السبت، 22 مارس 2014

صفات البطل الحسية في شعر الخنسـاء

  صفات البطل الحسية في شعر الخنسـاء
 
 

تحدثنا فيما سبق عن مدى اهتمام الشاعر العربي واعتدادهِ بإبراز الصفات المختلفة للبطل في شعره ، سواء أكانت هذه الصفات حسية أم معنوية ، ولقد استعرضنا جوانب من هذه الصفات من خلال الشواهد الشعرية التي أوردناها لشعراء مختلفين ، واهتممنا بعرض هذه الصفات ودراستها من الناحية الشكلية فقط ، وقلما تعرضنا إلى عرض الجوانب البلاغية منها وذلك لاهتمامنا بإبراز النواحي والجوانب الشكلية المختلفة للبطل والصفات المتعددة التي امتاز بها ، والتي اعتد الشعراء بإبرازها في أشعارهم والتغني بها لما تحملهُ من قيم خلقية عالية يرتقي المتحلي بها أعلى درجات السمو والصفات الحسية للبطل تختلف عن الصفات المعنوية له إلا أنهما متداخلتان في شخصه ويصعب الفصل بينهما ، واضطررنا لهذا الفصل بينهما وذلك لمتطلبات منهج البحث الأكاديمي – فالحسية – تعنى بإبراز كل ما يتعلق بالبطل من الصفات الظاهرة الملموسة ، أي المادية مثل – الطول والضخامة وقوة البنية وجمال المظهر والخلو من العيوب الخلقية مثل الندب في الوجه – ويضاف إليها الصفات المادية الأخرى الموصفة والمعززة لمظاهر البطولة للأبطال مثل الشجاعة المادية وتشمل في – الشباب والطول و
خمص البطن وقوة البنية – .
أما الصفات – المعنوية – فهي الدالة على الأشياء غير المحسوسة أو غير الظاهرة
– كالكرم والشجاعة والمروءة والإيفاء بالعهود وشرف الأصل والقيادة وخبرة الحرب
والسيادة - .
ونحن في هذا البحث نهتم بإبراز الصفات الحسية التي امتاز بها البطل في شعر الخنساء ، انطلاقاً من أشعارها التي عرفت عنها في رثاء أخيها صخر ، والتي امتازت بوصف هيئتهِ ، فتغنت بصفاته الخلقية بشكل لا تترك معهُ زيادة لمستزيد ،
فبرزت من خلالها صفات هذا البطل على اختلاف أنواعها .
ومن أهم الصفات التي تطرقت إليها الخنساء في أشعارها في وصف هيئة أخيها
– صخر – الجسدية وقوامهُ وشكله ، قولها بأنه :
اَغرٌ اَزْهَرُ مِثْلَ البَدْرِ صُورَتَهُ
صَافٍ عَتيقْ ، فَما في وَجْهِهِ نَدْبٌ


أي أنه جميل زاهي الصورة كالبدر فشبهت جمال وجهه وصفائه بجمال البدر وضيائه . فوجههُ منير جميل خالٍ من أي تشويهات فإنه خالٍ من الندب . وهذه الصورة اعتز الشعراء في ذكرها في أشعارهم التي وصفوا بها جمال أبطالهم بأنهم مُكْتَملي الخِلقة ولا يشوبهم أي نقص ووجوههم جميلة خالية من الندب .

وقولها أيضاً :
اَبْيضٌ اَبْلَجُ وَجْهُهُ
كَالشَمْسِ في خَيرِ البَشَرْ
فهو أبيض جميل الوجه ، ووجهه كالشمس منير ساطع . فشبهت ضياء وجهه بضياء الشمس الساطعة المنير التي تعم الناس بالخير وهو أيضاً رجل كريم الخلق يعم خيره على البشر كما الشمس الساطعة النافعة لخير الناس .

وقولها أيضاً بأنه قمر :
كنا كأنجم ليلٍ وسطها قمر
يجلو الدجى فهو من بيننا القمرُ
أي أنهم كالنجوم اللامعة في الليل والتي تحيط – بالقمر – أي – بصخر – وإن صخراً بنوره يزيل ظلام الليل وعتمتهُ عنهم . أ
ي أنه كان يزيل كل المصاعب ويتحمل الأمور الجمة عنهم ولهذا شبهته بهذا التشبيه الجميل فهو كالبدر في علوِ مكانته بين أبناء عشيرته فهو سيدهم الذي يرعاهم ويحميهم ولهذا شبهتهم بالنجوم المحطة بالبدر المنير فأبرزت من خلال هذه الصورة الجميلة مكانة صخر العليا في عشيرته .
وقولها أيضاً بأنه جميل :
أبكي (أبا حسان) واستعبري
على الجميلِ المستضافِ المُخَّيلِ


فهي هنا تبكي أخاها – صخراً – وهو المقصود بقولها – أبا حسان – بكاء حاراً لما امتاز به من جمال وكرم ضيافة وسيادة فهو الرجل الكامل الخلق والخليقة والذي ينتمي إلى أخوال عُرفوا بحسبهم ونسبهم العالي أي أنه ينتمي إلى بيت شرف .

وقولها أيضاً عنهُ بأنهُ صلب جميل متكامل الصفات :
جَلْدٌ ، جَميل المحيّا كاملٌ ورعٌ
وللحروب غداة الروع مسعارُ
أي أنه صلب الجسم ، جميل الوجه ، كامل الخُلق والخلقِ ، شجاع موقد الحروب ومؤججها عند وقوعها . وهو أيضاً رشيق جميل الجسم كالغصن :

مَنْ حَسَّ لي الأخوينِ
كالغُصنين أو مَن رأهُما
وهنا قصدت بالأخوين – معاوية وصخر – فهما كالغصن الجميل الرشيق ويدهش بهما كل من رآهما . فشبهتهما بالغصن للدلالة على رشاقة قوامهما وبهاء منظرهما .

وكَنّت عن قامته الطويلة بطول حمالة السيف ، - النجاد - :
طَويلُ النجّادِ رَفيعَ العِمادِ
سَادَ عَشِيرَتَهُ أمردَا
أي أنه طويل القامة كحمالة السيف وفي ذلك دلالة على شجاعته أيضاً . بالإضافة إلى أنه ينتمي إلى أُسرة عرفت بأصلها وحَسبها الرفيع فكَنّت عن سمو وارتفاع أصله بقولها رفيع العماد . وهو شجاع ساد عشيرته وهو في ريعان شبابه ومقتبل عمرهِ وقولها أيضاً :

طَويلٌ النجَّادِ رَفيْعَ العِمَا
دِ لَيْسَ بوغْدٍ ولا زُمَّلْ
أي أنه طويل القامة ورفيع الأصل . وهو ليس أحمق ولا دنئ ولا جبان . فكَنّت عن طول قامته بطول حمالة السيف للدلالة على طوله وشجاعته ، وكَنّت عن سمو وعلو أصله بعلو عماده ، أي منزلته الرفيعة المتوارثة عن أجدادهِ .

وقولها أيضاً :
اَتْلَعُ لا يَغْلِبْهُ قِرْنُهُ
مُسْتَجمِعَ الرأيَ عَظيمٌ طَويلُ
أي أنه طويل لا يغلبه أقرانه ممن كانوا يحملون صفاته ذا رأي سديد ، عظيم بكل ما اتصف به ، وهو عظيم الطول أيضاً . وهي هنا تصف البطل صخر وهو طويل عظيم لا يغلب وهي صفة نهج الشعراء على إبرازها في أشعارهم لإبراز عِظم أبطالهم وقدراتهم القتالية .

وقولها أيضاً في وصف هيئةِ وقوام جسمه الرشيق الصلد :
مِثْلَ الرُدَيني لَمْ تَكْبَرْ شَبيِبَتَهُ
كَأنَهُ تَحتَ طَيّ البَرْدِ إسْوَارُ

أي أنه كان قوياً صلداً مثل الرديني أي – الرمح – فشبهته بالرمح لإبراز قوته وصلابة جسده ورشاقة قوامهِ وشبهته – بالسوار الذهبي – لإبراز جماله واستواء أعضاء جسمه فكشفت بهذه الصفات عن شخصه فهو إنسان عظيم الهيئة والخلق ، اختطفه الموت وهو لا يزال في فتوتهِ ، لم يستمتع بشبابه ولم يمهله الدهر ليسعد به ، كنت ترى نظرة الشباب فيه واستواء جسمه يكشفان عن شخصه وكان سوار ذهب يخطف الأبصار ، استواء في الجسم وفي قوة العضلات فلم يكن بمهيج منحل .
وهو دقيق الخصر رشيق القوام سمحٌ كريم الخلق مع الأهل والأغراب متساهل معهم في كل شيء ، وأشارت إلى هذا بقولهم :
أرجُ العطاف ، مهفهف ، نعم الفتى
متسهلُ في الأهل والاجناب
" وهو طلق الوجه حين يلتمس جداهُ ، يراهُ السائل متهلل الوجه مقبلاً عليه وإنها لعلامة مباركة تفصح للسائل برغبة صخر في العطاء ، وتلك سجيتهُ مع الملتمسين فضلهُ ، أما هو في أوقاته العادية فيرى صارم الوجه عابساً ، لا يهزل ولا يخرج عن حد الجد ، لما هو فيه من مكانة رفيعة في قومهِ ، ذلك خُلقه لا يتحول عنه ولا يغيرهُ . وإلى ذلك أشارت الخنساء قائلة :

دَلّ عَلى مَعْرُوفِهِ وَجْهُهُ
تَحْسَبُهُ غَضْبَانُ مِنْ عِزِهِ
بُورِكَ فِيهِ هَادِياً مِنْ دَليلِ ذَلِكَ مِنهُ خُلقٌ ما يُحَولُ
وأشارت إلى بشاشة وجهه وابتسامته في قولها :

ليبْكِ عَليهِ مِنْ سَليمٍ جَمَاعَةٌ
فقد كان بسَّاماً ومُحتَضُرَ القَدْرِ
أي أنه يبتسم عند إكرامه للناس وأنه لكرمهِ ترى النار دائمة الإيقاد تحت قدره الممتلئ بالطعام الذي يطعمه لضيوفه وللمحتاجين . وهو أيضاً جهم الوجه ، وجهامة الوجه من الصفات التي يمدح بها الرجل ، والوجه الجاد ، دلالة على مكانة الشخص واحترامه ونظرتهُ إلى الحياة . أنها نظرة المعني بها لا الهازل ، كان هذا المظهر من آيات الرجال المحترمين والأبطال ، ولقد وضعت الخنساء أخاها بهذه الجدية ، التي لها في قلوب الناس مكانة كبرى ، وقالت أن وجهه الجاد هذا يضيء في الليل لجماله ، ولا عجب فإنه من اباء أحرار وضعهم المجتمع في عليين ، ورث منهم الرفعة وسمو المكانة . فقالت :

جَهْمُ المُحّيا تُضِيءُ اَلليلَ صُورَتُهُ
آباؤه مِنْ طِوالِ السُمْكِ آحْرار
وهو أيضاً يمتاز بعينيه الكبيرتين الواسعتين .

هِزْبَرٌ هَرِيْتُ الشَدْقِ رِئبالُ غَابةٍ
مُخَوفُ اَللِقاءِ جَائِبُ العَينِ اَنْجلُ
فهو إذاً أسدٌ شقوق الشدق واسعهُ يخافه أعداؤه عند اللقاء وعيناه كبيرتان وشقهما واسع . فشبهته بالأسد العظيم الهيئة المهاب للدلالة على عظم قوته ومهابة أعدائه منهُ عند اللقاء .

وامتاز أيضاً بضخامة عنقه وارتفاعه وإلى ذلك أشارت الخنساء قائلةً :
يَهْدي الرَعيلَ إذا ضَاقَ السَبيلُ بِهِمْ
نَهدَ القَليلِ لِصَعْبِ الأمْرِ رَكابا أي أنه يقود الفرسان والقطيع من الخيل إذا ضاق السبيل بهم وهو مرتفع العنق أي أنه يقود الخيل ويمتطيها لمواجهة الأمور الصعبة سواء أكانت هذه الأمور هي الحروب أم الإغارة أو كانت في طلب الثأر وغيره فنراه فارساً شجاعاً مترفعاً لا يهاب المصاعب .

وكما أنه امتاز أيضاً بطبيعة قوية وجسم صلب :
صَلْبُ النحيزَةِ ، وَهّابٌ إذا مَنَعُوا
وفي الحُروبِ جَرىُ الصَدْرِ مِهصَارُ
" فقصدت بقولها – صلب النحيزة – أي أنه يمتاز بجسم صلب ، وهو يكثر البذل حينما يعز على الناس العطاء ، شجاع يقتحم ميادين الحروب بقلب جرئ صبور ، يهزم الأعداء ويتغلب على الأبطال " .

وهو أيضاً يمتاز بقوة البنية وضخامتها فهيأته كهيئة الأسد ، وليست بنية البطل في قوتها إلا ثمرة لسلام أعضائه من الداء :
كَأنَ العُداةَ إذا مَا بَدَا
مُدِلاً مِنَ الأسْدِ ذَا لِبْدَةٍ
يَخافُونَ وَرْداً أبا أشْبَلِ
حَمّ‍ي الجَزْعِ مِنْهُ فَلَمْ يُنزلِ
أي أنه ما أن يظهر أمام أعدائه حتى يدب الخوف في قلوبهم فكأنهُ أسدٌ عظيم ذو لبدةٍ وله أشبال يدافع عنهم فيظهر لهم وهو واثق بنفسه ومعتد بها ، ولكنه لا ينازل وإنما يحمي مجمع قومه دون نزال وذلك لفرار أعدائه من أمامه ما أن يظهر لمواجهتهم ، وذلك لما امتاز به من قوة البنية وضخامة الجسد .

وقولها :
قَدْ كَانَ حِصْناً شَديدَ الرُكْنِ مُمْتَنِعاً
لَيثاً إذاَ نَزَلَ الفِتْيانَ أو رَكِبوا
أي أنه كان قوياً شجاعاً لا يغلب أبداً فهو كالأسد في الشجاعة والقوة عند منازلة الفرسان سواء أكانت هذه المنازلة على الأرض أي مواجهة فارس لفارس أو على ظهر الخيل، فهو البطل الصلب الذي لا يهزم أبداً . ولهذا شبهتهُ هنا بالحصن الشديد المعزز الصلب في بنائه والذي لا يمكن اختراقهُ من قبل الأعداء أبدا ً، وذلك لما امتاز به من قوة البنية وصلابتها .

ولعل مما يعمق دلالة هذا الملمح اقترانه ، في وصف الشاعرة لباس البطل بمقارعة الشجعان والأبطال ومقاتلتهم كقولها :
نَازَلتَ أبْطالاً لَها ذَادةً
حَتى ثَنَوا عنْ حُرُماتِ الذِمَارْ(2)

أي أنه بارز وقاتل أبطالاً امتازوا بإقدامهم وشجاعتهم وقدراتهم القتالية العالية ، ومع هذا نراه مقداماً في مبارزتهم لا يهابهم وإنما ردهم على أعقابهم خائبين ، فحمى الديار ودافع عن حرمات الذمار .

وهذه الصور الحسية التي أوردناها في وصف هيئة صخر الجسدية وقوامه ونيته وغيرها مما أوردناه هنا من هذه الصفات ، تعد من أبرز الصفات الحسية التي وصفت الخنساء بها أخاها صخر .
وتضاف إلى هذه الصفات أيضاً كما أشرنا في مقدمة هذا البحث الصفات الحسية للشجاعة التي امتاز بها الأبطال فبرزت من خلالها بطولاتهم الفذة . ومن أهم هذه الصفات التي أوردتها الخنساء في شعرها الرثائي لتثبت بها بطولة أخيها صخر في هذه المراثي ، وصفها له أنه ما يزال فارساً حديث السن في مقتبل عمره عندما أصيب في الحرب بطعنة نجلاء أرقدته حولاً حتى وفاته :


ولا يَزالُ حَديثَ السِنّ مُقتَبِلاً
وفاَرِساً لا يُرى مِثلٌ لهُ رأس


أي أنه لايزال شاباً في مقتبل العمر عندما وافاه أجلهُ أثر طعنة تلقاها في الحرب التي خاضها لطلب الثائر لمقتل أخيه معاوية ، والتي عانى من آلامها طويلاً حتى أودت بحياته . ومع ذلك فإنه كان فارساً شجاعاً لا يُرى له مثيل في الصمود والثبات ، ورباطه الجأش والصبر على المصاعب .

ونلاحظ بأن الشباب هو أجمل وأكثر صفات المحارب أثراً في معاني الرثاء وقد يترك موته أثاراً عميقة قاسية في نفوس أهله وعشيرته يتجاوز في بعض الأحيان الأثر الذي يتركه موت الكهل .
ولذا نرى الخنساء قد نسبت هذه الصفة لصخر لتصل بها إلى أعمق درجات التأثير في النفوس ولإثبات البطولة أيضاً لهذا الفارس الشاب ذي الخبرة الواعية للحرب على صغر سنه .
ولقد أوردت ما يقارن هذه الصفة في قولها عنهُ :
فَتيّ السِنِ كَهْلَ الحُلُمِ لا مُتسّرِعْ
ولا جَامدٌ جَعْدَ اليَدين جَدِيبُ
فهي هنا تشير إلى أنه صغير السن في مقتبل عمرهِ إلا أنه مع ذلك – كهل الحُلم – كأنه في سن الكهولة في حلمه فهو غير متسرع في المضاء قدماً في الأمور الصعبة وهذه استعارة لطيفة للدلالة على حلمه ورزانته وتأنيه في اتخاذ القرارات الصعبة ، فاستعارت لفظة الكهولة للحلم مع أن الكهولة هي صفة للإنسان المتقدم في السن وذلك للدلالة على عظم حلمه. وهو أيضاً كريم جواد وليس جامد العطاء وإنما ينساب العطاء من بين يديه كالعيون الجارية فكَنّت هنا عن عظم كرمه وغزارته – بنفي صفة تجعد اليدين وجد بها عنهُ - .

وأما فيما يتعلق بالصفات المادية والحسية الأخرى التي ذكرتها الخنساء في مراثيها لأخيها صخر والتي تقترن بشجاعته فتتضمن – الطول والنحافة وخمص البطن وعرض الكتفين وقوة البنية – وذلك باعتبارها من أعمدة الجمال التي تكمل صورة الفارس البطل ، ولارتباط فكرة الطول بالفروسية وجدنا الخنساء تقرن طول صخر بطول الرمح أو بطول خمائل السيف لتعزز بها الصورة البطولية الفذة لأخيها صخر فقالت :
رُمْحين خصّيّن في
كَبِد السماءِ سناهُما
وصفت الخنساء هنا أخويها – معاوية وصخر – فشبهت طول قوامهما بالرمح فهما فارسان طويلان مرشوقا القوام كالرمح الشاخص في الأرض ، وهما الشجاعان الثابتان في مواجهة الأهوال والأخطار ورد العدا عن الديار ، فلذا علا مجدهما وهزهما فبلغ أعنان السماء سناهما ووصفته أيضاً بالنحافة وخمص الخصر في قولها :

أرجُ العطاف ، مهفهف ، نعم الفتى
متسهلُ في الأهل والاجناب
أي أنه نحيف رشيق دفيق الخصر متكامل الصفات الخُلقية والخَلقية ، فهو الكريم والشريف والماجد والشجاع نعم الفتى هو لا تصافه بهذه الصفات وغيرها ، وهو سمح الأخلاق سهل في تعامله مع أهله ومع الأغراب وهذه هي أحد أهم الصفات الحسية الدالة على شجاعة الأبطال ومنهم صخر .

وكذلك أشارت إلى قوة ساعديه بقولها :
ضَيارِمَةٍ تَوسَدْ سَاعِديه
على طُرقِ الغُزاَةِ وكلُ بحرٍ

أي أنه كالأسد الغضوب لا يستطيع أي عدوٍ تجاوزه فساعداه قويتان تطيحان بكل العداة الغادرين فتحيطان بهم سواء أكانوا في البر أم في البحر ومهما بلغوا من شدة أو قوة عبثاً يحاولون اجتيازهما ، فينتهي بهم المطاف ألى الهلاك ويرتدون على أعقابهم خائبين وهذا دليل على مدى قوته وشجاعته الوقادة وحرصه على أمن قبيلته وسلامتها من أي غدر أو سوء. وهذه صفة حسية أخرى من صفات الشجاعة والتي حرص القدماء على عرضها في أشعارهم للتدليل على مدى قوة وشجاعة أبطالهم الذين اعتدوا بهم وأشادوا بانتصاراتهم وبطولاتهم الخارق .
وبالإضافة إلى هذه الصفات الحسية المختلفة للشجاع وصفاته الجسدية اهتم الشعراء أيضاً بإبراز جانب القوة البدنية والمعبرة عن مدى قوة وشجاعة أبطالهم الحسية فشبهوا أبطالهم بالأسود والنمور والصقور وغيرها من الحيوانات المفترسة والكاسرة ليدلوا من خلالها على قوة أبدان أبطالهم وسلامة أعضائهم المختلفة من كل عيب سواء أكان ظاهرياً أم باطنياً ، ونلاحظ من خلال استقرائنا الخنساء في – صخر – احتفالها بهذه الصفات الحسية المختلفة للشجاعة في الابانة على مدى وعظم قوة البنية التي تمتع بها صخر فوصفته بالأسد قائلة :
سَمِحُ الخَليقَة لا نِكسٌ ولا غُمرٌ
بلْ بَاسلٌ مِثْلَ لَيثِ الغَابةِ العادي


أي أنه جواد كريم الخُلق والخليقة ، وليس دنياً ولا ضعيفاً وإنما هو عفيف النفس شجاع مقدام في الحروب والأخطار وهو حكيم في تحركاته ، لا يسير في طريق مجهول النهاية يقوده إلى الهلاك والتهلكة كالجاهل الأبله الذي لا يجرب الأمور . فهو مقدام في الحروب وفي الدفاع عن حرمة قبيلته وممتلكاتها ، شجاع كالأسد الذي يعدو في الغابة فتهابه جميع الحيوانات الأخرى وتفر منه هاربةً من بطشه وفتكه بها ، فتشبيهها له بالأسد فيه دلاله على عظم قوته وضخامة بنيته والتي يهابها الأعداء . وقولها أيضاً :

حَامي الحَقيقَ تَخَالهُ عِندَ الوَغى أسَداً
بِبيشةً كَاشِرَ الأنيابِ
أي أنه قوي شجاع مدافع عن الحق ومتقصي للحقائق أينما كانت فهو ناصر المظلوم مقتص من الظالم ، وهو قوي البنية وسليم من كل عيب وداء فيظهر في الحروب كأنه أسدٌ مكشر عن أنيابه عند النزال وما أن يراه العدو بهذا المظهر حتى لوذ بالفرار هاراً من غضبه وبطشه وقولها أيضاً :

أسَدانِ مُحمَرّا المَخالِبِ نَجدة
بَحران في الزَّمَنِ الغَضُوبِ الأنمرِ أي أن أخويها – معاوية وصخر – كانا أسدين في الحروب لقوتهما وبسالتهما وخبرتهما القتالية والتي لا يباريهما فيها أي بطل أو شجاع من أقرانهما ، فأظفارهما محمرة من دماء أعدائهم لكثرة تقتيلهم لهم فتتخضب أيديهم بدمائهم كما تخضبت مخالب الأسد بدماء فرائسها بعد أن تمزقها إلى أشلاء لالتهامها . وهذا هو أحد الأدلة البارزة على شجاعتهما . وهما أيضاً جوادان كريمان يبذلان الغالي والنفيس في العطاء ولا تقصر أيديهم عنه فهما كالبحر في العطاء يقدمان المعروف والإحسان لطالبيه في أقسى الظروف والأحوال سواء أكان في الشتاء أم عند هبوب رياح الشمال القاسية الجافة أم عند حلول الأعوام المجدبة القاحلة، فهما يجودان بأفضل ما يملكان ويطعمان السائل والمحتاج ويفضلان الغير على أنفسهم وهذه الصفة أيضاً تعد إحدى صفات الشجاعة الحسية ، فالجود بالغالي والنفيس وتفضيل الغير على النفس يعد من أعلى درجات الكرم والشجاعة المادية الحسية .

وأعطت الخنساء صفة أخرى لصخر ، فهو كالنمر في الإقدام والاندفاع في مواجهة الأعداء ، فقالت :
مَشَىَ السَبْنَتيّ إلى هَيجاءَ مُعْضِلَةً
لَهُ سِلاحَانِ أنْيابٌ وأظْفَارُ أي أنه يذهب مندفعاً إلى ميدان القتال الذي يشتد فيه الصراع ، اندفاع النمر إلى العراك ، يعينه سلاحه أنيابه وأظفارهُ . وهذا دليل على مدى شجاعته وشراسته في القتال فهو الذي يُهاب ولا يَهاب وهو الذي تفر من أمامه الجموع وهو ثابت لا يهاب من أي شيء ويقاتل دون أسلحة قتال .وقالت عنه أيضاً بأنه سريع في الوصول إلى هدفه فهو – كالصقر – الذي حط على وكر فهو لا يجارى ولا يبارى فهو السباق دائماً ، وذكرت هذه المعاني في وصفها لمسابقة بين أبيها وأخيها صخر ، فقالت :

جَارى أباهُ فَأقْبلا وَهُما
حتى إذا نَزت القُلوب وقَدْ
وعلا هُتافَ النَّاسِ : "أيهُّما؟"
بَرزتْ صَحيفَةَ وَجْهِ والِدهِ
أولى ، فأولى أن يساويهِ
وهُمَا كأنهُما ، وقد بَرزا ،
يَتعَاوران مَلاءةَ الفَخرِ
لَزّتْ هُناك العذر بالعذرِ
قال المُصيبُ هُناك : " لا أدري "
ومَضى عَلى غلوائِهِ يَجري
لَولا جَلالُ السنِ والكِبرِ
صَقران قَدْ حَطّا على وكَرِ
فهي هنا ترسم صورة صادقة لحلبة يتبارى فيها فارسان سباقان لا يكاد أحدهما يسبق الأخر ويزدحم حولها جمهور كبير من المتفرجين تشخص أبصارهم وتشرئب أعناقهم نحو المتسابقين وتعلو أصواتهم بالهتاف كلما تقدم أحدهما نحو الغاية ، ولكن والدهُ وبالرغم من شدة حرية وامتلاكه نشاط الشباب ، إلا أنه لم يستطع أن يجاريه وذلك لفارق السن بينهما ولكبره ، فصخر ما يزال في ريعان شبابه وقوته ولذا فإن السبق كان له ومع هذا فإنهما كانا شبه متعادلين ، فكانا ندين متكافئين وكأنهما في سرعتهما كالصقرين في شدة سرعة انقضاضهما على الفريسة أو عندما يحطان على الوكر .

وهذه هي أهم التشبيهات التي شبهت الخنساء بها صخراً فأبرزت من خلالها قوة بنيته وسلامة أعضائه من أي داء وسرعة جريه فهو الفارس الشجاع المقدام في الحرب والذي لا يهابُ الموت في ميادين الوغى فكل ما يهمهُ هو الإطاحة برؤوس الأعداء والذب عن حرمات القبيلة فقط ، وهو بهذا يكون قد بلغ أسمى أنواع ودرجات الشجاعة التي من الممكن أن يتحلى بها المرء .

وإلى هذا أشارت الخنساء قائلة :

سُمّ العُداةِ وفَكَاكُ العُناةِ إذا

لاَقَىَ الوَغى لم يَكُنْ للموتِ هَيابا


أي أنه يقاوم العداة ويوقع بهم أفضع الخسائر فهو الفارس الهمام الشجاع الذي يجتاز كل الصعاب والخاطر ، وهو أيضاً الكريم الجواد المعطاء السمح الذي يطلق الأسرى بلا دية بعد أسرهم وهذا دليل على عفوه عند المقدرة ، وإذا ما خاض الحروب فإنه يكون مندفعاً مقداماً لا يهاب الموت ولا يبالي به .

فهو قائد الفرسان إذا ما وقعت الحرب ، وهو الكريم المطعم الجياع في السلم إذا ما حلت بالقوم سنين القحط والجدب . فقالت الخنساء عنه :
يا فَارسَ الخَيْلِ إذْ شدّتْ رَحَائِلَها
ومُطْعِمُ الجّوعِ الهَلْكى إذا سَبَغوا
وهو أيضاً سيد العشيرة وقائدها وحاميها من هجمات الأعداء وهو الذي يحامي ظهور القوم إذا ولو ولذا فإنه استحق وبجدارة اسم البطل بما سجله من أعلى درجات البطولة ، فقالت عنه :

وما كَرّ إلا كَان أوّلَ طَاعِنٍ
فيدْرِكُ ثَأراً ثُمَ لَمْ يُخطْهِ القَنا
فإنْ طَلَبوا وَتْراً بَدأ بتُراتِهِمْ
فَلستُ اُرْزىَ بَعْدَه برَزِيَئةٍ
ولا اَبْصَرتْهُ الخَيلَ إلا إقشْعّرتْ
فَمْثلُ أخي يَوماً بهِ العَينَ قَرّتْ
ويَصْبِرَ يَحْميهم إذا الخَيلُ وَلّتْ
فاذْكُرُهُ الا سَلَتْ وتَجَلتْ
فالبطل هنا أجاب دعوة القتال مسرعاً ففزعت منه الخيل ومن عليها ليدرك غايتهُ ويحقق ثأره ثم يصمد إلى النهاية ليحمي ظهور القوم من هجمات العدو ، ولهذا فإن الخنساء ومهما ألمت بها من ملمات وحوادث الدهر الصعاب فإنها تكون سهلة ومنجلية أمام مصابها العظيم بفقدها لصخر الفتى الهمام الكريم الشهم .

وهذه هي أهم الصفات التي أوردتها الخنساء والتي اتصف بها صخر فظهرت من خلالها عناصر بطولته .
وهنالك عناصر أخرى مكملة لقوى البطل وطاقته الذاتية وتتمثل بالعناصر الطبيعية والتي تشمل :
1- الخيل 2- السلاح
فنلاحظ بأن الخنساء وظفت هذه العناصر في أشعارها خير توظيف لإبراز قوة وبطولة أخيها صخر بصورة حسية رائعة ، فوصفت فرس صخر وخيول فرسان القبيلة بصفات رائعة أبرزت من خلالها قوة الخيول واندفاعها في القتال ، ورشاقتها وقوة بنيتها وخفة سرعتها وبهائها . وكذلك وصفت أهم الأسلحة التي استخدمها صخر وشجعان القبيلة في القتال ، فأبرزت من خلال هذه الصفات الحسية المختلفة للخيل والسلاح العديد من مظاهر الشجاعة والبطولة لأخيها صخر . ومن أهم هذه الصفات الحسية المتعلقة بالخيل وصفاتها :
وصفها للفرس الذي يمتطيه صخر في حروبه وعند إغارته صباحاً لغرض السلب فقالت عنهُ بأنه فرس يعدو بسرعة وهو لسرعته الشديدة يظهر وكأنهُ سابح في الهواء ، وهو فرس قوي البنية فهو ضخم واسع الجوف عظيم الصدر وهذا مما يساعده على السرعة لدى عدوه .
ويمتاز أيضاً بلونه الحالك السواد وكأنه اتخذ من ظلام الليل رداءاً له ولذا فهو مثال الفرس للفارس المغوار في حروبه وصولاته فيعدو به كالريح الهادرة فلا يجاريه أحد في عدوه . وإلى ذلك أشارت الخنساء قائلة :
يَعْدو بِه سَابِحٌ ، نَهْدُ مَراكِلَهُ
حَتى يُصّبَح أقواماً ، يُحارِبَهمْ
مُجَلْبَبٌ بِسَوادِ الليلِ جِلبْابا
أو يَسْلِبْ ، دُونَ صَفِ القَومِ إسْلابا
فمما يرفع شأن الفرس بوصفه عنصراً موضوعياً حياً من عناصر البطولة تميز بالقوة والحيوية والنشاط والفرس الذي يعنى به الشعر العربي هو الذي يمتلك قدرة الحركة بسرعة فائقة وبمرونة عالية وفقاً لطبيعة التغيرات الحاصلة بشكل متسارع في الموقف .

ولشدة سرعته نراه ينصب كانصباب ماء الخليج في عَدوه أو أنه لشدة عدْوه يبدو كالماء الشديد الغليان بالمرجل وإلى هذا أشارت الخنساء بقولها :
ومُسْتَنَةٍ كاْسْتِنانِ الخَليجِ
فَوّارةَ الغَمْرِ كَالمِرْجَلِ
أي أن هذه الخيل تعدو إقبالاً وأدباراً أي تقع أرجلها مواقع أيديها عند عدوها فهي تبدو كأنها مياه الخليج المنصبة الهادرة لسرعتها ، وهي أيضاً تعدو بسرعة هائلة وكأنها المياه التي تغلي بشدة في المرجل مما يدل على سرعتها القصوى في عدوها .

وإن الجانب الأهم في الدلالة على قوة الفرس وحيويته وسرعته ، وعلى طبيعة العلاقة ومداها بين البطل الفارس وبينه هو الحرب ، ففيها يبرز الفرس عنصراً أساسياً في خوضها وفي مقارعة الأعداء وفي تحقيق الظفر والانتصار ، وذلك إلى جانب السلاح والحصان مثل البطل ، ووجب عَدهُ من أبطال معارك أيام العرب فقد مَكن القبائل الغنية من بسط نفوذها على القبائل الضعيفة . فهو سريع الحركة ، ويمتاز بمرونة الحركة في القتال وفي الكرِ والفرِ ، وهو من الحيوانات الصابرة التي تمتاز بضبط النفس في القتال وعدم الجزع والهيجان في الحروب ، وعلاقة البطل الفارس بفرسه في مواقف الحرب علاقة تلازم وثيق ، ومشاركة فعلية يكمل فيها الفرس شخصية الحرب علاقة تلازم وثيق ، ومشاركة فعلية يكمل فيها الفرس شخصية البطل الحربية بقوته وطاقته في الاقتحام فهو ، أي الفرس ، لا توهنه الجراح الحربية التي تصيبه من رماح الأعداء وسيوفهم ولا يحول دون سيره إلى عدوه حائل فنراه يجتاز الرماح مع هذا يمضي قدماً في سبيل تحقيق انصر على الأعداء . وإلى هذا أشارت الخنساء واصفة أقدام أخيها الفارس صخر والخيل التي يمتطيها :
وتَسْعَى حِينَ تَشْتَجِرُ العَوالي
مُحافِظَةً ومحْمِيةً إذا ما
فَتَترُكَها قَدْ إضْطَرَمَتْ بِطَعْنٍ
يِكأسِ المَوتِ سَاعَةَ مُصْطَلاها
نَبا بالقَومِ من جَزَعٍ لَظاها
تَضَمّنَهُ إذا إخْتلَفت كَلاها
أي أن هذه الخيل تمضي مقدمة في ساحات الوغى لا يثنيها عن عزمها اشتباك الرماح في القتال فتجتازها بثبات وإقدام فهي خيلٌ صبورة لا تهاب الموت ، ولا تبرح ساحات الوغى حتى إذا ابتعد القوم وهابوا نيران الحرب ، فنراها شامخة صامدة هي وفارسها

– صخر – فتخرج من هذه الحروب وقد اكتضت وأثخنت أجسادها بالجراح ولكنها مع هذا تخرج مكللة بالنصر على الأعداء . وهذه الصفة من الصفات التي اعتد بها العربي في أشعاره فكلما ازدادت جراح الخيل في ساحات الوغى ازداد افتخاره بها ، لأن هذا دليل واضح على مدى بطولة فارسها ومدى قوتها وثباتها وانقيادها لفارسها .
وتمتاز هذه الخيل أيضاً بأنها ضامرة الأحشاء وقوية العضلات وسريعة في عدوها ، وهذا دليل أيضاً على تمكن فرسانها وفروسيتهم وشجاعتهم فقد توصف هي بهذه الصفات ويراد فارسها . ومن ذلك قول الخنساء في أخيها صخر واصفة إقدامه وقوته وفروسيته قائلة :
يا فَارِسَ الخَيلَ إنْ شَدّوا فَلَمْ يَهِنوا
يا لَهْفَ نَفسي عَلى صَخر إذا رُكِبَتْ
والقَحَ القَومُ حَرْبأ لَيسَ يُلقِحها
وفاَرِسَ القَومِ إنْ هَموا بتَقصِيرِ
خَيلٌ لخيل كأمثالِ اليعافِيرِ
إلا المسَاعيرُ أبناَءُ المسَاَعِيرِ
أي أنه الفارس المقدام الذي يقود الخيل إلى الملمات الصعبة سواء أكانت هذه القيادة لغرض الدفاع عن القبيلة أم لغرض الحروب والإغارة فنراه الفارس المقدام الذي يقود القوم نحو النصر ، والذي إذا ما وهنت عزائمهم وخارت قواهم نراه يقوم بتأجيج الحماسة القتالية في صدورهم فهو نعم القائد البطل الهمام الشجاع ولذا نرى الخنساء تبكيه بحسرة وألم فهو فارس الخيل وقائدها في الحروب ، وهذه الخيل قوية الأجسام وضامرة الخاصرة فهي كالظباء في هيئتها وسرعتها . فيقود هذا الخيل وفرسانها في غمرات الحروب التي يوقدها والتي لا يستطيع قيادها إلا الأبطال أبناء الأبطال الذين يخبرون صنوف الحرب والقتال. وقولها أيضاً :

وقَوّادَ خيل نَحو أخْرى كَأنها
سَعالٍ وعُقْبانٌ عَليها زَباَنية

فهو القائد المقدام الذي يقود هذه الخيل السريعة القوية المهابة ، فهي تبدو لسرعتها كأنها سعالٍ أي غيلان وعقبانٌ ضخمة تحمل على ظهورها القادة الشجعان الأبطال وهم المقصودين بقولها – زبانية – أي للدلالة على ضخامتهم ومهابتهم من قبل الغير .
وكان من مظاهر اعتزاز العربي بأبطاله ، وصفه لهم بأنهم يدافعون عن الخيول في المعركة ويبعدونها عن الأخطار الملمة بها :
وأبْكِيهِ للخَيلِ تَحتَ النَفْعِ عَابِسَةً
يَذودُوها عَن حِمامِ الموتِ ذَائِدةٌ
كأنَّ أكْتَ‍افَها عُلتْ بجريالِ
كاليثِ يَحمي عَريناً دُونَ أشْبَالِ


أي أنها تبكيه لما امتاز به من خصالٍ حميدة وبطولة نادرة افتقدتها في غيره ، فهو الفارس الذي يقود الخيل العادية في غمار الحرب وكأن أكتافها اصطبغت بلون أحمر من شدة وكثرة الدماء التي سالت من الأعداء ومنها أثر الطعنات التي تلقاها من سيوف ورماح العدو ولذا نرى صخراً يبعدها عن كل ما يحيق بها من أذى ويدافع عنها كما يدافع الليث عن عرينه أي بيته ووكره الذي اشتمل على أطفاله فيقاتل دفاعاً عنه ولإبعاد كل ما يحيق به من أخطار .

ومن مظاهر البطولة أيضاً كون الفارس يجيد القتال وهو على ظهر الفرس كما يجيده وهو يقاتل الأعداء راجلاً في ساحات الوغى وجهاً لوجه من دون الاستعاضة بفرسه لخوض غمار الحروب .
وأشارت الخنساء إلى ذلك بقولها :
يا عَينُ اِبْكي فَارساً
حَسَنَ الطِعانِ عَلى الفَرَسْ
أي أنها تبكيه لفروسيته البارزة فهو يجيد مطاعنة العدو من على ظهر فرسه وهو يعدو به في ساحات الوغى فلا يجاريه في ذلك فارسٌ من الفرسان .

وقالت أيضاً :
أَنى لَنا إذْ فَاتَنا مِثْلُهُ
للخيلِ إذْ جَالَتْ وللعادية
أي أنه الفارس الفريد من نوعه والذي يندر وجود فارساً يضاهيه في فروسيته وشجاعته فهو يجيد قتال الفرسان وهم يعدون بخيولهم في ساحات الوغى كما أنه يجيد قتال الفرسان الراجلين فيقاتلهم وجهاً لوجه وينتصر عليهم جميعاً .

ومن الصفات التي أوردتها الخنساء في وصف الفرس التي يمتطيها صخر ، والتي اعتد الشعراء بذكرها في أشعارهم وافتخروا بها ، قولها عنه بأنه فرس قصير الشعر ثابت الركض :
يُردْي بِهِ في نَقْعهِا سَابحٌ
أجرْدُ كالَسّرْحانِ ثَبتُ الحِضَارِ
أي أن فرسه يعدو به في غبار الحرب مسرعاً وكأنه يسبح في الهواء لشدة سرعته وهو فرس خفيف الشعر كالذئب في عدوه فهو يعدو بخطاً وثابة ومسرعة .

وهذه الصفة للفرس ، خفة شعره وقصره هو المستحب عند العرب ولذا وصفوا خيولهم بهذه الصفة واعتدوا بها في أشعارهم . وكذلك وصف العرب خيولهم بأنها طويلة الذيل وفخروا بهذه الصفة ونسبوها إلى خيولهم لما يضفيه الذيل الطويل من رونق يكتمل به جمال وبهاء الفرس . وإلى هذه الصفة أشارت الخنساء قائلة :
يا مَنْ يَرى مِنْ قَومِنا فَارِساً
في الخيلِ إذْ تَعْدُو بِهِ الضَافِية
أي أنه فارس يمتطي فرساً تمتاز بذيلها الطويل الجميل وهو المقصود

بقولها – الضافية - .
وهذه هي أهم الصفات الحسية للخيل والتي أوردتها الخنساء لإبراز الصور البطولية لصخر من خلالها ، وتندرج أيضاً تحت هذه الصفات الحسية صفات السلاح بأنواعه من سيوفٍ ورماح ودروع وغيرها من الأسلحة الأخرى إلا أن أهم هذه الصفات الحسية هي ما يتعلق – بالسيف والرمح – دون غيرهما من الأسلحة الأخرى وذلك لأنهما من أهم الأسلحة التي تبرز من خلالها مدى بطولة هذا الشخص – المقصود بالحديث – وشجاعته وذلك لما تقتضيه طبيعة استخدامها من الالتحام التام مع العدو أما بقية الأسلحة فهي أيضاً لها شأن في الإعداد للحروب وخوضها لكنها أقل أهمية في إبراز الصور الحسية للبطل(1) . ومن أهم هذه الصفات الحسية للسلاح بأنواعه المختلفة وكما أوردتها الخنساء في شعرها في صخر :
i. السيف : لقد أوردت الخنساء في شعرها العديد من الأوصاف والصفات الدقيقة للسيوف التي استخدمها أبناء قبيلتها وبالأخص صخر ، إلا أن أهمية السيف لا تكمن فقط باحتيازه ، بل بفعاليته المرتبطة بالقدرة على استخدامه والبراعة في استثماره وتتصل أيضاً بطبيعة مادته وصنعه وذكرت الخنساء في أشعارها مقدرة صخر العظيمة والبارزة في استخدام السيف ، وإلى هذا المعنى أشارت بقولها :
يَحْمي الصِحّابَ إذا جَدّ الضّيرابُ
ويَكْفي القَائِلينَ إذا ما كَيّل الهاني
أي أنه شجاع يحامي ويدافع عن أصحابه وأبناء عشيرته إذا ما حدث ألمّ بهم واشتدت المضاربة بالسيوف فنراه يقوم بصد هذه السيوف عنهم فيبارز الأعداء ويحمي أصحابه وهذا حاله في الحروب أيضاً ، أما حاله في السلم فهو كريم معطاء لا يبخل على السائلين إذا ما شح الطعام وبخل الكريم في تقديمه للسائلين لقلته .

وكذلك من الأدلة البارزة الدالة على قدرته العالية في المبارزة بالسيف قولها :
يا ضَارِبَ الفَارسِ يَومَ الوغى
بالسَّيفِ في الحَومَة ذات الأوارِ أي أنه يبارز الفارس في الحرب بشجاعة وإقدام ويجيد استخدام السيف بمهارة فائقة لا يجاريه أحد بها ولا تعيقه الحرارة الشديدة في أوقات الحرب عن مبارزة خصمه ولا توهن من عزمه وقدراته القتالية . فسيف هذا البطل هو سيف صلد قاطع رقيق الجانب :

بمهوٍ إذاَ أنْتَ صَوّبْتَهُ
كأن العِظامَ لَهُ خرْوعٌ
أي أن هذا السيف رقيق قاطع ، إذا ما صوب نحو شخص فضرب به فإنه يموت بسرعة فائقة لأنه يخترق العظام كأنها نبات الخروع الطري ، لشدته وقوة قطعهِ وحدته .

وهو يمتلك سيفاً أبيضاً براقاً له هيئة وشكل معين فهو كالبرق اللامع في السماء في ليلة ذات سحابة ماطرة :
عِطّافُهُ أبيض ذو رَونَقٍ
كالرجعِ في المدُجنَةِ السارِية
وافتخرت الخنساء بأن سيف أخيها من الهند وهو سيف شديد صلب رقيق الحد ، أي سيف قاطع شديد المضاء ، فقالت عنه :

إذا ما القَومُ أحْرُبَهُمْ َتبولٌ
بكل مهندٍ عَضْبٍ حُسامٍ
كَذاك التَبْلُ يُطْلَبُ كالقَرُوضُ
رَقيق الحَّد مَصْقولٍ رَحيضُ
أي إذا ما قامت الحروب بين القوم لغرض العداوة والثأر فإن الثأر يطلب كما تطلب القروض ولكنه يأخذ بالسيوف المصنوعة في الهند القوية الصلبة الرقيقة الجانب القاطعة المصقولة اللامعة من شدة صقلها .

وهذه هي أهم الصفات التي عرضتها الخنساء في أشعارها فيما يخص السيف .

ii. الرماح : وهي تعد في المرحلة الثانية بعد السيوف فنلاحظ بأن الخنساء وصفت هذه الرماح وبمختلف صفاتها في أشعارها فجسدتها في العديد من الصفات الحسية الخاصة بالسلاح لإبراز بطولة أخيها صخر من خلال هذه الصفات فقالت عنها :

ببيضِ الصّفَاحِ وسُمْر الرماح
فبالبيض ضَرْباً وبالسُمْرِ وَخْزاً
أي أن قومها عندما لقوا الأعداء فإنهم واجهوهم بكل شجاعة وعزم فقاموا بضربهم ومبارزتهم بالسيوف كما أنهم قاموا بوخزهم بالرماح السمر الماضية فهزموهم وقضوا عليهم .

والقتال الذي تستخدم فيه الرماح غالباً ما يكون فارسه ممتطياً صهوة جواده ويقوم أثناء كره برمي الأعداء بهذه الرماح وهو راكبٌ على صهوة جواده أو يقوم بوخزهم بها فيروي سنانها بدماء الأعداء وهذا ما أشارت إليه الخنساء بقولها عن صخر بأنه :
تَروي سِنانَ الرُمْحِ طَعنَتُهُ
والخيل قَد خَاضَتْ دَماً يجْري
أي أنه كثير الوخز بالرمح لأعدائه وتكثر طعناته لهم حتى إن سنان رمحه تصطبغ وتروى بدمائهم ولكثرة قتلاهُ فإن خيله تخوض هي الأخرى بدماء أعدائه لغزارتها .

ويمتاز رمح صخر بأنه رمحٌ صلب أسود اللون سنانه حمراء وكأنها محمية بالنار وهي رمح قاتلة مميتة أشربها الحداد لدى سنها بالسم القاتل ولذا فإنها تحمل لمن تصبه الموت الحتمي الذي لا فرار منه ولا مهرب وإلى هذا أشارت الخنساء قائلة :
عَارِضُ سَمْحَاءَ رُدَينيةٍ
أشرَبها القَينُ لدى سَنِها
كالنارُ فِيها ألَةٌ ماضِية
فصَارَ فيها ألةُ ماضية
فهي رمحُ ردينية وهي بهذه الصفة تكون من أنواع الرماح المشهورة لدى العرب والتي امتازت بكونها رمحاً مقومة قوية وسميت بهذا الاسم نسبة إلى ردينة التي اشتهرت بإصلاح الرماح وتقويمها ولهذا عرفت بهذا الاسم واشتهرت به هذه الرماح . ونرى صخراً من الفرسان الشجعان الذين يجيدون الطعن بالرمح وهم يمتطون صهوات خيولهم :

يا عينُ ابكي فارِساً
حَسَنَ الطِعّانِ على الفرسْ
وهذه أيضاً أهم الصفات التي عرضتها الخنساء للرماح ، أما بقية الأسلحة الأخرى فهي أقل أهمية في الاستخدام – كالنبل والقوس والدرع – فذكرتها الخنساء في شعرها أيضاً ووصفتها في أشعارها ومن أهم هذه الصفات ، قولها بأنه يغشى الحروب ولا يكون عليه سوى الدروع القصيرة الخفيفة وهذه الصفة من الصفات التي أشاد بها العربي في أشعاره لإبراز مدى شجاعة وبطولة من يمتدحهم أو يرثيهم وانتهجت هذا المنهج شاعرتنا الخنساء بقولها :

ويلُ أمهِ مسْعَرَ حَرب إذا
ألقيَّ فيها فارساً ذا شليلٍ
وهنا تتعجب من أن – صخر – يسعر الحرب ويقودها وهو عندما يخوض غمارها نراه يخرج لمقاتلة الأعداء ولا يقيه من طعانهم سوى درع قصير لا يحميه من شيء وفي هذا أشارة إلى عظم إقدامه وشجاعته .

وبهذا نكون قد استعرضنا أهم الصفات الحسية التي وصفت الخنساء بها أخاها صخراً
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق