإثبات الشبه تبين أنه خارج عن الأصل الذي تقدم من كون الاسم مجتلبا لإثبات الشبه فالكلام فيه مبني على أن كون الممدوح بدرا أمر قد استقر وثبت.
وإنما العمل في إثبات الصفة الغريبة وكما يمتنع دخول الكاف في هذا ونحوه يمتنع دخول كأن ونحوه تحسب لاقتضائهما أن يكون الخبر والمفعول الثاني أمرا ثابتا في الجملة إلا أن كونه متعلقا بالاسم والمفعول الأول مشكوك فيه كقولن: كأن زيدا منطلق أو خلاف الظاهر كقولن: كأن زيدا أسد والنكرة فيما نحن فيه غير ثابتة فدخول كأن وتحسب عليها كالقياس على المجهول وأيضا هذا النحو إذا فليت عز سره وجدت محصوله أنك تدعي حدوث شيء هو من الجنس المذكور إلا أنه اختص بصفة عجيبة لم يتوهم جوازها على الجنس فلم يكن لتقدير التشبيه فيه معنى وإن لم يكن اسم المشبه به خبرا للمشبه ولا في حكم الخبر كقولهم رأيت بفلان أسدا ولقيني منه أسد سمي تجريدا كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ولم يسم استعارة؛لأنه إنما يتصور الحكم على الاسم بالاستعارة إذا جرى بوجه على ما يدعي أنه مستعار له إما باستعماله فيه أو بإثبات معناه له والاسم في مثل هذا غير جار على المشبه بوجه، ولأنه يجيء على هذه الطريقة ما لا يتصور فيه التشبيه فيظن أنه استعارة كقوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ} ؛إذ ليس المعنى على تشبيه جهنم بدار الخلد؛ إذ هي نفسها دار الخلد، وكقول الشاعر:
يا خير من يركب المطي ولا
يشرب كأسا بكف من بخلا

فإنه لا يتصور فيه التشبيه وإنما المعنى أنه ليس ببخيل ولا يسمى تشبيها أيضا لأن اسم المشبه به لم يجتلب فيه لإثبات التشبيه كما سبق وعده الشيخ صاحب المفتاح تشبيها والخلاف أيضا لفظي .
والدليل على أن الاستعارة مجاز لغوي كونها موضوعة للمشبه به لا للمشبه ولا لأمر أهم منهما كالأسد فإنه موضوع للسبع المخصوص لا للرجل الشجاع ولا للشجاع مطلقا؛لأنه لو كان موضوعا لأحدهما لكان استعماله في الرجل الشجاع من جهة التحقيق لا من جهة التشبيه وأيضا لو كان موضوعا للشجاع مطلقا لكان وصفا لا اسم جنس.
وقيل الاستعارة مجاز عقلي بمعنى أن التصرف فيها في أمر عقلي لا لغوي؛لأنها لا تطلق على المشبه إلا بعد ادعاء دخوله في جنس المشبه به لأن نقل الاسم وحده لو كان استعارة لكانت الأعلام المنقولة كيزيد ويشكر استعارة ولما كانت الاستعارة أبلغ من الحقيقة؛لأنه لا بلاغة في إطلاق الاسم المجرد عاريا عن معناه ولما صح أن يقال لمن قال رأيت أسدا يعني زيدا أنه جعله أسدا كما لا يقال لمن سمى ولده أسدا إنه جعله أسدا لأن جعل إذا تعدى إلى مفعولين كان بمعنى صير فأفاد إثبات صفة للشيء فلا تقول جعلته أميرا إلا على معنى أنك أثبت له صفة الإمارة.
وعليه قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} المعنى أنهم أثبتوا صفة الأنوثة واعتقدوا وجودها فيهم وعن هذا الاعتقاد صدر عنهم للملائكة إطلاق اسم الإناث عليهم لا أنهم أطلقوه من غير اعتقاد ثبوت معناه لهم بدليل قوله تعالى: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} وإذا كان نقل الاسم تبعا لنقل المعنى كان الاسم مستعملا فيما وضع له ولهذا صح التعجب في قول ابن العميد:
قامت تظللني من الشمس
نفس أعز علي من نفسي
قامت تظللني ومن عجب
شمس تظللني من الشمس

والنهي عنه في قول الآخر:
لا تعجبوا من بلي غلالته
قد زر أزراره على القمر

وقوله:
ترى الثياب من الكتان يلمحها
نور من البدر أحيانا فيبليها
فكيف تنكر أن تبلى معاجرها
والبدر في كل وقت طالع فيها

والجواب عنه أن ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به لا يخرج اللفظ عن كونه مستعملا في غير ما وضع له وأما التعجب والنهي عنه فيما ذكر فلبناء الاستعارة على تناسي التشبيه قضاء لحق المبالغة، فإن قيل: إصرار المتكلم على ادعاء الأسدية للرجل ينافي نصبه قرينة مانعة من أن يراد به السبع المخصوص قلن: لا منافاة ووجه التوفيق ما ذكره السكاكي، وهو أن تبنى دعوى الأسدية للرجل على ادعاء أن أفراد.
ع1:
علاقة: الجزئية، الكلية، اعتبار المكان
ج2:
البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها، لعبد الرحمن الميداني.
القسم الثاني: "المجاز المرسل" وهو نوعان:
* نوعٌ توُجَدُ فيه علاقة غير المشابهة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي الذي استعمل اللّفظ للدّلالة به عليه، كاستعمال "اليد" بمعنى النعمة لعلاقة كون اليد هي الوسيلة التي تستعمل عادة في عطاء الإِنعامات، وكإسناد الفعل أو ما في معناه لغير ما هو له.
* ونَوْعٌ لا توجد فيه علاقة فكريَّةٌ ما، وإنّما كان مجرّد توسُّع لغوي، كالمجاز بالحذف دون ملاحظة علاقة فكرية، وكالمجاز بالزيادة، وغير ذلك.
وسُمِّيَ هذا "مجازاً مُرْسَلاً" لكونه مُرْسلاً عن التقييد بعلاقة المشابهة، سواء أكان له علاقة غير المشابهة، أمْ لم تكن له علاقة ما.
فنُّ المجاز ودواعيه وأغراضه:
المجاز طريق من طُرُق الإِبداع البيانيّ في كلِّ اللّغات، تدفع إليه الفطرة الإِنسانيّة المزوّدة بالقدرة على البيان، واستخدامِ الحِيَل المختلفة للتعبير عمّا في النفس من معانٍ تُرِيدُ التَّعْبيرَ عنها.
وقد استخدمه الناطق العربيّ في عصوره المختلفة، في حواضره وبواديه استخداماً بارعاً وواسعاً جدّاً، حتَّى بلغت اللّغة العربيّة في مجازاتها مبلغاً مثيراً للإِعجاب بعبقريّة الناطقين بها في العصور الجاهليّة، وفي العصور الإِسلاميّة، وكان لفحول الشعراء، وأساطين البلغاء، من كُتَّابٍ وخطباء، أفانينُ بديعة، عجيبة ومُعْجِبة من المجاز، لا يَتَصَيَّدُها إلاَّ الأذكياء والفطناء، المتمرّسون بأساليب التعبير غير المباشر عن أغراضهم.
وليس المجاز مُجَرَّد تلاعُبٍ بالكلام في قفزاتٍ اعتباطيّة منْ استعمال كلمة أو عبارةٍ موضوعةٍ لمعنىً، إلى استعمال الكلمة أو العبارة بمعنى كلمة أو عبارةٍ أخرى موضوعة لمعنىً آخر، ووضع هذه بدل هذه للدّلالة بها على معنَى اللّفظ المتروكِ المستَبْدَلِ به اللفظ الآخر.
بل المجازُ حركاتٌ ذهنيّة تَصِلُ بين المعاني، وتعقِدُ بينها روابطَ وعلاقاتٍ فكريّةً تسمح للمعبّر الذكِيّ اللّمّاح بأن يستخدم العبارة الّتي تدلُّ في اصطلاح التخاطب على معنىً من المعاني ليُدلَّ بها على معنىً آخر، يمكن أن يفهمه المتلَقِّي بالقرينة اللفظيّة أو الحاليّة، أو الفكريّة البحت.
* إنّه مثلاً قد يلاحظ انقطاع الصلة بين فئة من الناس وفئة أخرى، أو قومٍ وقوم آخرين، لعداوة قائمة بينهما، ويرى إصْرار كلٍّ من الفريقين على موقفه العدائي، ومجافاة الفريق الآخر، وعدم التلاقي به أو التعامل معه، فَيَلْمَحُ أنّ هذا الأمر بين الفريقين يشبه جبَلَيْنِ يفصل بينهما وادٍ سحيق ليس له قرار، ويلْمَح أنّ إقامة الصِّلاتِ بينهما متعذّرٌ أو متعسّر جدّاً ما دام هذا الفاصل السحيق بينهما، فيخطرُ له أن يتخذ وسطاء مقبولين، من كلٍّ من الفريقين، ليقوم هؤلاء الوسطاء بنقل المصالح والحاجات بينهما.
ويَلْمح أن هؤلاء الوسطاء سيكونون بمثابة الجسور التي تُبْنَى فوق الوادي، ويكون أحد طرفيها على هذا الجبل، والطرف الآخر على الجبل الآخر، وعندئذٍ لا يحتاج المجتازُ أن يَعْبُرَ الوادي السحيق المتعذّر العبور أو العسير جدّاً.
حيت تكتمل لديه الصورة على الوجه الذي سبق تفصيله يختصر في التعبير فيقول: "نقيم بين الفريقين المتعادِيَيْن جُسُورَ التواصل".
إنّه يستخدم كلمة "جسور" استخداماً مجازيّاً، يدركه المتلقّي بالتفكّر، لأنّ الفئات المتخاصمة المتجافية لا تُقام بينهما جسورٌ مادّيّة، بل يقوم الوسطاء بينها بحلّ كثير من المشكلات بينها.
وتدلُّ كلمة "جسور" على صورة ذات عناصر كثيرة، وكلُّ من هذه العناصر ذو دلالة خاصة، وأبعادٍ فكريَّة متشعبة.
ولا يصعُبُ على من يَعْتَاد مثلَ هذه التعبيرات أن يُدْرِكَ أنَّ صاحب العبارة قد شَبَّه حالة الفريقين المتجافيين بحال مُرْتَفِعَيْنِ من الأرض بينهما فاصلٌ يتعذّر أو يعْسُر جدّاً اجتيازه إلاَّ بمجازٍ يُقَامُ بينهما، وهو الجسْرُ الذي يمتَدُّ فوق الوادي، ويكون أحد طرفيه على هذا المرتَفع، والطرف الآخر على المرتَفع الآخر.
* ويتكرّر مثلاً على ألسنة الناس استعمال عبارات: "أهل البلد - أهل القرية - أهل المدينة - أهل الدار" في جُمَل لا يَصْلُح فيها إلاَّ إرادة الأهل.
ثم يلاحظون أنَّه لا داعيَ لذكر كلمة "أهل" في هذه العبارات وأمثالها، لأنَّ المتلَقِّي لا يختلط عليه الأمر، فيختصرون في العبارة فيقولن مثلاً:
"اسأل قرية كذا - أطْعِمْ هذه الدار - عاقب المدينة الظالمة - كرّم البلد الآمن" على تقدير مضاف محذوف هو كلمة "أهل".
فيتجوَّزون في التعبير بداعي الاختصار والإِيجاز في الكلام، مع ملاحظة معاني بلاغية أخرى، كالإِشعار بأنّ كلَّ أهل المدينة يستحقُّون المعاقبة، وكلّ أهل البلد الآمن يستحقّون التكريم.
وهكذا يحمل المجاز في العبارة من المعاني الممتدة الواسعة، ومن الإِبداع الفني ذي الجمال الْمُعْجِب، ما لا يؤدّيه البيان الكلامي إذا اسْتُعْمِل على وجه الحقيقة في كثيرٍ من الأحيان.
مع ما في المجاز من اختصارٍ في العبارة وإيجاز، وإمتاعٍ للأذهان، وإرضاءٍ للنفوس ذوات الأذواق الرفيعة الّتي تتحسَّن مواطن الجمال البياني فَتَتَأَثَّرُ به تَأثُّرَ إعجاب واستحسان.
ودواعي المجاز وأغراضه يمكن ذكر أهمها فيما يلي:
أولاً: أنّ المجاز في الكلام هو من أساليب التعبير غير المباشر، الذي يكون في معظم الأحيان أوقع في النُّفوس وأكثر تأثيراً من التعبير المباشر.
ثانياً: يشتمل المجاز غالباً على مبالغة في التعبير لا تُوجد في الحقيقة، والمبالغة ذات دواعي بَلاغيّة متعدّدة، منها: "التأكيد - التوضيح - الإِمتاع بالجمال - الترغيب عن طريق التزيين والتحسين - التنفير عن طريق التشويه والتقبيح -"إلى غير ذلك.
ثالثاً: يُتِيحُ استخدام المجاز فرصاً كثيرة لابتكار صورة جمالية بيانيّة لا يُتِيحُهَا استعمال الحقيقة، فمعظم أمثلة التصوير الفني الرائع مشحونةٌ بالمجاز.
رابعاً: استخدام المجاز يُمَكِّنُ المتكلّم من بالغ الإِيجاز مع الوفاء بالمراد ووفرة إضافيّة من المعاني والصّور البديعة.
خامساً: المجاز بالاستعارة أبلغ من التشبيه، فما سبق بيانه في دواعي التشبيه وأغراضه موجود في الاستعارة مع أمور أخرى لا تُوجَدُ في التشبيه.
سادساً: المجاز المرسل أبلغ من استعمال الحقيقة في كثير من الأحيان إذا كان حالُ مُتَلَقِّي البيان ممّن يلائمهم استخدام المجاز، ويشدُّ انتباههم لتدبُّرِ المضمون وفهمه.
إلى غير ذلك من دواعي وأغراض تتفتّق عنها أذهان أذكياء البلغاء.
ع1:
علاقة: اعتبار ما يكون، الحالية، المحلية، الآلية، المجاورة
ج2:
البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها، لعبد الرحمن الميداني.
علاقات المجاز المرسل:
يكفي وجود علاقة من العلاقات الآتيات ونحوها لإِطلاق اللّفظ إطلاقاً مجازيّاً على غير ما وُضِعَ له في اصطلاحٍ ما يجري به التخاطب:
(1) كون المعنى الأصليّ سَبَباً للمعنى الذي يُطْلَقُ عليه اللّفظ مجازاً، أو مُسَبَّباً عنه، مثل:
* قول المتننبيّ يمدح محمّد بن عُبَيْد الله العلوي:
لَهُ أَيَادٍ إِلَيَّ سَابِقَةٌ
أَعُدُّ مِنْهَا وَلاَ أُعَدِّدُهَا

أطْلَقَ لفظ "أيادٍ" وهي جمع "يَدٍ" بمعنى الإِحسان، لأنّ عطاءات الإِحسان تكون باليد، فهو من إطلاق السَّبَب وإرادة المسبّب.
* قول الله عزَّ وجلَّ في سُورة (غافر/ 40 مصحف/ 60 نزول): {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَآءِ رِزْقاً...} [الآية:13].
أي: ويُنَزّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً وَضِيَاءً مِنَ الشمس فيُخْرِجُ لكُمْ بهما نباتاً له ثمراتٌ مختلفات هي رزْقٌ لَكُمْ، فالرّزق مُسَبَّبٌ عَمَّا يَنْزِلُ مِنَ السّماء، وهذا من إطلاق الْمُسبَّب وإرادة السبب، وفائدة هذا المجاز الدلالَةُ على المعنيين مع كمال الإِيجاز.
(2) كون المعنى الأصلي للّفظ كُلاًّ للمعنى الذي يُرادُ منه على سبيل المجاز، أو بعضاً له، مثل: قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (البقرة/ 2 مصحف/ 87 نزول): {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ...} [الآية:19].
أي: يجعلون بعض أصابعهم، وهي رؤوسُها، وهذا من إطلاق الكلّ وإرادة بعضه، وفائدة هذا المجاز الإِشعار بما في نفوسهم من الرغبة بإدخال كلّ أصابعهم في آذانهم حتى لا يصل إليها الصوت الشديد المميت الذي تحدثه الصواعق.
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (النساء/ 4 مصحف/ 92 نزول): {...فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ...} [الآية:92].
أي: فعتْقُ رقيق مؤمن أو رقية مؤمنة، وهذا من إطلاق بعض العتيق وهو رقبته، وإرادةِ كلّه.
وفائدة هذا الإِطلاق المجازيّ الإِيجازُ في التعبير من جهة، لأنّ الرقبة تكون بعض كلٍّ من الذكر والأنثى، والإِشارةُ إلى أنّ الأرقاء كانوا يُغَلُّون من أعناقهم، فإذا أُعْتِقُوا حُرِّرُوا من هذه الأغلال.
(3) كون المعنى الأصليّ للّفظ لازماً للمعنَى الذي يُرادُ منه على سبيل المجاز، أو ملزوماً له، مثل:
* أن يقول العامل المستأجَر من طلوع الشمس إلى غروبها، مشيراً إلى انتهاء وقت عمله:
أقْبَلَ اللَّيْلُ إِلَيْنَا وَالشَّفَقْ
أَفَأَبْقَى عَامِلاً حَتَّى الْغَسَقْ

أي: غابت الشمس، فأطْلٌَ إقبالَ اللّيل مريداً غيابَ الشمس، وذلك لأنه يلزم من غياب الشمس إقبال اللّيل، فهذا من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم.
وأن يقول القائل: هذه الأقلام تكتب في الصُّحف، أي: أخذ الكاتبون يكتبون، فأطلق الأقلام وأراد أيدي الكتّاب، إذ يلزم من حركة الأيدي في الكتابة حركة الأقلام، فهذا من إطلاق الّلازم وإرادة الملزوم.
* قول القائل لصاحبه: هذا وقت زوال الشمس، أي: وقت وجوب صلاة الظهر، فهذا من إطلاق الملزوم وهو قت زوال الشمس، وإرادةِ لازِمه، وهو وقت وجوب صلاة الظهر.
(4) كون المعنى الأصليّ للفظ مُطْلقاً، والمعنَى الذي يُطْلق عليه اللّفظُ مجازاً مقيداً، مثل:
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (البقرة/ 2 مصحف/ 87 نزول): {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ...} [الآية:222].
جاء في هذه الآية الأمر باعْتزَال النساء في المحيض، وهو مطلَقٌ ولكن أريد منع اعتزال مقيّد وهو اعتزال جِمَاعِهِنّ.
وجاء في النهي عن الاقتراب منهنّ حتى يَطْهُرْن، وهو أيضاً مطلق، ولكن أريد منه اقترابٌ مُقَيَّدٌ، وهو الاقتراب منهنّ في الجماع.
وفائدة هذا المجاز تأكيد النهي بطلب الابتعاد عن الدواعي التي تدعو إلى ارتكاب المنهيّ عنه.
(5) كون المعنى الأصلي للفظ عامّاً، والمعنى الّذي يُطْلق عليه اللّفظ على سبيل المجَاز خاصّاً، أو عكس هذا، مثل:
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (آل عمران/ 3 مصحف/ 89 نزول) بشأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.
جاء في هذه الآية إطلاق اللفظ العام وهو كلمة "الناس" مرّتين والمراد ناسٌ خاصُّون.
فالقائل المبلّغ لمصلحة الناس المشركين أعرابيٌّ من خُزاعَة، وجاء التعبير عنه بلفظ "الناس".
والمراد من "الناس" الّذين جمعوا جمعوهم للمؤمنين هم مشركو مكة.
فما في الآية هو من إطلاق العامّ وإرادة الخاص على سبيل المجاز المرسل، وفائدة هذا المجاز تدريب المؤمنين على التوكّلِ على الله، وعدم التأثر بأقوال الناس وجموعهم، ولو كانوا كلَّ الناس أو معظمهم.
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الإِسراء/ 17 مصحف/ 50 نزول): {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً}.
جاء في هذه الآية نَهْيُ الولد عن أن يقول لأحد والديه كلمة "أُفّ" وهذه الكلمة كلمة خاصّة من عُمُوم الكَلِماتِ الّتي يكون فيها إيذاءٌ لهما، وهي أدناها، والكلام المؤذي أمْرٌ خاصّ من عموم ما يؤذيهما كالضرب، والمراد كلّ ما يؤذيهما، وهذا من إطلاق خصوص أذىً معين، وإرادةِ كلّ ما يؤذي على وجه العموم، فهو من إطلاق الخاص وإرادة العامّ.
وفائدة هذا المجاز التنبيه بالأخفّ على الأشدّ، وتدريب المخاطبين على أن يُعْمِلوا عُقُولَهُمْ في فهم النصوص ليَقيسوا الأشباه والنظائر بعضها على بعض، ولِيعْلَمُوا أنّ النّهيَ عن الإِضرار أو الإِيذاء الأخف يَدُلُّ بداهة على ما هو أشدّ منه.
(6) كون المعنى الأصلي للّفظ حالاًّ في معنى اللّفظ الذي يُرادُ استعماله بدله على سبيل المجاز، أو مَحَلاًّ له، مثل: * قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (المؤمنون/ 23 مصحف/ 74 نزول) بشأن شجرة الزيتون: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ}.
أي: تَنْبُت بناتٍ وثَمَرٍ فيه الدُّهْنُ وهو الزيت، فجاء في هذه الآية إطلاقُ الدُّهْنِ مُراداً به النَّباتُ والثَّمَرُ الذي يُوجَدُ في داخله الدّهن، وهذا من إطلاق الحالِّ في الشيء وإرادَة مَحَلِّه، إذ الّذي يَنْبُتُ هي الفروع والْوَرَقُ والثَّمَرات التي يوجد فيها الدُّهن.
وفائدة هذا المجاز الإِيجاز، وتَوْجيهُ نظر المخاطبين لما في شجرة الزيتون من دُهْنٍ عظيم النفع للناس، كي يُولُوا زيتَ الزيتون اهتماماً خاصّاً، ويشكروا نعمة الله عليهم به.
ومثله: {خُذُوا زينتكم} أي: خُذُوا الأشياء الّتي فيها زينتكم، فهذا من إطلاق الحالِّ على المحلِّ.
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (العلق / 96 مصحف/ 1 نزول): {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}.
فليْدعُ ناديه: أي: فلْيَدْعُ أهْلَ ناديه، وهذا من إطلاق المحلّ وهو النادي وإرادةِ الحالِّ فيه، وهم أهل هذا المحلِّ.
وفائدةُ هذا المجاز مع الإِيجاز إرادةُ التعميم، لأنّ الناديَ يَحْوِي كلّ أهله، وإرادةُ أنصارِه المصطفين، لأنّ الإِنسان يصطفى لناديه الخاصّ أخلَصَ المخلِصين له الذين يُدافعون عنه بصدق.
ومثله: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}: أي: عند كلّ صلاة، فهذا من إطلاق المحلّ على ما يجري فيه من عمل.
(7) كوْنُ المعنى الأصلي للفظ والمعنى الذي يُطْلَق عليه اللّفظ على سبيل المجاز متجاوِرَيْن، مثل:
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (البلد/ 90 مصحف/ 35 نزول): {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ}.
جاء في هذا النصّ إطْلاَقُ لفظ الرَّقَبَة عَلَى الْغُلِّ الّذِي يَكُونُ مجاوراً لها ومحيطاً بها، إذِ الرَّقبةُ ليست هي الّتي تُفَكُّ، إِنَّما يُفَكُّ الْغُلُ المجاورُ لَها والمحيط بها، فهذا من إطلاق اللّفظ وإرادة ما جاوره، وفَكُّ الرَّقبةِ كنايةٌ عن عِتقِ الرقيق.
وفائدة هذا المجاز الإِشعارُ بأنّ فَكَّ الْغُلّ يُرادُ مِنْهُ إطلاقُ رَقبة المغلوب به، لتحرير صاحب الرقبة من الأسْر، مع ما في هذا المجاز من إيجاز.
(8) كونُ المعنى الأصلي للّفظ قد كان فيما مضَى على ما يُطْلَقُ عليه الآن، فيُطْلَقُ عليه مجازاً باعتبار ما كان عليه في الماضي.
أو كون المعنى الأصلي للفظ سيكون فيما سيأتي في المستقبل على ما يُطْلَق عليه الآن، فيُطْلَقُ عليه مجازاً باعتبار ما سيكون عليه في المستقبل. مثل:
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (النساء/ 4 مصحف/ 92 نزول): {وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً}.
حُوباً كبيراً: أي: إثْماً كبيراً مُهْلكاً.
جاء في هذه الآية إطلاق لفظ "اليتامى" على من بلغوا رشدهم ممّن كانوا يتامَى قبل ذلك، لأنّ من بلغ رُشْده من ذكر وأنثى لا يُسَمَّى يتيماً، فهذا من إطلاق اللَّفظ مجازاً على الشيء بالنظر إلى ما كان عليه.
وفائدة هذا الإِطلاق الإِيجاز من جهتين:
الأولى: أنّ لفظ "اليتامى" يُطْلَقُ على المذكّر والمؤنث.
الثانية: أنّ إطلاق هذا اللفظ مجازاً يغني عن عبارة طويلة يقال فيها: وآتوا الذين كانوا يَتَامَى فبلغوا رُشْدَهُمْ أَمْوَالهم.
* وقول الله عزَّ وجلَّ في سورة (يوسف/ 12 مصحف/ 53 نزول) بشأن استفتاء أحد صاحبيه في السّجن عن رؤيَا رآها: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} [الآية:36].
أي: أَعْصِرُ عِنَباً ليكون فيما بَعْدُ خَمْراً، فَأُطْلِقَ في هذه العبارة لفظُ الْخَمْر عَلى الْعِنَب باعتبار المقصود من عَصْرِه وهو أن يكون فيما بَعْدُ خمْراً.
وظاهرٌ أَنَّ فائدة هذا المجاز الإِيجاز، وهو من الأغراض البلاغيّة الكبرى، فبدل أن يقول: إني أراني أعصر عنباً ليكون في المستقبل خمراً، قال: إني أراني أعْصِر خمراً. والقرينة الصارفة قرينة عقلية، لأنّ الخمر لا تُعْصَر.
(9) كون المعنى الأصلي للّفظ آلة للمعنى الذي يُرادُ استعمال اللّفظ للدلالة به عليه، مثل.
* أن نقول: ضَرَبَ المؤدّب تِلْميذه عشرين سَوْطاً.
أي: عشرينَ ضرباً بالسّوط، فجاء في هذا المثال إطلاق لفظ السوط الذي هو آلة، وإرادةُ حدَثِ الضرب الذي كان بالسوط.
وظاهرٌ ما في هذا المجاز من إيجاز.
(10) كون المعنى الأصلي للّفظ مُبْدَلاً أو بَدلاً، والمعنَى الذي يُسْتَعْمَل للدلالة به عليه مجازاً بَدَلاً أو مُبْدَلاً، فالعلاقة هي: "الْبَدَليّة". مثل: * أن يقول العامل لربّ العمل الذي يم يُعطِه أجْرَ عمله: "أكَلْتَ عَمَلِي" أي: أكَلْت أجْرِي الي هو بدلُ عَمَلي.
فهذا من إطلاق المبْدَل وإرادة البدل.
ونظيرُهُ أن يقال: إنّ فلان أكلوا دَمَ القتيل الذي قتلوه، أي: أكلوا الديّة والتي هي بَدَلُ دَمِه الذي زهقت نفسه بإراقته.
فهذا من إطلاق المبْدَل وإرادة الْبَدَلَ أيضاً.
ومن عكس هذا أن يقال: دفع بنو فلان ديَةَ فلان، أي: قتلوه فدفعوا بدل إراقة دمه الدّية، إذَا دلّت القرينة على هذا.
فهذا من إطلاق البدل وإرادة الْمُبْدَل، وهو القتل.
وظاهرٌ ما في هذا المجاز من إيجاز.
(11) علاقة الإِضافة بين المضاف وبين المضاف إليه، وهذه العلاقة تتبع معنى الحرف المقدر في الإِضافة، فقد يُحذَف المضافُ أو المضافُ إليه ويُطْلَقُ لفظ الباقي منهما على المحذوف مجازاً. مثل:
* أن نقول: فتح صاحب الدار دارَه وأذِنَ لقاصديه بالدخول. أي: فتح باب داره.
فهذا من حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، والإِضافة هنا على تقدير "لام" الاختصاص

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق