السبت، 29 مارس 2014

دراسات فنية في بعض سور القران

اءن يـكون الجن قد عبر عنه باءنهم كانوا طوائف متفرقة لا تجمعها وحدة فكرية , الا اءن النص من الـمـمـكـن مـثلا اءن عبر عن ذلك بالتعبير المشار اليه . و اءيا كان الامر, فما دامت العبارة قرآنية الـصياغة , فان الدلالة لا تنفصل , عنها مما يعني اءنها محكومة بالسمات الفنية , و منها نمط الاستعارة .
فـالقدة مثلا هي القطعة تختلف دلالتها التفصيلية عن عبارة حزب اءو طائفة اءو جماعة اءو التشتت اءو الـتـفـرق ... الـخ , لـذلك فان المتلقي يتحسس بغناءالتعبير عندما يجد اءن الاستعارة قد انتخبت (الطريقة ) بمعنى الاتجاه مثلا, و انتخبت (قددا) بمعنى (التشتت ), و انتخاب (القدد) دون غيرها يـحـسـسنا باءن (القدة ), و هي تعني اءن كل اتجاه منفصل تماما عن الاتجاه الاخر, و لا تربط اءية خيوط من التلاقي بين هذاالاتجاه اءو ذاك .
مـن هنا, فان (التشتت ) مثلا اءو اءية عبارة اءخرى قد لا تمنحنا نفس الزخم الدلالي الذي ترشح به العبارة القرآنية الكريمة .
اذن : حـتـى في نقل النص لاقوال الاخرين انما يصوغها وفق عبارة اءو تركيب نستنطق من خلاله غير ما نستنطق من التركيب الاخر الذي تفوهت بهذه الشخصية اءوتلك , بالنحو الذي اءلمحنا اليه .

سورة المدثر

قال تعالى : (فما لهم عن التذكرة معرضين # كاءنهم حمر مستنفرة # فرت من قسورة ) ((287)) . الـنـص يتحدث عن المنحرفين , متسائلا : لم يعرض هؤلاء المنحرفون عن تذكيرهم باللّه تعالى و بـمبادئه و باليوم الاخر, هنا يبداء النص فيشبه هؤلاء المنحرفين (المعرضين )بالحمار الهارب من الاسد.
ان هـذه الصورة التشبيهية تنطوي على سمات فنية متنوعة , منها : اءن النص قد شبههم بالحمر دون غيرها من الحيوانات . و قد سبق عند حديثنا في سورة الجمعة اءن اءوضـحـنـابـاءن هـذه الـدابة تتميز عن غيرها بالتخلف الادراكي , لذلك فان انتخابها للتشبيه يحمل مسوغه الفني .
بـيـد اءن الاهـم من ذلك هو : المسافة الصورية الممتدة الى فضاء آخر هو : الحاق الطابع الوصفي لـلحمر بعبارة (مستنفرة ), ثم الحاقه بجملة (فرت من قسورة ), فالتخلف الادراكي الذي يستهدف الـنـص القرآني ابرازه لدى المنحرفين , قد قرنه بتخلف الحمر, و هي تواجه محركا خارجيا هو الاسد, فاءولا ياءتى رد فعلها (استتنفارا) ثم (هروبا).
طبيعيا اءن الحمر لتخشى من الاسد, و يبدو اءن الشفرة الفنية هنا, اءن النص قد انتخب الاسد كما نحتمل دون غيره لـجملة محتملات , منها: اءن الاسد يمتاز بالشجاعة , ومنها:اءن طابع الاسد المذكور قد يتوفر لدى الـوحش مثلا, الا اءن سمة الوحش لا تتناسب مع المحرك الخارجي الذي استهدفه النص , حيث اءن الـمـحـرك (و هو : التذكرة ) سوف يتداعى بذهن المتلقي الى المحرك الاخر (المشبه به ) و هو الاسـد, و حـيـنئذ يتناسب طرفا التشبيه .من زاوية اءخرى , فان الاستنفار من جانب و الهروب من جـانب آخر, يسم الدواب الوحشية التي اءلفت مناخ الفريسة و ما يصطرع فيه , من هنا, فان التشبيه بالحمر الوحشية دون غيرها يحمل مسوغاته بالشكل الذي اءلمحنا اليه .
اذن : اءدركـنـا جـانبا من الاسرار الفنية للصورة المذكورة , بامتداداتها المتنوعة , و ماتحفل به من نكات و شفرات فنية بالنحو الذي تقدم الحديث عنه .

سورة القيامة

قـال تـعـالـى : (وجـوه يـومـئذ نـاضرة # الى ربها ناظرة # و وجوه يومئذ باسرة # تظن اءن يفعل بها فاقرة ) ((288)) .
النص يتضمن خاصية صورية استعارية , مظفورة من عناقيد متنوعة , تجمع بين ماهو تركيب صوري و تـركـيـب مـجـازي , اءي العبارة المتسامح فيها, اءنها تتحدث عن المؤمنين و المنحرفين و نم ط اسـتـجابتهما حيال المصير الاخروي لهما, فالوجوه المؤمنة نضرة تطفح ببهجتها و رونقها و تتجه الـى مـعـطـيات ربها فتنظر اليها بعين القلب , و اءماالوجوه المنحرفة فعلى عكس ذلك , تظل عابسة عبوسا شديدا و تتوقع بشكل حاسم اءن تواجه اءشد العذاب القاصم للظهر.
هـذه الـمـواقف الاستجابية تظل فيما يبدو خلال المحاكمة و قبل التوجه الى المصيرالاخروي :
الجنة و النار.
و المهم هو اءن نتبين خلال الاجراء التحليلي للنص سمات الفن في التركيبات الصورية لهذه النص .
انـنا اءولا نواجه اءربعة صور تخضع لنسيج ثنائى , اءي : هناك صورة استمرارية عامة تنشطر الى صـورتـين اءولا, و كل صورة تنقسم الى صورتين اءيضا, و هذاكله يتم من خلال عنصر (التقابل ) الفني حيث نعرف جميعا اءن عملية التقابل تظل من اءهم العناصر المضفية على النص حيويته . التسيج الـثـنـائي هـو صورتا (ناضرة ) و (ناظرة )بالنسبة الى اءحد طرفي التقابل , و صورتا (باسرة ) و (فاقرة ) بالنسبة الى الطرف الاخر.
و الاهم من ذلك اءن هذه الصور واكبها نسيج جمالي آخر ينتسب الى عملية العنصرالايقاعي , مضافا الى عنصر مجازي .
العنصر الايقاعي هنا غني كل الغنى و ممتع كل الامتاع , فاءولا الصور الاربعة بكاملهاتخضع لقرار ايـقـاعـي واحـد (نـاضـرة , ناظرة ) باسرة , فاقرة , و هذا الخضوع لا ينحصر في مجرد التوافق الايـقـاعـي الذي نجده في كثير من النصوص القرآنية الكريمة , بل يتجاوزذلك الى البناء الهندسي لـثنائية الصور, حيث قلنا : ان كل صورتين تخصان اءحد الفريقين :المؤمن و المنحرف , يضاف الى ذلك اءن الايقاع يتصاعد و يتكثف عند ما يخضع الى التجانس اللفظي , و التجانس ليس ناقصا على حد التعبير البلاغي القديم بـل الـتـجـانـس الـكـامل بين اءصوات العبارتين (ناضره , ناظره ), فكونه من التجنيس و كونه من الـتـجـنـيـس الـكـامـل و كـونه من الاجزاء القرارية للنص , هذه المستويات الثلاثة من (توحد) الايقاع يضفى امتاعا لا حدود له البتة و تتضخم من عناصر الجمال الى درجة فائقة . ويضيف الى ذلك , و نـحن نتجاوز الان , عنصر الايقاع و مستوياته الى عنصر الصورة ومستوياته , فنجداءن العنصر الـمـجازي , و هو ما نطلق عليه العبارة التسامحية لنفرق بينهما و بين الصورة التركيبية (التشبيه ) الاستعارة , الرمز... الخ , نجد اءن المجاز يتمثل في قوله تعالى (ناظرة )حيث اءن النظر الحسي الى اللّه تـعـالى ممتنع كما هو واضح , بل يتسامح في التعبيرليستخلص منه النظر الى معطياته تعالى ,. و فـي هـذا الـنـطـاق اءن نستبدل الاصطلاح المذكور,فنقول : اننا اءمام رمز في الواقع , حيث يرمز (النظر) الى مواجهة معطيات اللّه تعالى .
و اءما (ناضرة ) فلا تحتاج الى تعقيب نظرا لوضوحها الاستعاري , حيث اءن النص خلع سمات النبات مثلا و هو يتسم باءشد سماته الحيوية (النضارة ) خلعها على الوجه البشري ,ليشير الى قمة امتاعها بالنعيم .
على العكس من ذلك , حينما نتجه الى ثنائية المنحرفين (باسرة , فاقرة ) نجد اءن الصورة تكشف بعدا يـخـلع على المنحرفين , ليس ما يضاد الحيوية في الوجوه , بل التهشيم الكامل لها,. انها وجوه عابسة مـقـطـبـة محتقنة مصحوبة بنمط من الاستجابات البائسة اليائسة , بحيث تدرك تماما اءنها ستواجه مصيرا قائما قاصما للظهر.
ان الـصـورة الـقـائلـة (يظن اءن يفعل بها فاقرة ) تزدحم بدورها باءكثر من نسيج فني ,فاءولا هي اسـتـعـارة , في باطن استعارة حيث سبقها استعارة (باسرة ), و ثانيا نسجت في بناءات ذات خطوط مـحـذوفة , على المتلقي اءن يملاها بتاءويله , اءي عليه اءن يقدر عبارة (فعلة ) لتكون (فاقرة ) صفة لها, اءي يكون الفضاء اللغوي لها بهذه الصياغة (يظن اءن يفعل بها فعلة فاقرة ).
و ثالثا ان الاستعارة ذاتها و هي قصم الظهر قـد استبدلت بمدلول هو (فقر الظهر) وللمرة الثانية تركت القارى ء يواجه خطا محذوفا عليه اءن يملاه اءيضا بتاءويله , اءي اءن يقدرعبارة (للظهر) بعد عبارة (فاقرة ).
و اءما مدلول الاستعارة ذاتها فلا يحتاج الى تعقيب اءيضا مادمنا على خبرة تامة باءن قصم الظهر يشكل صورة ماءلوفة , بيد اءن النص نقلها من فضائها اللغوي المستخدم سابقاالى فضاء جديد عندما استخدم (فاقرة ) بدل القصم , و بهذا يكون قد حقق مزيدا من الطرافة الفنية للصورة المشار اليها.
اذن : كم تحسسنا جمالية هذه الغابة المكثفة بالصور و تفريعاتها و مداخلاتهاالمتنوعة بالنحو الذي تقدم الحديث عنه .

سورة الدهر

قال تعالى : (انا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا...) ((289)) . الاية الكريمة اءعلاه تشكل جزء من حوار داخلي اءجراه علي و فاطمة و الحسنان عليهم السلام مع اءنـفـسـهـم حينما تبرعوا ثلاث ليال بافطارهم للمسكين و اليتيم و الاسير.ويعنينا منه : الصورة التركيبية الاستعارية و وضوحها, فهي تتحدث عن اليوم الاخروتخلع عليه سمة (العبوس ), و هي سمة بشرية كما هو واضح , كما تردفها بسمة وصفية ,وهي (قمطرير) بمعنى كثرة الشدة , اءي لا تخلع صفة العبوس فحسب , بل ترسمه في اءعلى درجاته كثافة .
و المهم هو : اءن نتاءمل الاسرار الكامنة وراء هذه الاستعارة الواضحة . و لعل المتلقي يستنطق هذه الاستعارة ليستخلص منها تاءويلاته لدلالة العبوس . فاءولا اءن الوجه البشري ,دون غيره من اءعضاء الـجـسم , نتوسم فيه اءعماق الشخص , صحيح اءن العينين مثلا تعبربدورها عن الاعماق كالتطييب اءو حـدة النظر و نحوهما, الا اءن الانعكاس الاشد سعة هوالوجه بصفته يشمل العينين و غيرهما كالجبين , حيث ترسم فيه آثار الانكماش بشكل واضح .
و لاول وهـلة قد يبدو اءن الخوف من اليوم الاخر لا يتجسد في موقف خاص كالمقرالاخير مثلا, بل يقترن بالوقوف في عرصاته , و بمواقف الحساب ثم ما يترتب على ذلك في نهاية المطاف .
و مـمـا لا شـك فـيه اءن العبوس الذي يسحب اءثره على كل موقف يظل هو الاشد تعبيرامن غيره بـالـنـسبة الى التخوف منه , لشموله كما قلنا: لكل المراحل الاخروية , بيد اءنه بالرغم من ذلك فان الدلالة التي يمكن للمتلقي اءن يجعلها تاءويلا في اءفقه هي الحساب ثم ما يقترن به من الغضب و الا لو كان الهدف هو التذكير بالمقر الاخير, جهنم , اءعاذنا اللّه تعالى منها, لصيغت في عبارة تحمل دلالة اليوم و السنة , و مما لا حد له من التاريخ , اءماصياغتها فـي عـبـارة (يـوم ) فـهذا ما يدفع المتلقي باءن يجنح الى مثل هذا التاءويل , و الاهم من ذلك كله اءن التاءويل من الممكن اءن يمتد اءيضا من خلال التداعي الذهني من قضية اليوم بما فيه من الحساب , الى ما تترتب عليه من الاثار الاخرى المواكبة له , اءو المفضية في النهاية الى رسم المصير.
اذن : فـي الـحـالات جـمـيعا, نجد اءن هذه الصورة قد اكتسبت سمة فائقة من خلال ترشحها بعدة تاءويلات بالنحو الذي اءوضحناه .

سورة المرسلات

قال تعالى : (انها ترمي بشرر كالقصر # كاءنه جمالات صفر) ((290)) . النص اءعلاه , ينطوي على ما نطلق عليه مصطلح (التشبيه المتداخل ) و نعني الصورة المركبة التي تـتـاءلف من عدة تشبيهات , اثنين فصاعدا, على نحو متداخل , بحيث يترتب اءحدها على الاخر وفق اءنـماط متنوعة منها اءن يتناول كل تشبيه ظاهرة تترتب عليهااخرى , اءو يترتب عليه تشبيه آخر.
و النموذج المتقدم من الممكن اءن ننسبه الى هذين النمطين . فالملاحظ اءن هذا التشبيه قد شبه شرر جهنم بالبنيان (القصر) من حيث ضخامته ,ثم شبه البنيان بالناقة الصفراء من حيث لونه , و يحتمل اءن يـكـون التشبيهان على نحومتوال بحيث يتناول كل منهما وجها من اءوجه الشبه , فتكون الصورة قد شـبـهـت الـشـرربـالبنيان من حيث ضخامته , و شبهته بالناقة الصفراء من حيث لونها, فيكون معنى الـتـشـبيه اءن النار ترمى بشرر كالبنيان في ضخامته , و كالناقة الصفراء في لونها. و في الحالتين , ثـمـة تـشبيهان متداخلان يجمعان بين حجم النار و لونه . اءما الحجم فلضخامة النار و هو مايستبتع هولا في النفس , شدة في الجسد كما هو واضح , و اءما اللون فلاثره النفسي , الذي يتداعى بالذهن الى شكل اللهب و اقترانه من ثم بالشدة الجسدية .
بـيد اءن النكتة البلاغية التي ينبغي اءن ننتبه عليها هي اءن النص قد استخدم اءداتين تشبيهيتين ليس اءداة واحدة , هما (الكاف ) و (كاءن ), بينا اءننا لحظنا مثلا في صور سابقة مثل قوله تعالى ((كالمهل يـغلي في البطون كغلي الحميم )) قد استخدمت اءداة واحدة في التشبيهين المتداخلين , هي (الكاف ) فما هو السر الفني وراء ذلك ؟ لـقـد سـبـق الـقول : ان الفارق بين اءداتى الكاف و ((كاءن )) هو اءن الكاف تتناول اءوجه الشبه بين الـشـيـئيـن فـي المنحنى المتوسط و اءن (كاءن ) تتناول ما دون ذلك , و هذا ما يمكن ملاحظته في التشبيه المتقدم , فعلى كلا التاءويلين , اءي : تشبيه الشرر بالبنيان في ضخامته و بالناقة في لونه , اءو تشبيهه بالبنيان في ضخامته و تشبيه البنيان بالناقة في لونه , نجد اءن الشرر قد شبه بالبنيان من حيث الضخامة من خلال اءداة (الكاف ), و هذا ما يتناسق تمامامع المنحى المتوسط, اءي التشبيه الماءلوف الـذي يـتـنـاول اءوجه الشبه المتقاربة بين الشيئين ,حيث اءن كلا من الشرر و البنيان متقاربان في الـحـجم , و هذا على عكس اللون , فصفرة كل من البنيان اءو الشرر لا تصل الى درجة التقارب التي لـحـظناها بين الشرر و البنيان , من حيث الحجم , بل هي اءقل من المنحى المتوسط اءو الماءلوف , و لذلك قد استخدمت الاداة (كاءن ) لتشير الى الدرجة الاقل في التشابه .
طبيعيا, اءن الهدف من اءي تشبيه و هذا ما قررناه سابقا و ما هو مقرر في البلاغة قديما و حديثا من اءن جودة و جمالية التشبيه لا تتحدد برصد الاوجه الكثيرة بين الشيئين , بل يقتنص من الوجوه ما يحقق الاثارة حتى لو كان واحدا, فاذا افترضنا اءن بعض التشبيهات ترصد ثلاثة اءوجه في الشبه و الـبـعض واحدا, فهذا لا يعني اءفضلية الاول على الاخر, بقدر ما يعني اءن السياق هو الذي يحدد عدد ذلك بقدر ما يحقق الاثارة كماقلنا.
اذن : اءمكننا ملاحظة السر الفني الكامن وراء الفارقية بين التشبيهين المشار اليهما,من حيث الفارقية بين اءداتي الكاف و كاءن , و صلة ذلك بحجم الظاهرة و شكلها بالنحوالذي اءوضحناه .

سورة النباء

قال تعالى : (اءلم نجعل الارض مهادا # و الجبال اءوتادا... و جعلنا الليل لباسا...) ((291)) ... النص يتضمن مجموعة من الصور الخاطفة الواضحة المتلفة الخاضعة لنسق واحدمن التركيب , اءلا و هو الصور التمثيلية . و قد سبق اءن كررنا باءن الفارق بين الاستعارة والتمثيل اءن الاخيرة تصاغ بشكل تعريف و تجسيد للشي ء.
والـمـهـم اءن الـسـورة التي وردت فيها هذه الصور يلاحظ فيها اءن كل مقطع منها يتناول جانبا من الـصـور الـمـباشرة و غير المباشرة , الا اءنها تخضع لبناء هندسي خاص تمضي جميع صوره على الصياغة التمثيلية مثل (فكانت اءبوابا) و (كانت مرصادا)... الخ .
و ما يعنينا الان تركيبها التمثيلي لكل من الايات الثلاث اءعلاه .
فالاولى (اءلم نجعل الارض مهادا) تخلع سمة الفراش اءو القرار على الارض , و الثانية تخلع سمة الاوتاد على الجبال (و الجبال اءوتادا) و الثانية تخلع صفة اللباس على الليل من اللبس لباسا, و كلها كما هو واضح تتسم بالبساطة تماما. لكن كم تظل هذه الصورغنية بتعدد دلالاتها, وطرافتها.
ان الـمـهم بالنسبة الى الارض يتداعى بذهن المتلقي الى جملة تاءويلات و تفصيلات ,فهي تتجاوز مـجـرد الاسـتـقـرار عليها كالفراش المعد للجلوس مثلا اءو المكان المعدللاستقرار بشكل عام .
تتجاوزه الى التفصيلات المواكبة لكل عملية (تواجد) في المكان ,و منها : الحركة التي تغلف جميع تصرفات الانسان في الارض و هـي بـالالاف اءوالـمـلايـين , كما هو بين , و جميعها تتم على المهاد المذكور. اذن كم تبدو هنا الـصـورة الـواضـحـة غـنـيـة بـتاءويلات المتلقي التي لا حدود لها الاوتادفنجد اءن استجابة المتلقي تتعدد اءيضا حيالها, و لا اءدل على ذلك من اءن النصوص التفسيرية ذاتـهـا تـتـفـاوت فـي تحديدها للعبارة . ان الوتد بشكل عام يستخدم للبيت , و كل قارى ء يمتلك اءفق مـعـلـومـات عـادية اءو تخصيصية بالنسبة الى تفصيلات هذا الوتد الذي تشد به الارض من خلال ظاهرة الجبال ,... و المهم اءن الجبل وتد للارض تتثبت به , اءما...تفسير ذلك علميا فانه متروك لكل متلق باءن يتمثله وفق معلوماته عن التركيبية الجغرافية لها.
و اءما بالنسبة الى الليل و تمثيله لباسا, فاءمر يدع المتلقي بدوره ينتقل من دلالة الى اءخرى . فاللباس مـثـلا يـسـتر غالبية الجسد اءو كله , حسب نمط استخدامه في الفصول اءوالحالات اءو الانماط, صـحـيح اءن النسيج العام لدلالة اللباس هو الستر. الا اءن ما تواكبه من فعاليات مرتبطة به , تظل هي الـدلالة الاكثر منحنى في استجابة القارى ء. ان الليل لباس يستر الشخص من الاشياء التي تشاهدها, هـذا هو الدلالة العامة للستر. لكن : هل اءن المتلقي يتحسس باءن مجرد الستر هو كاف في التعريف بـمـعـطى الـليل ؟ لا نظن ذلك , ان الستر يقترن قطعا بملابسات متنوعة قد يكون السكوت و عدم الحركة واحدا منها كماذهب بعض المفسرين , الا اءن هذه الدلالة قد اضطلعت به صورة اءخرى هي الـسـبـات , اءي الراحة , بينا نجد اءن اللباس يترشح بما هو متجاوز للسبات و غيره , انه رمز ليس من السهولة اءن نحدد دلالته بقدر ما نترك ذلك للمتلقي باءن يستجيب لدلالته بما تقرضه عليه خبراته العامة لمفهوم الليل و كونه لباسا, و هذا ما يمنح الصورة جماليتها الفائقة .
ان القارى ء بمقدوره مثلا اءن يستخلص من خلال التقابل بين الليل و النهار حسب ورودهما في سياق الـسـورة الـكـريمة , حيث اءن النص قال بعد ذلك (و جعلنا النهار معاشا)اءنه يستطيع اءن يحسسك بـدلالـة المعاش و يجعلها مقابلا ب(اللباس ), بصفة اءن النص قابل بين معطى النهار, و هو المعاش , و مـعـطى الـلـيـل , و هـو اللباس , فيستخلص منه ما يقابل المعاش , و هو عدم ممارسته في الليل اءي السكون . لكن : كما قلنا: ان عبارة (السبات )تتكفل بذلك , كما ورد ذلك بالنسبة الى النوم مثلا, و هذا مايدع المتلقي متشبثا بدلالات اءو تاءويلات اءخرى بحيث يتحقق في النص واحد من عناصر النص الـفـني , و هو (الغموض )النسبي , اءو ما يمكن تسميته بالغموض الواضح , و ليس الغموض الحاجز عن التاءويل , كمايلاحظ ذلك في النصوص البشرية القاصرة , بخاصة في مناخنا الادبي المعاصر.

سورة التكوير

قـال تـعـالـى : (فـلا اءقـسـم بـالـخـنـس # الـجـوار الـكـنـس و الـلـيل اذا عسعس # و الصبح اذاتنفس ...) ((292)) .
الايات اءعلاه , تتحدث عن الكواكب و الليل , و الصبح بصفتها ظواهر ابداعية اءقسم بها تعالى تعبيرا عـن فاعليتها و اءهميتها. و نتجاوز بطبيعة الحال نسقها اللغوي و الايقاعي ,من حيث جماليته الملفتة للنظر, كما نتجاوز بنيتها الهندسية القائمة على عرض ظواهرتتصل بكواكب الكون مباشرة و غير مباشرة , نتجاوز ذلك لاننا نتحدث عن عنصرالصورة , و ليس البناء و الايقاع , الا عرضا حيث يمكن الـقول : ان الايقاع هنا شمل العنصرالصوري جميعا, فالعبارات الخنس , الكنس , عسعس , تنفس , التي انتهى القرار الايقاعي بها, جميعا تنتسب الى الصورة الرمزية و الاستعارية , و هي جميعا تنتسب كما قلنا الى وحدة ابداعية هي الكواكب . لكن خارجا عن هذا البناء الايقاعي و الفكري الذي ينبغى اءلا نفصله عن بنية النص الا لاغراض دراسية , عندئذ يجدر بنا اءن نتابع الصور, فنقف عندتقسيمها الثلاثي :
و الخنس , الليل , الصبح . حيث صيغت كل واحدة منها وفق سمة رمزية اءو استعارية خاصة , فالخنس و هو مطلق الكواكب مـا عـدا الـبـعض , بطبيعة الحال , قدوسمتها الطوابع الثلاث ((الخنس , الجوار, الكنس )) و الليل وسمه طابع اءفوله , و الصبح وسمه طابع دخوله .
و نـتجه الى الصورة الاولى , اءو الصور الثلاث المتداخلة الكواكب , ان هذه البنية من النص تخضع لـتـركـيـب صـوري ذي نـسق و خطوط بالغة الاثارة , فاءولا لقد استخدم النص الصورة الرمزية مـباشرة , اءي لم يخلع على الكواكب سمة تمثيلية من بداية الامر, نسجهارمزا تمثلا في الخنس , ثم خـلـع عـلـى هذا الرمز سمتين تمثيليتين , هما ((الجوار))و((الكنس )). و الحق اءن هذا النم ط الـتركيب يتسم بما يمكن تسميته بالصورة المتموجة ,اءي الصورة التي يمكن اءن تبدو اءمام الرائي بـاءشـكال متعددة كالرمز, و التمثيل و الاستعارة .فاذا انسقنا مع الصورة الاولى الرمزية ((الخنس الكواكب )) اءمكننا ان ننسب الصورتين اللتين اءعقبتاها الى الرمز اءيضا لانهما امتداد لسمة الخنس .
فـالـنـص قد رمز للكواكب بالخناسة التي تعني الاستتار, و حينئذ فان الجوار و الكنس قد اكتسبتا نـفس الطابع الرمزي بصفة اءن الجوار هي السائرة اءو السيارة , و بصفة اءن الكنس هي الدخول الى المقر بالنسبة الى مخلوقات كالطير اءو الظباء الداخلة الى مقرها و هي الكناسة , لكن في الوقت ذاته اءمـكننا اءن ننسبهما الى الصورة التمثيلية , بصفة اءن طابعي السيارة و الداخلة الى مقرها هما سمتان للكواكب , لكن من زاوية ثالثة اءن ننسبهما الى الاستعارة و هكذا.
ان هـذا النمط من التموج الصوري يعد قمة في صياغة الصورة مما يحقق امتاعاوجمالية و اثارة لا حدود لتصوراتها الفنية .
و مـهـما يكن , فان المهم بعد ذلك هو ملاحظة طوابعها الرمزية و التمثيلية والاستعارية , حيث نقف اءولا مع الصورة الرئيسة (الخنس ) لنجد اءنفسنا اءمام مراءى يقترن فيه الصوت مع الصورة , الايقاع مع الدلالة , حيث ان ((الخنس )) بمعنى المستترة , ليست مجرد ما هو غائب عن النظر, بل هي نم ط مـن الاستتار الخاص المشوب بحذر و بطريقة تحايلية لعبية اذا صح التعبير, لذلك يتحسس المتلقي باءن استخدام (الخنس ) بدلا من اءية عبارات اءخرى (كالمستترة ) و الغائبة و المختفية ... الخ . يظل حاملا طرافته و اثارته الجمالية المدهشة , مصحوبا كما اءشرنا بايقاعيته المتناغمة مع دلالته .
اءمـا طـابـعـا (السائرة ) اءو الداخلة الى مقرها, اءي : الجوار الكنس , فالاولى واضحة ,والاخرى تحتاج الى شى ء من التعقيب .
طـبـيعيا اءن التساؤل يتم عن المعطى الجمالي لدلالة (الكنس ) بدلا من سواها.فالكنس قد استخدمه الـنص منتزعا اياه من البيئة الاجتماعية آنذاك , حيث اءن مراءى الظباء مثلا و هي تتجه الى كناستها اءو حـتـى الـطيور مثلا, تعد ماءلوفة , و المهم هو ملاحظة العلاقة الثلاثية : الاستتار, الجريان , الدخول الى المقر.
اءما الاستتار فيظل عودا على بدء سمة عامة للكواكب بغض النظر عن تفصيلاتهاالحركية , بمعنى اءنها في الغالب كذلك , حتى في الليل مـن خلال حركتها, لذلك فان النص ربط سريعا بين الخنس و بين تفصيلاته المتمثلة في الجريان و الغياب , و هذا ما يفسر لناجانبا من البنية العضوية لهذا النسيج الصوري حيث اءجمل اءولا من خلال الـخنس , و فصل ذلك من خلال توضيح الحركة و السير والدخول , و بكلمة تعقيبية : ان الكوكب له حركته ,و هي السير, ثم له نهاية مطاف و هو الدخول الى مقره الغائب عن الانظار, فيكون المجموع : الـسـيـر و الدخول هو المساوي لسمة الخنس بمعنى : اءن الخانس هو الداخل الى مقره , كما هو واضح .
و يبقى اءن نتساءل عن السر الفني للكناسة و اتخاذها رمزا و استعارة اءو تمثيلاللدخول الى المقر, بـخـاصـة اننا نجد اءن النص القرآني الكريم يوضح مثلا عن الشمس اءنهاتجري لمستقر لها, حيث عبر عن ذلك باللغة المباشرة , بينا عبر عن الكواكب باللغة غيرالمباشرة , و هذا ما يستلزم التاءمل .
طبيعيا من الممكن و هذا ما نجده في النصوص القرآنية اءن الظاهرة قد تصاغ باللغة المباشرة , و قد تصاغ باللغة غير المباشرة حسب ما يتطلبه الموقف , بيد اءن اللغة التركيبية غير المباشرة تهب كما نعرف ذلك جميعا الـنـص مـزيدا من المعرفة اءو تعميقا لها, و هنابالنسبة الى الكناسة , نرى اءن الموقف و هو يقسم بالظواهر الابداعية , يستهدف تعميق معطياتها الجمالية الى اءذهاننا, حيث تتحدث عن الليل كيف يبداء و يـنتهى , و الصبح كذلك ,وفق لغة استعارية كما سنرى بعد قليل , و حينئذ فان الكواكب تظل جزء مـن هذا النسيج الجمالي الذي يستهدفه النص , و لكن الاهم من ذلك هو انتخاب الرمز اءو الاستعارة ذاتها,فيما تساءلنا عن سر تجسدها في الكناسة و هذا ما ينبغي اءن ندعه للمتلقي بنحو يتعين عليه اءن يـمـارس خـبراته التذوقية في هذا الميدان , و نحسب اءن المخلوقات التي تتميزبحيوية الحركة كـالـظـبـاء اءو الـطيور اءو تتميز بجمالية الكواكب التي تظهر و تختفى و تلمع ويضول لمعانها و يشتبه , و هكذا, هذا النمط من الالتفات يتسق كما نحتمله تذوقيا مع الكناسة و ما سبقها من الطوابع و السمات .
و نتجه الان الى الابنية الصورية الاخرى في النسيج المذكور, لنواجه اءبنيتي الاستعارتين ((الليل اذا عسعس # و الصبح اذا تنفس )) فنقف مع الاولى و نقول : اءما((عسعس )), فان ايقاعها وحده يهب الـمتلقي اثارة ممتعة , بمقدوره اءن يمزجها مع الدلالة ليستنطق منها نمطا خاصا من الظلمة لا كثافة فـيـها, اءي بداية الليل و نهايته اءو الظلمة التي تتهياء في رحلتها الى مقرها لتسمح لخيوط الفجر و لربما منها : تعيين الخيط الابيض من الاسود).
بيد اءن الصورة التي ينبغي اءن نقف عندها بعض الوقت هي الوصرة الاخيرة ((و الصبح اذا تنفس )) حيث ترشح باستعارة ممتعة و غنية و طريفة . ان عملية التنفس تتسم بالوداعة و البطء و الانسيابية مـن حيث آليتها, و مجى ء الصبح في تدريجية انارته يتناغم مع الاية المذكورة من جانب , و يتناغم و هذا هو الاشد اثارة مع عطاء انارته , فالتنفس هنا يسمح للمتلقي باءن يستجيب لتذوقه من خلال تداعي ذهنه الى اءنه يمنح الحياة بتنفسه , فكما اءن عملية التنفس هي اشارة حياة , كذلك عندما يتنفس الصباح , فهذا يعني مؤشرا لحياة النهار التي تجسد الانارة .
اذن : كم يتحسس المتلقي بجمالية هذه الصورة , مضافا الى صلتها بالصورة السابقة عليها, و صلتها بما سبقهما من الصور في بنيتها المتماسكة و الممتعة و الطريفة بالنحوالذي تقدم الحديث عنه .

سورة الفجر

قال تعالى : (فصب عليهم ربك سوط عذاب # ان يك لبالمرصاد) ((293)) . في النص المتقدم صورتان (سوط العذاب ) و (المرصاد), و كلتاهما من الصورالمتسمة بالوضوح و بالبساطة . و نعنى بالصورة الاولى (سوط عذاب ).
ان هـذه الـصـورة الاستعارية تخضع لما كررناه سابقا من اءنها تخلع على اللغة دلالات جديدة ذات طرافة , فالصب كما هو واضح معجميا يرتبط بعملية سكب الماء.
و اذا افـتـرضـنـا اءن النص خلع هذه العملية على ظاهرة العذاب فحسب , كما لو قيل (صب عليهم الـعـذاب ) لـكـنا اءمام استعارة مفردة و ماءلوفة , و هي اعارة سمة لظاهرة اءخرى ليست في نمطها كسمة الصب بالنسبة الى العذاب , الا اءن المتلقي يحس اءنه اءمام استعارة مركبة خلعت (الصب ) على (السوط) من جانب فتاءلفت اءمامنا استعارة تركيبية من جانب آخر. اءما اءنها مركبة , و ليست مفردة , فـلان الـمـفـردة تتمثل في استعارة (سوط عذاب ),ولكن بما اءن النص خلع عملية (الصب ) على الاسـتـعارة المذكورة فصرنا اءمام استعارتين متداخلتين , استعارة الصب للسوط, و استعارة السوط للعذاب . بيد اءن الاهم من ذلك كله هو علمية الصب بالنسبة الى السوط, فنقول : ان السوط هو الجهاز الـمعروف في الضرب ومادته , و نمط استخدامه لا يتم بالصب , بل بالضرب المتتابع مثلا, لذلك فان خـلـع عـمـلـيـة الـصـب عليه يتميز ببالغ الطرافة , و عندها يمكن للمتلقي اءن يتبين مدى جمالية الـصـورة حـيـنـمـا يـستحضر في ذهنه اءن السوط ينصب و ليس يقع اءو يهوي و نحوهما, حيث اءن عـمـلية الصب تتم , ليس من خلال التتابع الذي يفصل جزء من آخر, كما لو كان حداشرعيا اءو تعزيرا مثلا, حيث يفصل كل عدد عن الاخر, بل تتم عملية الصب من خلال الجريان غير المنقطع , الـجـريـان الـسريع الكاسح بطبيعة الحال , و هذا هو وحده كاف باءن يحسسنا بمدى ضخامة حجم العذاب الذي يلحق المنحرفين .
اذن : الطرافة في الصورة المشار اليها اءمكننا اءن نتبين جانبا من اءسرارها بالنحو الذي اءوضحناه .

سورة البلد

قـال تـعـالـى : (و هـديـنـاه الـنـجـديـن # فـلا اقتحم العقبة # و ما اءدراك ما العقبة # فك رقبة # اءو اطعام ...) ((294)) .
النص اءعلاه يتضمن صورتين (رمز النجدين ) و (تمثيل العقبة ), بل نجد اءن الاخيرة هي في واقعها تنشطر الى صورتين : رمز و تمثيل , اءي : اءن العقبة في الايـة (فـلااقتحم العقبة ) هي رمز, و العقبة في قوله تعالى (و ما اءدراك ماالعقبة ) تمثيل , الا اءن هـذاالـنـمـط مـن الـصياغة له خصوصيته التي تتفوق على طرافة البنية الصورية ,. بنية التساؤل عن الرمز و الاجابة عنه بتمثيل .
لكن قبل اءن تتحدث على هذا البناء الخاص نعرض للصورة الاولى ((و هديناه النجدين )) حيث قلنا:
ان الـنـجدين هنا يرمزان الى الخير و الشر, فهما يشبهان رمزي النوروالظلمات في اشارتهما الى الجانب الايجابي و السلبي في السلوك .
بـقـي اءن تـتساءل عن السمة الفنية لهذين الرمزين ؟ و التاءمل يقودنا الى استشفاف الرمزين النجدين الـطريقين باء نهما مرتبطان بعملية التحرك الانساني بمدى مهمته العبادية ,انه يتحرك يمشى , على الـدرب حتى يصل الى المقر الذي يستهدفه , و هكذا يتحرك عباديا يمشى في طرقه حتى وصل الى مقره الاخروي : الجنة و النار, رضى اللّه تعالى اءوغضبه .
اذن : لا حاجة الى مزيد من التحليل الفني لرمزي النجدين , لوضوحهما المشار اليه .و لكن نتجه الى ((الـرمـز, التمثيل )) الصورتين المتداخلتين اللتين تتسمان بطرافة و اثارة ودهشة ((فلا اقتحم العقبة و مادراك ما العقبة )). العقبة كما قلنا رمـز اءيـضـا, لـقـد تـكفل النص بالاجابة عن تحليل هذا الرمز فنيا, اءوضح لنا باءن العقبة هي فك لـرقـبة ... الخ ). و هذه الاجابة لم تحتجزنا من اءن نشارك في عملية التاءويل للنص حيث يمكننا اءن نـضـيـف جـمـيع مفردات السلوك الخير الى قائمة الرمز (العقبة ), و هكذا نجد اءنفسنا اءمام بنى صـوريـة طـريـفـة , مـن حيث صياغتها و دلالتها, صياغة الصور في شكل تساؤل و اجابة الطرح هـو((فـلا اقـتحم العقبة )), و التساؤل هو ((ما اءدراك ماالعقبة فك رقبة )) حيث قلنا ان التمثيل هورصد لعلاقة بين طرفي الظاهرة , على نحو تجسيد و تمثيل اءحدهما للاخر, فيما جسدت العقبة معنى فك الرقبة , و في كلمة ثالثة , نحن اءمام شكل نصي و اءمام شكل نقدي في آن واحد, حيث تكفلت الصورة كما كررنا باءن تشرح نفسها بنفسها, و ذلك هو القمة من الفن بالنحو الذي اءوضحناه .

سورة القارعة

قال تعالى : (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ) ((295)) . النص اءعلاه , يتضمن صورة تشبيهية , كما هو واضح , و قد سبق اءن لحظنا في سورة القمر تشبيها مماثلا هو (يخرجون من الاجداث كاء نهم جراد منتشر) ((296)) .
طـبـيـعيا, اءن النص القرآني عندما يكرر صورا مماثلة حينئذ فان التكرار اما اءن تتوافق مفرداته , فـيـكـون من التكرار الذي يستهدف التاءكيد على الشي ء و اما اءن يضاف الى التاءكيدجانبا آخر هو رصـد سـمـات اءخرى اءو متفاوته , فيكون النص بهذه الاضافة اءو التفاوت ,يرصد سمات يتطلبها السياق , اءو يستهدف من ذلك مجرد استكمال الرصد من خلال توزيعه على مجموعة النصوص , كما هـو طـابع كثير من المسائل المطروحة , سواء كانت في مستوى العنصر الصوري اءو الموضوعي بشكل عام .
هـنـا فـي الـنـص الذي نواجهه نلحظ تفاوتا بين التشبيهين للناس و هم يبعثون في اليوم الاخر مثل الجراد المنتشر, و قد تناولنا ذلك سابقا, و الفراش المبثوث , و نتناوله الان .ففضلا عن التفاوت بين اءداتي التشبيه ((الكاف و كاءن )) نلحظ تفاوتا بين موضوعي التشبيه , (المشبه به ) و هما : الجراد الـمـنـتـشر و الفراش المبثوث , و نحن اذا غضضنا النظرعن التفسير الذاهب الى اءن الفراش هو بمعنى الجراد, عندئذ نواجه الدلالة الماءلوفة له و هوالحشرة التي تتطاير حول السراج , و المهم هـنـا, هـو مـلاحظة جمالية التشبيه و تفاوته عن التشبيه الاسبق الجراد المنتشر. و اءول تفاوت بـينهما هو اءن الانتشار هو غير البث , و ثانيااءن حركة الجراد تنتهى الى الارض في نهاية المكان , بـيـنـا تنتهى الى الضوء في حركة الفراش , و ثالثا ثمة سعة في المسافات التي يتحرك الجراد فيها بـالقياس الى محدوديتهاعند الفراش . الخ , لكن ثمة نقاط مشتركة هي عشوائية الحركة من جانب , و اضـطـرابـهـا مـن جانب ثان , اءو ارتطام بعضها مع الاخر من جانب ثالث ... الخ . و هي طوابع تتماثل مـع حركة انبعاث الناس في اليوم الاخر, بحيث يستطيع المتلقي من خلال هذين التشبيهين ونحوهما اءن يـستخلص الانبعاثية يومئذ. بهذا يكون النص قد قدم ملامح عامة و متفاوتة تصب في رافد واحد من الدلالة هي نمط الانبعاث و ما يواكبه من حركة و هول بالنحوالذي اءوضحناه .

سورة الفيل

قال تعالى : (فجعلهم كعصف ماءكول ) ((297)) . الصورة تتحدث كما هو ملاحظ عـن الجزاء الدنيوي لاصحاب الفيل الذين توجهوا الى هدم الكعبة , حيث اءرسلت السماء عليهم طيرا اءبابيل ترميهم بحجارة من سجيل حتى اءصبحوا كعصف ماءكول .
و يـهـمـنـا من النص صورته التشبيهية ((كعصف ماءكول )) فما هي السمات الفنية فيه ؟النصوص الـمفسرة تقول : ان الحجر لم يصب اءحدا الا خرج من الجانب الاخر من عضوه ,اءو الا و سبب له حـكـة يـتساقط لحمه من خلالها, و اءما ما كان منهما فان الحصيلة المترتبة على ذلك هي اءن الكلام الـمذكور جعل القوم كعصف ماءكول , لكن : ما هو المقصود بالعصف و بالماءكول ؟ النصوص المفسرة تـقـول : ان الـعصف هو (نبت قد اءكلته الدواب ثم راثته فديست و تفرقت اءجزاؤه ) و الورق الذي يـقـطـع و يـقـع فـيه الاكال . و المهم هو التشبيه بمايؤكل و يراث اءو بما وقع فيه الاكال , و في الحالتين , فان الصورة تظل من الاثارة بمكان ,من حيث المظهر الخارجي من جانب , و من حيث النهاية الكسيحة من جانب آخر.
اءما من حيث المظهر الخارجي من جانب و من حيث النهاية الكسيحة من جانب آخر.
اءمـا مـن حـيث النهاية الكسيحة فيكفى اءن كلا من الروث اءو النبت الاكيل يجسدتلاشى الشي ء و فـقـدانـه لـكـل خصوصياته الحية ,... و اءما من حيث المظهر الخارجي فان السمة البائسة تظل هي الـمـلفتة للنظر, و هل ثمة مظهر مثل الروث اءو النبت الاكيل يستدعي الرثاء و الاشفاق عليه , من حـيـث الـفقدان للحيوية ؟ بيد اءن الاهم من ذلك هوالتناسب بين الصورة , بيد اءن موضوعها حيث ان الـمـوضـوع هـو عدم الكعبة من خلال الزحف اليها. و نحن اذا دققنا النظر في النصوص القرآنية الكريمة التي تجسد اقدام الباغين لحظنا اءن الجزاءات التي رسمتها النصوص المذكورة متفاوتة اءو مـتـمـاثـلـة فـي تـحـديـد الـنهايات للمنحرفين , الا اء نها لم تشبه بالعصف الماءكول الا هذه الفئة الـمـنـحـرفة ,حيث نحتمل فنيا تناسب الموضوع و جزائه هنا,... ان حركة هذه الفئة قد اقترنت بـنواياخاصة و بعملية زحف . و كل واحدة منهما تستبع نهاية متجانسة مع طبيعتها, فالنية اءوالقصد هـو (الـهدم ) لاعظم محال اللّه تعالى , و الحركة هي عملية عسكرية مقترنة بعرض العضلات , و حـيـنـئذ فـان الجزاء متطلب ترسم معالم الهزيمة في الصورة بنحو خاص يتناغم مع ذلك , فالتفتيت بـالـنـسبة الى الروث اءو الاكال يتقابل مع جمع الحشد العسكري , ونهايته ,و هو الروث اءو اءكيل النبت , في مظهرها المذل و البائس و القذر, تتقابل مع غرور القوم ونواياهم و غطرستهم ... الخ .
اذن : اءمكننا اءن نلحظ بوضوح مدى جمالية هذه الصورة مع موضوعها بالنحو الذي تقدم حديثنا عنه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق