الجمعة، 28 مارس 2014

الشاعر سميح القاسم وبعض قصائده

الشاعر سميح القاسم
 
يعد سميح القاسم واحداً من أبرز شعراء فلسطين، وقد ولد لعائلة درزية فلسطينية في مدينة الزرقاء الأردنية عام 1929، وتعلّم في مدارس الرامة والناصرة. وعلّم في إحدى المدارس، ثم انصرف بعدها إلى نشاطه السياسي في الحزب الشيوعي قبل أن يترك الحزب ويتفرّغ لعمله الأدبي.
سجن القاسم أكثر من مرة كما وضع رهن الإقامة الجبرية بسبب أشعاره ومواقفه السياسية.
شاعر مكثر يتناول في شعره الكفاح والمعاناة الفلسطينيين، وما أن بلغ الثلاثين حتى كان قد نشر ست مجموعات شعرية حازت على شهرة واسعة في العالم العربي.
كتب سميح القاسم أيضاً عدداً من الروايات، ومن بين اهتماماته الحالية إنشاء مسرح فلسطيني يحمل رسالة فنية وثقافية عالية كما يحمل في الوقت نفسه رسالة سياسية قادرة على التأثير في الرأي العام العالمي فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية.
مؤلفاته :
1-
أعماله الشعرية:
مواكب الشمس - أغاني الدروب - دمي على كتفي  -دخان البراكين - سقوط الأقنعة - ويكون أن يأتي طائر الرعد - رحلة السراديب الموحشة - قرآن الموت والياسمين - الموت الكبير - وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم - ديوان الحماسة - أحبك كما يشتهي الموت - الجانب المعتم من التفاحة، الجانب المضيء من القلب - جهات الروح - قرابين - برسونا نون غراتا : شخص غير مرغوب فيه - لا أستأذن أحداً - سبحة للسجلات - أخذة الأميرة يبوس - الكتب السبعة - أرض مراوغة - حرير كاسد - لا بأس سأخرج من صورتي ذات يوم .
السربيات:
إرَم - إسكندرون في رحلة الخارج ورحلة الداخل - مراثي سميح القاسم - إلهي إلهي لماذا قتلتني؟ - ثالث أكسيد الكربون - الصحراء - خذلتني الصحارى - كلمة الفقيد في مهرجان تأبينه .
أعماله المسرحية:
قرقاش - المغتصبة ومسرحيّات أخرى
الحكايات:
إلى الجحيم أيها الليلك - الصورة الأخيرة في الألبوم
أعماله الأخرى:
عن الموقف والفن / نثر - من فمك أدينك / نثر - كولاج / تعبيرات - رماد الوردة، دخان الأغنية / نثر - حسرة الزلزال / نثر  .
الأبحاث:
مطالع من أنطولوجيا الشعر الفلسطيني في ألف عام / بحث وتوثيق .
الرسائل:
الرسائل/ بالاشتراك مع محمود درويش .
في حوار مع الشاعر الكبير سميح القاسم
الإنسان الضعيف تسكره النجومية وتفقده القدرة على الاتزان تتفاوت أدوات التعبير بتفاوت الزمن والتجربة هناك نقاد ساعدوني على معرفة ذاتي، أعني النقاد الذين لم يقتصر نقدهم على المعنى آمنت دائماً أن الدراما هي عنصر جوهري وأساسي في العمل الشعري في طفولتي عايشت مناخات وأجواء متعددة ومدهشة لا يتحول الشاعر إلى رمز إلا من خلال قصيدته الحضور الأساسي للقصيدة وليس للشاعر أحبُّ المغامرة الفنية وأمارسها بكامل حريتي وكان الشعر عنقود فرح.. كان صرخة غضب.. وكان كما قال روزنتال: «إن الحياة التي تخلو من الشعر لهي حياة غير جديرة أن تعاش»، أو كما قال جان كوكتو: «الشعر ضرورة ويا ليتني أستطيع أن أعرف لماذا» أو على رأي سومرست موم: «الشعر هو تاج الأدب، هو غايته ومنتهاه. إنه أرقى فعل يقوم به العقل البشري».. وكان لابد من لقاء الشاعر الكبير سميح القاسم ـ حاورته يوم الأحد 19/11/2000 ـ الشاعر الذي أعطى الشعر صفوة الروح والعمر، فانتصبت القصيدة شجرة عطاء لا ينضب..
ربما يبقى القول الأوجز في تعريف الشاعر الإنسان، والشاعر الصديق سميح القاسم، متمثلاً في أنه لا يبرح الشباب وعنفوان الإنسان الممتلئ بالحيوية والمرح والأمل، ليكون شاعر المقاومة ورئة الكلمة الصامدة.. ويطول الحديث مع الشاعر الكبير سميح القاسم.. أقرأ من دفتر شعره:
طعام الشهيد يكفي شهيدين
يا أمنا الريح .. يا هاجر المتعبه
أعدي الطعام القليل لأبنائك العائدين على عربات المنافي
خذي كفني شرشفاً للأواني العتيقة
قومي افرشي للضيوف الأحبة كوفيتي..
إنهم متعبون جياع
أعدي لهم وجبة من بقول الخراب
أعدي كؤوس العذاب
وإبريق أحزانك المرعبه
سيجمعنا الخبز والملح عما قريب
وتجمع أشلاءنا لقمة العودة الطيبه
وأفتح دفتر أمسية شاعرنا سميح القاسم التي امتد فيها الحضور دالية شغف.. ويحدثني عن علاقته الجميلة بالجمهور، عن القصيدة التي تشعل فتيل التواصل، فيكون الشعر أغنية ممتدة من الأعماق للأعماق..
وإذا أردنا أن نوجز في التعريف عن شاعر مثل سميح القاسم نقول إنه عرف بمقاومته الدائمة للاحتلال الإسرائيلي، وسجن مرات عديدة، وفرضت عليه الإقامة الإجبارية والاعتقال المنزلي وطرد من عمله عدة مرات بسبب نشاطه الشعري والسياسي.. اشتغل معلماً وعاملاً وصحفياً.. أسهم في تحرير «الغد» و «الاتحاد» ثم رئس تحرير مجلة «هذا العالم» عام 1966، ثم عاد للعمل محرراً أدبياً في «الاتحاد» وسكرتيراً لتحرير «الجديد» ثم رئيساً للتحرير.. وأسس منشورات «عربسك» في حيفا مع الكاتب عصام خوري عام 1973، وفيما بعد أدار «المؤسسة الشعبية للفنون» في حيفا.. وهو اليوم رئيس مجلس إدارة تحرير «كل العرب» الصادرة في الناصرة، ورئيس تحرير الفصلية الثقافية «إضاءات»..
صدر له أكثر من أربعين كتاباً في الشعر والقصة والمسرح والمقالة.. وصدرت أعماله في سبعة مجلدات عن ثلاث دور نشر في القدس وبيروت والقاهرة.. ترجم عدد كبير من قصائده إلى الانجليزية والفرنسية والتركية والروسية والألمانية واليابانية والإسبانية واليونانية والإيطالية والتشيكية والفيتنامية والفارسية ولغات أخرى.. حصل على الكثير من الجوائز عن شعره منها «غار الشعر» من اسبانيا، وجائزة البابطين للإبداع الشعري.. وأسأل..
l بعيداً عن المقدمات المعروفة في الأسئلة، أدخل مباشرة إلى صلب الموضوع لأطرح موضوعة تقول كيف ينظر سميح القاسم إلى مسيرة شعره.. ليتك تستحضر الناقد عندك؟؟..
ll يجوز القول إن الشاعر هو أفضل ناقد لنتاجه، وهو أسوأ ناقد لنتاجه في الوقت نفسه.. أميل إلى إعفائي من الحالتين.. لكن استجابة لإلحاح سؤال كهذا أستطيع القول أو التحدث عن الأمور العائمة على السطح، كتحول القصيدة من الإيقاعات الحادة والألوان الزاهية والقوية في مرحلة الصبا والشباب، إلى حالة التداخل الإيقاعي والتداخل اللوني.. خفوت الصوت بعض الشيء واقتحام ألوان الشك لمواقع اليقينية المطلقة التي تميز روح الشباب.. لكن يبقى هناك الخط السري الذي يصل بين القصائد الأولى والقصائد الجديدة بدون شك.. بكلمات أخرى تتفاوت أدوات التعبير بتفاوت الزمن والتجربة وتراكم معرفي ووجداني هو من طبيعة الحياة.. ويبقى الهاجس الأساسي، هاجس الحرية والعدل الإنساني، بحيث يشتبك السياسي بالوجداني بالمجرد بالمطلق، والشك باليقين.. هذه سمة تجربتي بخطوط عريضة بين الأمس واليوم..
l تأخذني هنا للسؤال عن النقد والنقاد.. كثيرون تناولوا شعرك.. تجربتك الشعرية درست بغزارة.. هل وصل النقاد إلى العمق.. ماذا أخذت من هذا النقد، ما رأيك فيه؟؟
ll هناك نقاد ساعدوني على معرفة ذاتي بدون شك وأعني النقاد الذين لم يقتصر نقدهم على المعنى، ولا على الخطوط العريضة في الشكل، بل تعمقوا في هذه التجربة واستشفوا أموراً تتصل بالذات بالسايكولوجي، باللغة.. وعلى سبيل المثال فوجئت بدراسة كبيرة من ناقدة وباحثة أمريكية هي الأستاذة تيري دي يونك التي كتبت دراسة عميقة وهامة بعنوان «سميح القاسم وتحديث الجناس» حيث نظرت في تحديث الجناس العربي في قصيدتي، وبهذا لفتت نظري إلى مسألة كنت أعيشها دون أن أنتبه لها، وهي مسألة المحاولة المستمرة لتكوين حداثة على أسس تراثية أصيلة، حداثة لا تتنكر للماضي، ولا تتقزم أمام حداثة الآخر الغربي أو الأجنبي، لكن تكون ذاتها من خلال التجربة في سياق عملية الكتابة وبالرجوع بقدر كبير من الحب والحنين إلى مقومات فنية متوفرة في تراثنا بشكل ملحوظ..
l في شعرك دراما.. لنقل هناك إصرار على محاورة الذات الخارجة عن الذات الشاعرة، أي ذات المتلقي.. هذا يشدّ السامع أو القارئ؟؟
ll آمنتُ دائماً بأن الدراما هي عنصر جوهري وأساسي في العمل الشعري، وقد يعود ذلك إلى بدايات ثقافتي الشعرية، قد يعود ذلك مثلاً إلى مغني الربابة الذي سمعته في بيت جدي، وتتبعت أداءه عبر وجو الحضور.. أيضاً أنا أحب المسرح، وقد كتبت المسرح من وقت لآخر. فمن الطبيعي أن يكون العنصر الدرامي قائماً، وهي مسألة أشار لها معظم النقاد الذين كتبوا عن تجربتي.. نعم إنه شديد الحضور في قصيدتي.. والعنصر الدرامي حتى في صيغة المونولوج يفترض ويستدعي الآخر..
l ألاحظ أن قارئك ومستمع شعرك يعيش فسحة الشعور بأنه كاتب القصيدة، مشارك في صياغتها، كأن القصيدة تنبع منه هو.. ألا تطرح هذه النقطة تساؤلاً؟؟..
ll أنا معك في ذلك.. هنا تدخل نظرية التقمص.. وهي نظرية بدون شك تنبع من خلال تراث الموحدين وقد كان لي أن نشأت في بيئة مدهشة في تنوعها وتعدديتها.. نشأت بين جد فقيه علامة في شؤون الدين وجد علماني حداثي بشكل متطرف.. في الحقيقة في طفولتي عايشت مناخات وأجواء متعددة ومدهشة في رحابتها وفي ثرائها، وهذا بطبيعة الحال انعكس أيضاً في تجربتي، وهذا ما ساعدني بعض النقاد على رؤيته من أنني أستفيد كثيراً من الرموز الدينية القرآنية والتوحيدية والمسيحية وحتى من البوذية ومن ديانات قبائل الإنكا.. قصيدتي بالطبع لا تستطيع أن تكون إلا علمانية كصاحبها، لكن لم تجد هذه القصيدة غضاضة في وجود هذا التداخل، هذا التنوع الجميل في رأيي بين القرآن الكريم وأبي ذر الغفاري وكارل ماركس وابن خلدون.. جمعت ما يبدو مجموعة من التناقضات، لكن هذه التناقضات وجدت صيغة من التناغم، من التعايش، من خلال تجربتي..
l هناك شعراء يتحولون إلى رمز، أنت واحد منهم..
ll لايتحول الشاعر إلى رمز إلا من خلال قصيدته.. في الحقيقة الشاعر يستفيد من «قصيدته» في هذا.. الحضور الأساسي للقصيدة وليس للشاعر.
l ربما أشير هنا إلى هذا التواصل والتماهي الحميم بينك وبين الجمهور.. ومن ثم فالشاعر هو صاحب القصيدة؟؟..
ll أولاً أنا سعيد بهذا التواصل الحميم بين قصيدتي والجمهور.. وهذه المشاركة تنجم أيضاً عما يجوز تسميته بالتماهي بين ذاتي وذات الآخر.. هناك شيء من التماهي لم أخطط له.. لكن كما يبدو من ردود الفعل على هذه القصيدة يبدو أن هناك تماهياً إنسانياً ووجدانياً وفكرياً أيضاً بيني وبين عدد كبير من الناس..
l في سنوات مضت اعتبرت غزيراً في نتاجك، ثم بدأت في الإقلال والتأني.. برأيك ما هو سبب التحول إلى الإقلال؟؟
ll أعتقد أن هناك خطأ بصرياً في الشطر الأول من عمري، ربما كنت أكتب القصائد بالمقاييس العادية وبتوهج الشباب.. كل قضية تصادفني تتفجر من خلال قصيدة.. بمرور الزمن تصورت لدي صيغة السربية أو المطولة حيث ظهرت سربيتي الأولى «إرم» لكن لم أعتمدها شكلاً أساسياً إلا في العقدين الأخيرين.. وهذا الشكل من المطولات الشعرية السربيات التي تقوم على التداعي ولا تقوم على وحدة الشكل، تقوم على تعددية الحالات واللمحات والإيقاعات والأشكال، لكن ينتظمها هاجس واحد أساسي من بدايتها حتى نهايتها مع تشعبات واستطرادات كثيرة في الشكل وفي المضمون وفي الصور. هذا هو الشكل الذي أسميته بالسربية والذي كما يبدو استراح له عدد من الشعراء، من أصدقائي الشعراء، ومنهم شعراء كبار تبنوا هذا الشكل وكتبوا به.. لذلك أصبحت عناويني أقل غزارة.. لكن العمل الشعري حافظ أو ربما صعد من وتيرته..
  أقرأ هنا في كتابك الشعري الجميل:
تقدموا.. تقدموا
كل سماء فوقكم جهنم
وكل أرض تحتكم جهنم
تقدموا..
يموت منا الشيخ والطفل
ولا يستسلم
وتسقط الأم على أبنائها القتلى
ولا تستسلم..
تقدموا..
بناقلات جندكم..
وراجمات حقدكم
وهددوا..
وشردوا..
ويتموا..
وهدموا..
لن تكسروا أعماقنا
لن تهزموا أشواقنا
نحن قضاء مبرم..
l من قصيدتك «رسالة إلى غزاة لا يقرؤون».. أسأل: الانتفاضة كتبها سميح القاسم بتميز.. ماأثرها على أدبك بشكل عام، وعلى أدبنا الفلسطيني بامتداده؟؟..
ll هناك نقاد كثيرون بحثوا عن إرهاصات الانتفاضة في قصائدنا، في الشعر العربي الفلسطيني، وألمحوا إلى مقاطع وإلى أبيات وإلى قصائد كأنما بشرت بالانتفاضة وحرضت عليها، وهذا اقتراح مشروع ومبرر عند الناقد.. لكن الانتفاضة الأولى لم أكن مراقباً فيها بل أتيح لي أن أشارك في بعض فعالياتها. لذلك قصيدة «رسالة إلى غزاة لا يقرؤون» كانت من قلب الحدث وعرفت بشكل واسع..
l أعتقد أنها قصيدة الانتفاضة، وأنها أول قصيدة عن الانتفاضة؟؟
ll كانت أول عمل شعري متكامل كتب في قلب الانتفاضة، وبدأت إيقاعاته على إيقاع قنابل الغاز والرصاص المطاطي والشظايا التي كانت تتطاير من حولي في القدس.. إيقاعاتها بدأت هناك.. أخذت إيقاع الشارع وإيقاع المظاهرة ورائحة الغاز المسيل للدموع التي دخلت رئتي.. كأنما كل هذه الأمور كتبت نفسها في هذه القصيدة.. رغم البساطة الظاهرية والمباشرة الفنية الموجودة فيها دون شك..
l إنها من نوع الشعر الذي نطلق عليه تسمية السهل الممتنع؟؟
ll قد تكون تسمية السهل الممتنع هي التسمية الأدق نعم.. بحيث يعتقد كل قارئ أنه يستطيع أن يكتبها، ولكن اكتشفت أنا شخصياً أنني لا أستطيع أن أكتبها مرة أخرى.. لا أستطيع أن أكتب مثلها مرة أخرى.. هذه القصيدة لم تكن من خارج الانتفاضة، بل كانت من داخلها وكانت إيقاعها وكانت لحمها وكانت دمها، لذلك بقيت وترددت كثيراً.. هي قصيدة الانتفاضة بالفعل.. في كل أمسية شعرية أطالب بقراءتها، أحياناً أشعر بضيق، أريد أن أقرأ شيئاً جديداً مختلفاً، ويصر الجمهور على قراءتها.. أحياناً أدعي أنها ليست معي لأتهرب..
l لكن لا تنسى أن الجمهور صار يحفظها.. فهو يردد معك ما تقرأ حين تقرأها..
ll نعم حين أقرأ هذه القصيدة يرددون معي.. نعود لشعر الانتفاضة بشكل عام.. ليس بالضرورة أن كل ما يكتب عن الانتفاضة هو شعر جيد، وليس بالضرورة أن يكون الموضوع العادل والجميل والجيد كافياً لتبرير قصيدة. هناك قصائد جيدة كتبت عن الانتفاضة، وهناك قصائد رديئة كتبت عن الانتفاضة. الانتفاضة تحولت إلى هاجس ليس في الشعر الفلسطيني فحسب بل في الشعر العربي ككل، لأنها تحولت من حدث سياسي إلى هم قومي ووطني وإنساني.. فوجئت في بلجيكا بشاعر يقرأ لي قصيدة عن الانتفاضة باللغة الفرنسية، فوجئت بألمانيا بشاعر ألماني يقرأ لي قصيدة عن الانتفاضة بالألمانية.. فوجئت في أكثر من بلد أجنبي بشعراء وشاعرات كتبوا قصائد بعنوان «انتفاضة» لفظ الكلمة بالعربية وبحروف أجنبية..
l قد أقف هنا عند نوع من الأدب الإسرائيلي الذي كتب عن الانتفاضة.. ماذا نقول عن هذا الأدب أو هذا النوع؟؟
ll ليس لدي قدر كاف من العنصرية بحيث أنفي الصدق عن كل ما كتب، قد يكون هناك شاعر عبري شعر بالفعل بالإهانة من تصرفات دولته وجيشه وشرطته واستفذ وكتب قصيدة صادقة، قد يكون ذلك.. لكن على العموم تظل الكتابة العبرية بمعظمها نوعاً من تبرئة الذمة، تسجيل موقف، ولم يزل هناك وقت حتى يتحول الإنسان الفلسطيني والإنسان العربي إلى هم حقيقي أو إلى نقطة قلق عند الكاتب الإسرائيلي.. ما زال يكتب بفكره وبآرائه وأشك في أن يكون الإنسان العربي قد تحول إلى هم وجودي عند الكاتب العبري..
l قيل الكثير عن الأدب المقاوم، لن أدخل في التوصيفات الجاهزة.. لكن هناك من رأى بشيء من الغباء ربما أن الأدب المقاوم كله سيطير بنفخة حين يحل السلام.. أصر على أنه رأي عجائبي.. لكن هنا أريد أن أسألك ماذا تقول عن هذا الأدب حاضراً ومستقبلاً؟؟.
ll لنقل لهذا الرأي العجائبي أولاً ليسترد شعبنا حقوقه وليطر أدب المقاومة في الهواء!!.. نحن لم نطلب النكبة ولم نطلب النكسة ولم نطلب الكوارث لنقاومها ولنكون شعراء مقاومة.. وثانياً نحن لم نطلق على أنفسنا شعراء المقاومة أو أدباء المقاومة التسمية أطلقت علينا من الخارج ونعتز بهذا اللقب، وأولئك الذين يقفون هذا الموقف من أدبنا هم محرجون، نظروا لنوع آخر من الأدب ولم تقدم نظرياتهم إبداعاً استحق الحياة أو استحق الوجود، بالمقابل ظهرت ظاهرة شعرية وأدبية أقبل عليها الشعب العربي والقارئ العربي وعانقها وأحبها واحتضنها وحفظها عن ظهر قلب، لذلك اعتبروا هذا الأدب كأنما هو صخرة تحطمت عليها أمواجهم وتطايرت عليها رذاذاً.. أنا مع تعايش التجارب الأدبية، ليبدع كل من شاء كيف شاء، لا أضع مواصفات للشعر ولا للنثر ولا للنقد، أقول قصيدتي كما يقولها زملائي، بتجربتنا، بطاقتنا الفنية، بوعينا وبوجداننا، ونتابع الحياة كما ينبغي أن نتابعها، ولكن كما يبدو فإن السلام والحرب معاً لا يستطيعان محو وجدان شعب وذاكرة شعب، نرجو أن تنتهي الانتفاضة إلى نصر وألا يضطر شعبنا إلى الانتفاض على الاحتلال طبعاً من خلال زوال الاحتلال.. لكن أعتقد أن جمهور الشعر العربي سيحن دائماً إلى نماذج كثيرة من شعر الانتفاضة وسيحفظها عن ظهر قلب بمثل ما يحفظ صورة جده وجد جده، مضى الأجداد من العالم ومازالت صورهم في قلوبنا وفي منازلنا وفي دفاترنا وفي مكتباتنا، لذلك أعتقد أن التعامل النقدي مع هذه التجربة يجب أن يكون أرقى وأكثر صدقاً وبعيداً عن العقد الذاتية والإحباطات والشعور بالقزامة أمام هذه التجربة أو تلك..
l حبك للتجديد واضح جلي في شعرك ونثرك.. ما مفهومك للتجديد من جهة وللحداثة من جهة أخرى؟؟..
ll أنا بطبعي ملول، هذا ينعكس على تجربتي.. لا أحب التكرار، أحب المغامرة الفنية وأمارسها على مزاجي وبكامل حريتي وأحترم حس الآخرين بالمغامرة الفنية.. لذلك من الطبيعي أن يلتقي في تجربتي المناخ الكلاسيكي بالمناخ الحديث، السريالية بالواقعية الاشتراكية.. هذه شخصيتي في الحياة..
l أخيراً أنت من الأسماء القليلة جداً التي عرفت بشكل واسع لتكون نجماً.. أسأل ما تأثير النجومية على شعرك وأدبك.. ألا تشعر بأن حب الناس يحاصرك ويطالبك بالمزيد دائماً؟؟..
ll تسمية النجومية تسمية من خارجنا.. أما تأثير هذه «النجومية» ـ أصر الشاعر سميح القاسم على وضعها بين قوسين ـ فربما لاشيء، فهي لا تؤثر على القصيدة وعلى السلوك الشخصي.. برأيي فقط الإنسان الضعيف، ضعيف الشخصية، تسكره النجومية وتفقده القدرة على الاتزان.. الأمر الأساسي عندي هو هذا الاكتشاف الجميل لأصدقاء لقصيدتي، في كل مكان أذهب إليه هناك أصدقاء محبون أوفياء لهذه القصيدة وهذا عزائي الوحيد..
وتبقى القصيدة طائر العمر ونسمع من الشاعر القاسم:
هلا .. يا هلا
إلى عرسنا .. أولاً ..
إلى شمسنا .. أولاً ..
إلى قدسنا .. أولاً ..
هلا .. يا هلا ..
بأبيض
أسود
أخضر
أحمر
طعام الشهيدة يكفي شهيدين
والله أكبر
الله أكبر
الله أكبر..

ضيف الحلقة
الشاعر سميح القاسم
أحمد علي الزين: لا أعرف من أين أبدأ كي أصل, الآن هنا وليس لديّ خريطة كما يفعل السائح، أو كما يفعل عالم الآثار، ولست مستشرقاً أبحث عن مصادر اللغات القديمة، ولست مستوطناً حملته الوكالة بين البضائع المشحونة من الغرب تكفيراً عن ذنب. أذكر كأني عبرت هذه الحدود مرة إلى الجليل, أو أنّ أبي فعل ذلك ليفي بنذر أو أمانة أو في مقايضة الزيت بالحرير، الآن هنا الشجر الدهري دليل قاطع على أنّي لم أضل الطريق, وإن عملت أيادٍ سود على إبادته ومحت معالم الدرب والقرى, الآن هنا ولكن أمام الشريط كأني أبحث عن ظلّي في يومٍ غائم, كان ينبغي أن نلتقيه هنا في بيته, ولكن هذا يستدعي أن نبدأ كل شيء من جديد, أن نمنع مثلاً حدوث "سايكس بيكو" أو أن نستهلّ أعمارنا من البداية ونمنع رسم الحدود، ونعترض سفن الوكالة، وجيوش الغزو، أو أن ننتصر ولو في حرب واحدة أو أن تكون الخسارات أقل فداحة, ولكن كلّ هذا لم يحدث فكان أسهل عليه قليلاً أن يقوم بزيارة لأهله على الضفة الأخرى خارج البلاد. أستاذ سميح القاسم بدايةً لمنع الالتباس فقط إنّو هذه العكازة التي تتكئ عليها هي مش نتيجة للزمن ووطأة العمر, أتت نتيجة حادث مرور على ما أعتقد.
القصيدة عكّاز الروح
الشاعر سميح القاسم: نعم نحن نقول العصا لمن عصى, لكن هذه العصا بالذات هي نتيجة لحادث طرق صعب، لكنه أقل صعوبة من حوادث التاريخ التي يتعرض لها الشعب والوطن والأمة في هذه المرحلة. والتي تستدعي عكازاً من نوع آخر, عكازاً سرياً ربما هو عكاز الروح.
أحمد علي الزين: عكاز الروح كلام جميل, وهذه العكاز.. يعني عكاز الروح هي
الحافز اللّي بتخليك تصرخ على طريقتك عبر القصيدة؟
الشاعر سميح القاسم: لعلّ
القصيدة هي عكاز الروح.
أحمد علي الزين: لعل القصيدة هي عكاز الروح, يعني لازم
نسألك مثل ما بيسألوا الغيّاب بعضن, إنه كيف تركت فلسطين؟
الشاعر سميح القاسم
: المألوف هو الإجابة بالقول: بألف خير, لكن لا أحب مجاملة المألوف, لأنّ المألوف في غاية التعقيد والصعوبة, لسنا بخير في هذه الأيام, وتعلمون أنّ شعباً عربياً بأسره يتعرض للاجتياح والقتل والدمار والقمع لا لسبب سوى أنّه يشتهي ما يشتهيه كل إنسان من معاني الحرية, والكرامة الوطنية, والقومية, وحقوق الإنسان, والديمقراطية, والعدالة التي يتغنّى بها أعداء شعبنا, وأعداء جميع الشعوب.
أحمد علي الزين
: يعني بدايةً سميح القاسم عبر الحدود إلى البيوت العربية, عبر القصيدة اللّي ما بتستدعي جواز سفر، الناس بيعرفوك شاعر المقاومة شاعر فلسطين شاعر القضية، يعني حبذا لو نعرف الوجه الآخر لسميح القاسم يعني البدايات الأولى اللّي هي بلشت قبل النكبة الأولى قبل 48 يعني كيف أتيت إلى هذه الرحلة الطويلة؟
الشاعر سميح القاسم: أريد
أن أوضح قلقي وعدم ارتياحي لوضعي في خانة إقليمية ضيّقة، أعتز بأن أكونَ كما ذكرت.. تفضلت شاعر فلسطين, وشاعر القضية, والمقاومة, لكن حين تعود إلى أعمالي الشعرية ستكتشف أنّ وجعي ليس إقليمياً, ليس فلسطينياً فحسب لدي وجعي اللبناني ووجعي العراقي ووجعي
أحمد علي الزين: الإنساني
.
الشاعر سميح القاسم: القومي ووجعي
الإنساني أيضاً. إذاً اسمحوا لي أن أحتج أيضاً على مفاهيم سايكس بيكو في الثقافة.
أحمد علي الزين: الصورة يا ابن عمي عاجزة أن تجعلني أهتدي إلى البيوت
ثم الصورة اليوم غيرها القديمة في حقيبة الشتات الآن هنا أعيد الشريط من أوله وذاكرتي من أولها أعيد التأمل في الطريق نحو أهلي القدماء نحو موطئ الأنبياء والرعاة ولا أصل إلا في الكتاب ولو وقفت على قمة جبل متاخم لمرمى الحدود مشرفٍ على غابة الزيتون على ظل فتى لاستطعت المقارنة بين الصورة والأصل وتعلم ليست بعيدة البلاد التي حفظناها في قرانا النائية ولكن رغم ذلك لم أصل.
أحمد علي الزين
: بكونك عشت التجربة بكل آلامها..
الشاعر سميح القاسم: نعم
.
إسرائيلي والحق على العرب
أحمد علي الزين: وبكل أوجاعها يعني هذا يستدعيني أو بحفزني أسأل سؤالاً آخر هو الازدواجية بكونك مستلب الهوية الحقيقة، هويتك الحقيقية، وتحمل جنسية أخرى تعبر بها الأمكنة يعني على ما أظن أنك تعيش آلام هذه الازدواجية كيف تغالب هذه الآلام؟
 "هويتي لا يقررها مجلس وزراء أو شرطة أو وزارة داخلية وكما قلت مراراً جواز سفري هو قصيدتي وهويتي غير قابلة للحوار وللنقاش وللمساءلة "
الشاعر سميح القاسم: ستكون إجابتي مستفزة بعض الشيء فاعذروني كنت أتمنى على 300 مليون عربي أن يكون لديهم وضوح الهوية الذي أتمتع به، هويتي لا يقررها مجلس وزراء أو شرطة أو وزارة داخلية وكما قلت مراراً جواز سفري هو قصيدتي وهويتي غير قابلة للحوار وللنقاش وللمساءلة أنا ابن هذه الأمة وابن هذا الوطن، أرفض التجزئات المفتعلة، أرفض مشروع سايكس بيكو في السياسة، وفي الجغرافية، وفي الثقافة، وفي الفكر، وفي كل شيء، وأرفض محاولات تغريبي الفكري والروحي، ومحاولات محو ذاكرتي العربية الفلسطينية والمقدسية إذا شئنا، لكن هذا الصراع يظل في السياسة يظل خارج الروح والوجدان، لن تقوى أية قوة غاشمة وظالمة خارجية وداخلية على محو هذا الالتحام العميق والأصيل، والعفوي بين جسدي وروحي ووطني وأمتي، وإنسانيتي، والهوية التي تحركني وأحتمي بها وتحتمي بي أحياناً.
أحمد علي
الزين: ولكن هو أنا مش اتهام أنك تحمل يعني جنسية إسرائيلية؟
الشاعر سميح
القاسم: نعم أنت تتعاطف معي أنا أعرف..
أحمد علي الزين: مش اتهام ولكن مجبر أخاك
لا بطل، ربما الخيار الآخر أنك تترك وتغادر ربما يكون أكثر مرارة وشفنا يعني..
الشاعر سميح القاسم: نعم أنا رفضت وتعلمون أني رفضت بأي شكل من الأشكال
أن أغادر وطني وبصراحة مُتناهية لو خيرت بين أن أدمغ على جبيني وعلى أي مكان من ظهري بنجمة داود، وبين البقاء في الوطن فسأبقى في الوطن مدموغاً ولن أغادر الوطن لأن الفيزياء السياسية والتاريخية لا تقبل الفراغ أيضاً ورحيلي يعني استقدام قادم جديد من روسيا أو من أثيوبيا أو من أي مكان آخر ولدي وطن جميل وقرية فاتنة وبيت أيضاً يطل على البحر المتوسط وعلى بحيرة طبريا فلا أستبدل هذا البيت بالبيت الأبيض، وبيتي هو أبيض لكنه أصغر من البيت الأبيض في واشنطن لكني لا أستبدل هذا البيت بأي مكان في العالم.
أحمد علي الزين: طيب يعني هذا الوعي المبكر عندك يعني هذا الوعي
هو أتى نتيجة ضرورة كفاحية أنه بقاءك داخل الأرض المحتلة مُجدي أكثر من غيابك؟
الشاعر سميح القاسم: حين حدثت النكبة كنت في الثامنة أو في التاسعة من
العمر، لكن الذي فتح وعيي على هذه المسألة كان أحد أجدادي الذي قال لابنه المحامي القادم من دمشق للترحيب بالعائلة حين تذهب إلى دمشق قال له والده الشيخ المرحوم حسين علي أسعد الحسين أنا أعتز بهذا الشخص قال له موت في الوطن ولا حياة في الغربة.
الشاعر سميح القاسم
:
حمامٌ مقيمٌ على سطح داري
غمامٌ جديدٌ على
شُرفات النهارِ
سلامٌ على غضب العمرِ

يوماً فيوماً وشهراً فشهرا وعاماً
فعاماً
سلامٌ على قرحتي وليالي انتظاري

سلامٌ على نكبتي وعلى نكستي
وانكساري
سلامٌ على فرحتي بانتصاري

بخفق الخطى العائدات إلى البيت

في
تعتعات الطريق وعزف المسار
وبعد المزار
أحمد علي الزين: الآن هنا لا بأس سأتخيل أنني عبرت الحدود في نهار ربيعي تسللت بين الشجر، تماهيت بظله استعنت ببعض القصائد والحكايات التي حفظناها صغاراً في الصباحات النائية، وببعض خرائط الثوار القدماء سأتخيل أنني في الطريق تلتبس عليّ اللغة ويلتبس عليّ صوتي حين أسأل العابرين أو أتخيل ذلك، أسألهم عن سور قديم وبيت وشرفة وشجرة ياسمين. أعلم أن الصور القديمة التي حُملت في حقائب الشتات هُدمت قاماتها الأصل ولكن تقول لي قامات أهلها وإن حنا بعضها أمام الزمان تميل نحو ترابها الأحمر وجذورها المتفرعة تحت الصخور. أما الصورة الأكثر غوراً في القلب والوجدان هي تلك الجموع التي تودع الجموع على الأكف إلى ترابها وتعود لتعيد بناء البيت وغرس شجرة الود للوليد القادم أما الحكمة تقول مجنونة هي الجزيرة التي تعادي المحيط.
ثمن البقاء في الأرض
أحمد علي الزين: أستاذ سميح يعني نتيجة هويتك أو الجنسية اللي بتحملها يعني مفروض تقوم ببعض المساومات أو بعض التنازلات يعني حتى تكون حياتك يعني أقل مرارة؟
 "أختار البقاء في الوطن أنا على استعداد لدفع الثمن الكامل مُقابل هذا البقاء، وأنا أنتظر اللاجئين أنتظر المُشردين ولا أريدهم أن ينتظروا "
الشاعر سميح القاسم: اصطدمت ببعض الحالات في بعض الأقطار العربية مثلاً بذريعة أن استضافتي في هذا البلد أو ذاك يجب أن تسبقها إجراءات للالتفاف على جواز السفر الرسمي أو الأوراق الثبوتية الرسمية، لكنني دائماً أصر على رفض هذا التوجه، هذه الحالة الاستثنائية لم أخترعها أنا، فُرضت عليّ وأنا أحمل أشقائي العرب مسؤولية كبيرة فيما أصاب طفولتي وأرفض أن يزاود عليّ أحد أرفض رفضاً قاطعاً أن يزاود عليّ أحد من المحيط إلى الخليج، أنا أختار البقاء في الوطن أنا على استعداد لدفع الثمن الكامل مُقابل هذا البقاء، وأنا أنتظر اللاجئين أنتظر المُشردين ولا أريدهم أن ينتظروا.
أحمد علي الزين: جميل، طيب السلطات
الإسرائيلية وقت يعني إذا أردت أن تغادر إلى مكان ما، أحياناً تتدخل أو تمنعك يمكن حدث ذلك أكثر من مرة منعتك؟
الشاعر سميح القاسم: نعم، نعم منعت مثلاً من زيارة
لبنان وخيرت بين أن أزور لبنان وأبقى في لبنان في أحد المخيمات في لبنان، وبين عدم السفر فاخترت عدم السفر أُجبرت على عدم السفر إلى لبنان لأن المسألة وضعت أمامي بهذا الشكل إذا سافرت فلا يوجد لك مجال لك بالعودة.
أحمد علي الزين: وشو خشيتهم
كانت؟
الشاعر سميح القاسم: يخشون التواصل شكلاً خاص ليس مع جميع الآخرين ربما
بشكل خاص.
أحمد علي الزين: مع اللبنانيين؟

الشاعر سميح القاسم: مع لبنان مع
سوريا مع الأردن مع بلاد الشام التي هي بيئتنا الطبيعية وهي امتدادنا الإنساني هذه التجزئة المروعة التي فرضتها جريمة سايكس بيكو والتي نتواطأ نحن معها إلى يومنا هذا نحن نتواطأ مع السفاح والمجرم ومع العدو نتواطأ ببشاعة وبفظاعة لا توصف لكن التواصل يتم، يتم التواصل لأن الانتماء القومي والإنساني كالريح وكالماء وكالنار يجد له منفذاً بشكل أو بآخر لابد من ذلك.
مع الحزب الشيوعي الإسرائيلي
أحمد علي الزين: أستاذ سميح بتجربتك الموازية لتجربة القصيدة كان عندك تجربة حزبية عملت بالشأن السياسي.
الشاعر سميح القاسم: نعم
.
أحمد علي الزين: كنت
بالحزب الشيوعي.
الشاعر سميح القاسم: نعم
.
أحمد علي الزين: الحزب الشيوعي
الإسرائيلي.
الشاعر سميح القاسم: نعم
.
أحمد علي الزين: يعني هذه التجربة كنت
في موقع قيادي على ما أعتقد؟
الشاعر سميح القاسم: نعم
.
أحمد علي الزين: يعني
تلك التجربة ماذا حققت على أرض الواقع اليوم؟
الشاعر سميح القاسم: نعم، فكري من
تربيتي ربما المنزلية ومن ثقافتي هو فكر قومي أممي. وهي خلطة تبدو غريبة بعض الشيء أن تكون عروبياً معتزاً بعروبتك، وأن تكون في الوقت نفسه إنساناً كونياً. هذه هي ثقافتنا. وحتى أتحرك سياسياً حتى أشارك في مسيرة أو في مظاهرة أو في اعتصام أو في مواجهة لا.. كان لابد من إطار قياسي منظم والإطار الوحيد المعادي للصهيونية الذي أُتيح لي آنذاك كان الحزب الشيوعي وبالمناسبة أنا أعتز بهذه المرحلة أعتز بها كثيراً، رغم أنني لعقدين من الزمن أو أكثر لست حزبياً أنا مُستقل، لكنني أعتز بمرحلة الانتماء لهذا الحزب الذي قاد كفاح الجماهير العربية حمى اللغة العربية من الضياع، حمى ثقافتنا، حمى ذاكرتنا، وكان الإطار الأول الذي شكل لجان الدفاع عن المقدسات الإسلامية والسنية والدرزية والشيعية والمسيحية في بلادنا وادعاءات التكفير والتخوين المنحطة التي توجه إلى هؤلاء الأبطال مرفوضة عندي رفضاً قاطعاً.
أحمد علي الزين: يعني داخل الحزب الشيوعي آنذاك كان فيه أعضاء يهود
إسرائيليين..
الشاعر سميح القاسم: نعم، نعم
.
أحمد علي الزين: ولابد من سجالات
كانت تدور بينك وبينهم..
الشاعر سميح القاسم: نعم، نعم
.
أحمد علي الزين: يعني
بأي حدود كانت تلك السجالات؟ يعني هل هم أولئك هل هم مضللون بالادعاءات ادعاءات النصوص ادعاءات الصهيونية.
الشاعر سميح القاسم [مقاطعاً]: الله يطعم الأمة
العربية مضللين كهؤلاء.
أحمد علي الزين: نعم
.
الشاعر سميح القاسم: أي
مضللين؟
أحمد علي الزين: أسأل
..
الشاعر سميح القاسم [متابعاً]: كانوا ضد
الصهيونية بشكل جليّ، وأول محاولة اغتيال سياسي في الكيان العبري تعرض لها ماير فيلر زعيم الحزب الشيوعي الإسرائيلي قبل رابين وقبل سواه. أول محاولة اغتيال سياسي. هؤلاء مناضلون شُركاء ونعتز بتاريخهم وبنضالهم ولنذكر دائماً أننا لسنا عنصريين.
أحمد علي الزين: يعني بتقديرك عايش أنت بقلب الصورة وعايش بقلب القضية
منذ 65 سنة.
الشاعر سميح القاسم: لا، منذ عشرين، وعشرين، وخمس وعشرين
.
أحمد
علي الزين: كيف، كيف فينا نقرأ أو كيف تقرأ صورة المستقبل داخل الأرض المحتلة؟
 "الحقبة الذهبية في تاريخ اليهود هي حقبة اليهود في كنف العرب والمسلمين، العصر الذهبي اليهودي في الفلسفة وفي الفكر وفي الثقافة وفي الدين هو العصر الأندلسي، تحت كنف العرب والمسلمين "
الشاعر سميح القاسم: أولاً بالنسبة للسياسة جورج أرويل كاتب لا أحبه لكنني أتفق معه في قوله عن القرن العشرين نحن نعيش في قرن سياسي. أما بالنسبة لمصير إسرائيل هناك ضرورة لتجزئة مسألة المصير: مصير ناس هم الإسرائيليون، ومصير إطار هو الدولة العبرية. أعتقد أنه على مستوى مصير الناس اليهود لدينا إجابة واضحة عبر مئات السنين عبر التاريخ كله، ونستعمل هذا الكلام في حوارنا مع المثقفين الإسرائيليين أيضاً نقول لهم دائماً أن الحقبة الذهبية في تاريخ اليهود هي حقبة اليهود في كنف العرب والمسلمين، العصر الذهبي اليهودي في الفلسفة وفي الفكر وفي الثقافة وفي الدين هو العصر الأندلسي، تحت كنف العرب والمسلمين. ونحن نقول لهم دائماً أفران الغاز ليست عربية وليست مسلمة. المذابح، المحارق، اللاسامية، الفاشية، النازية، هذه الكوارث التي تعرضتم لها لم تكن من صنعنا نحن. عليهم أن يختاروا بين الاحتلال والعنصرية والتنكر لحقوق الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية وبين الزوال. الاستمرار في مواجهة هذه الأمة سيعني زوالهم لن يعني بأي شكل من الأشكال زوالنا نحن، ونذكرهم دائماً بالمثل الصيني الذي يقول مجنونة هي الجزيرة التي تعادي المحيط.
أحمد علي الزين: الكثير من الأسئلة تخطر بالبال عندما يلتقي
أحدنا بقادم من الأرض المحتلة. فكيف إذا كان هذا القادم سميح القاسم؟ الشاعر الذي اختار مرارات البقاء في البلاد على مرارات الشتات، والذي وصل صوته قبله بعشرات السنين إلى البيوت العربية. وشكل حالة ثقافية بموازاة التجربة بشقها النضالي والسياسي. الكثير من الأسئلة تخطر في البال ربما هو الشوق للتعرف أكثر على أرض سكنت الوجدان بأهلها وعلى شاعر فتح نافذته للصباحات والأمل هي الرغبة في تلمس بعض ملامح الدرب نحو المصير والمستقبل بعض هذه الأسئلة سنتابعها مع سميح القاسم إنما في زيارة معاكسة.

مقدم الحلقة: بسام القادري
تاريخ الحلقة: 30/10/2004
بسام القادري: مشاهدينا السلام عليكم وأهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج أوراق ثقافية في هذه الحلقة نلتقي وإياكم مع شاعر كبير حمل روحه على كفه من أجل بلاده وفي انتظار طائل الرعد ظل الشاعر يغني منتظرا فجر الحرية والتحرر الذي طال كثيرا، أنه الشاعر العربي الفلسطيني سميح القاسم كتب القاسم ما يزيد على الخمسين كتابا ما بين ديوان شعري ورواية ومسرحية وغيرها من دروب الإبداع التي أصابها القاسم بصاعقة إبداعه وفي إبداعاته كلها ظل القاسم مشدودا إلى فلسطين دون سواها مُغنيًا تاريخها وحقولها أرضها وسماءها أطفالها وشهداءها دون أن يتخلى عن فنية قصيدته التي حملت القضية الفلسطينية إلى العالم بأسره لتصبح جزءا من ضمير هذا العالم كقضية شعب مكافح يحمل السلاح بيد والكتابة أو القصيدة بيد أخرى.
الراهن الفلسطيني واليقين الشعري
سميح القاسم: الآن يغطس عرشك المائي أمواج من الظلمات تغمر بهجة الأعياد.. تقترب الملوحة من قباب الملك.. تغرق غابة أخرى.. تغيب القمة الخضراء في أوكيانوس الظلمات.. تفغر جوفها الأعماق.. تقبل شهوة الحيتان.. يهرع من مكامنه السحيقة.. يهرع من مكامنه السحيقة.. موكب السرطان.. ينشر إخطبوط اليأس أذرعة مدربة.. ويا مولاي في شرك مميت أنت.. في شرك مميت أنت.. في شرك مميت تختفي المدن الكثيفة والقرى المعزولة الثكنات.. أبراج المعابد والمصانع والحدائق.. تختفي الأشجار والطرق المعبدة الموانئ والمقاهي.. وتظل ربانا على برج السفينة.. رافعا كفيه صوب يد الإله.. تتلاطم الأمواج حولك.. يستعد القاع للحفل للكبير.. والماء يصعد أنت تهبط.. تختفي قدماك.. ربانا بلا قدمين.. يعلو الماء.. ربان بلا ساقين.. يعلو الماء تهبط أنت.. سرتك احتفاء الأهل.. بالطفل الجديد على السرير.. وسريرك المائي يغطس.. تختفي كتفاك تحت الماء.. يهبط رأسك المائي.. يسبح شعرك المائي.. في ماء بلا حد.. على ماء بلا حد وروحك عائد للماء .. فوق الغمر يطفو.. يستعيد الله آياته القديمة.. وتغوص في القيعان اطلانتس.. وتغوص في القيعان اطلانتس.. يغوص الملك في الظلمات.. أنت تغوص في القيعان.. في أحلام يقظتك الوخيمة.. وتغوص أسرار الجريمة.. وتغوص أسرار الجريمة.. وتغوص أسرار الجريمة.
بسام القادري: سميح القاسم سأبدأ هذا اللقاء من حيث انتهيت في قصيدتك، لنبدأ من الراهن الفلسطيني رئيس محاصر قيادات مستهدفة بشكل دائم اغتيالا وسجنا وشعبا يكاد يفقد آخر ما تبقى له من فسحة الأمل سميح القاسم كيف تنظر إلى الصورة في فلسطين حاليا؟
" اغتيال القياديين ومحاصرة الشعب والتخريب الروحي والمعنوي والاقتصادي والسياسي، أمور مستمرة فالنتيجة الحتمية هي المقاومة ورفض كل معادلة أخرى تطرح "
سميح القاسم: نحن دائما نبحث عن العزاء في ظواهر الطبيعة من ظواهر الطبيعة مثلا أن حلكة الظلام تشتد في نهاية الليل ونتوقع بزوغ الفجر فلذلك أستعير الطبيعة مرة أخرى لكن لا أكتفي بالعودة إلى الغيبيات وإلى أسرار الطبيعة هناك حقائق تاريخية وتطور تاريخي لا يمكن أن يستمر، الوجع الفلسطيني والنزيف الفلسطيني بلا حدود لابد من نهاية قريبة والنهاية مرهونة بنهاية الاحتلال هذا ما نقوله دائما ما دام الاحتلال مستمرا ما دام القمع والتجريف وهدم المنازل وقتل طالبات المدارس واغتيال القياديين ومحاصرة الرئيس ومحاصرة الشعب بأسره والتخريب الروحي والمعنوي والاقتصادي والسياسي مادامت هذه الأمور مستمرة فالنتيجة الحتمية هي المقاومة، نرفض كل معادلة أخرى تطرح نرفض محاولة تلويث معنى المقاومة بمفاهيم الإرهاب الدولي والإرهاب الإسلامي والإرهاب الفلسطيني نرفض هذا التهريج الإرهابي ونرفض الممارسات الإرهابية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ويبقى اليقين وهو ليس يقينا شعريا فحسب بل هو يقين تاريخي علمي ثوري مبرر ستنتصر إرادة الشعب العربي الفلسطيني.
بسام القادري: سميح القاسم لنعد قليلا إلى الوراء كنتم ثلاثة شعراء حملتم قضية شعبكم على أكتافكم وتعهدتم بأن تبقوا كالصبَّار في حلق العدو أحدكم غادر فلسطين في مطلع السبعينيات والآخر مات وبقيت أنت العمر الطويل إن شاء الله كيف ترى إلى تلك الصحبة وإلى ذلك المشروع الذي تبنَّى الشعر في مواجهة السيف؟
سميح القاسم: أنا مبدئيا أرفض الحديث عن مشروع شعري لم يكن هناك مشروع، المشروع الشعري يتحقق نتحدث عنه بعد تحققه لكن لا يمكن لشاعر أو لشعراء أن يضعوا مشروعا مسبقا هذا منافي للعملية الإبداعية منافة تامة يعني لا يجوز تصور أن شاعر يقول سأفعل كذا وسأكتب كذا هذا غير وارد بالحسبان والحقيقة أيضا الإحصاء حصر هذه الظاهرة في ثلاثة أسماء أيضا فيه ظلم لعشرات آخرين سبقوا جيلنا وعايشونا.
بسام القادري: من الأقل الأسماء لمعت يعني شعبيا وإعلاميا.
سميح القاسم: نعم أعتقد أن هذا لا يكفي أيضا الوميض الشعبي لا يكفي هناك حركة شعرية عربية داخل الشعب الفلسطيني فيما تسمونه عرب الثامن وأربعين لكنه غير منسلخ عن الحركة الشعرية بين أشقائنا في المنافي وغير منسلخ عن الحركة الشعرية في لبنان وفي سوريا وفي مختلف أرجاء الوطن العربي لذلك أنا لا أحب التعامل مع الثقافة بمنظور إقليمي أو جهوي أو حزبي.
بسام القادري: هنا سميح القاسم لابد أن نسأل عن حال الثقافة العربية بشكل عام وكيف تنظر إليه؟
سميح القاسم: سأكون صريح كالعادة رغم أن ذلك يكلفني باهظا أحيانا فيما يسمى العالم الثالث أنا شخصيا أرفض هذه التسمية لكن يبدوا لي أن الكثيرين من المثقفين بين أقواس تبنوا مقولة العالم الثالث ويتصرفون بعقلية العالم الثالث، العالم الثالث هو سوق للأغذية الفاسدة وللأدوية التي انتهت صلاحيتها هذه مسألة معروفة للأسف الشديد أيضا في الثقافة تتحول ديار العرب إلى سوق لثقافة فاسدة وثقافة انتهت صلاحيتها بمعظمها هي ثقافة تقليد استنساخ لتجارب أجنبية استنساخ متخلف غير مثقف لذلك أنا أرى مقبرة نفايات ثقافية أكثر مما أرى حركة ثقافية.
سميح القاسم وزيرا
بسام القادري: سميح القاسم بحال كلفت أو عُينت وزيرا لوزراء الثقافة العرب ما أول خطوة تقوم بها؟
سميح القاسم: أنت تريد أن تقطع رزقهم سأصرفهم من العمل جميعا بدون استثناء لأن المثقف لا يمكن أن يكون ضابطا في المخابرات أو جزء برغيا من آلة السلطة وتفوز وطاغوت وزراء الثقافة إذا كان لابد من وزراء ثقافة فليكونوا من المبدعين الحقيقيين ليس من الشعراء أنصحكم بالابتعاد عن الشعراء عن توزير الشعراء.
بسام القادري: لماذا؟
سميح القاسم: ربما من الفنانين التشكيليين من الموسيقيين.
بسام القادري: قبل اللقاء المصوَّر أو بدأ التصوير سميح القاسم تناولت معرض فرانكفورت الأخير والذي كان العالم العربي ضيف شرف فيه ويبدوا أن لك مآخذ على المشاركة العربية.
" معرض فرانكفورت الأخير هو سيرك عربي في بلد أوروبي فهذا الأسلوب في التعامل كأنك تفتح سوق خضار ببعض الكتب معظمها تافه تشويه لصورة العربي المسلم "
سميح القاسم: أنا أراه سيرك.. سيرك.. سيرك عربي في بلد أوروبي يعرضنا إلى المزيد من السخرية والاحتقار بدون شك أنا أعرف ألمانيا أعرف الشعب الألماني قرأت كثيرا في ألمانيا ومترجم إلى الألمانية وشاركت في ندوات وحاورت كثيرين من الألمان على امتداد عقود من الزمن هذا الأسلوب في التعامل كأنك تفتح حسبة سوق خضار ببعض الكتب معظمها تافه وقطيع من الشعراء والمغنيين والراقصات والفنانين بهذا الأسلوب أنت تزيد من تشويه صورة العربي وصورة المسلم أيضا في ألمانيا، ماذا فعلت جامعة أنتوني إدن إعدادا لهذا العرض الكبير هذا الشو الثقافي كم من الكتب العربية ترجمت إلى اللغة الألمانية في غضون العام الأخير أو العامين الأخيرين ماذا هيئت الإدارة إدارة الموظفين التي أعدت لهذا المعرض ماذا هيئت لدى الشعب الألماني كم ألبوم لرسامين تشكيليين فنانين تشكيليين عرب قدم للشعب الألماني.
بسام القادري: أنت لم تكن حاضرا هذا المعرض من أين لك بهذا التقييم وهذه الملاحظات؟
سميح القاسم: أنا تابعت أتباع أخبار الفاعليات الثقافية في العالم بما فيها هذه الحسبة.
بسام القادري: لماذا لم تحضر ألم تُدعَى أم أنت رفضت؟
سميح القاسم: لا علاقة لي قلت لك قبل قليل أنا لست موظفا في أي مؤسسة عربية.
بسام القادري: ليس كل من شارك في المعرض هم موظفون يعني؟
سميح القاسم: لا أعرف من شارك ولا يعنيني من شارك تعنيني الظاهرة موظفون يختارون موظفين للمشاركة في فعاليات كما يحدث دائما لا علاقة لي أنا لا أنتمي لدولة لا أنتمي لحزب لا أنتمي لمؤسسة أنا أنتمي لقصيدتي فقط وأتكلم بصفتي الفردية لا علاقة لي لا أعلم مَن شارك ومَن لم يشارك هذا لا يهمني كل موظف يختار موظفيه كما يشاء سمعت لاحقا الصراع كم عدد المصريين كم عدد اللبنانيين كم عدد الفلسطينيين وهو نقاش تافه أيضا ووضيع وإقليمي ومريض ومعادي للثقافة ومعادي للحضارة أن يدور النقاش كم عدد المصريين وكم عدد السوريين وكم عدد هذا النقاش؟
بسام القادري: ذكرت أستاذ سميح.
سميح القاسم: الضحل.
بسام القادري: ذكرت أكثر من مرة بأن هذا الموضوع لا يعنيك وإلى ملاحظات وإلى أخره ولكن الكل متفقون على أن العمل الثقافي هو عمل جماعي يعني الشعر هو جزء من هذا الكل.
سميح القاسم: لا بالنسبة لي أعذروني أنا خارج هذا الإطار بالكامل.
بسام القادري: سميح القاسم أسمح لي هنا بأن أقاطعك ولكن لابد من هذا الفاصل مشاهدينا نعود ونتابع وإياكم ما تبقى من حلقة أوراق ثقافية والشاعر سميح القاسم.
لقاسم يقدم وردة الدم
بسام القادري: البعض يرى أن شعر سميح القاسم ظل تحريضيا كونك بقيت داخل البلاد فيما انفتح أفاق أرحب ولنقل تجريبية أمام العديد من الشعراء غيرك من الذين استطاعوا أن يخرجوا من سجن الاحتلال ورقبته إلى رحابة العالم هل هذا صحيح؟
سميح القاسم: هذه من النظريات المضحكة أيضا وغير المثقفة السائدة للأسف الشديد فيما يسمى الساحة الثقافية العربية، نظرية تافهة وسخيفة وخطيرة أيضا كأنما يقال لي إذا أردت أن تتطور فنيا غادر وطنك وكأن ما يقال لك ولأي شاعر ولأي مبدع عربي إذا أردت أن تتطور هاجر هذه نظرية خطيرة وأنا أرفضها وأعتقد أنني في إطار تجربتي حققت من التطور ما لم يُتح لأي شاعر آخر والدليل عندكم أرجعوا إلى الدراسات النقدية كبار النقاد العرب لتكتشفوا هذه الحقيقة وأنا يعني أشعر بكثير من الاشمئزاز حين أسمع مثل هذا الكلام الذي يعني لي شيء واحدا كأنني أعاقب لأنني بقيت في وطني أنا باقي في وطني ولا تشديد لا يمكن التشديد دون التحام حقيقي بمفهوم الشعب والوطن والإنسان والحرية والإبداع بدون هذه النار لا يوجد إبداع يوجد بلاستيك زهور بلاستيك تبدو أجمل من الزهور الطبيعية لكنها بلاستيك بلا حياة بلا دم بلا ماء بلا رائحة إذا كنتم تحبون زهور البلاستيك لديكم أطنان منها يعني أنا خارج لعبة زهور البلاستيك أنا أقدم وردة الدم.
بسام القادري: ولكن ألم تمنعك المقاومة والانتفاضة من التطور؟
سميح القاسم: أنا أشكر المأساة ماذا تريد أكثر من ذلك أنا أشكر مأساتي لأنها أتاحت لي أن أطور وأن أعبر عن ذاتي وأن أجترح في المجال الإبداعي ما يجترحه المناضل والجريح والشهيد والأسير نحن شركاء في هذا.
بسام القادري: الذين خرجوا من الداخل الفلسطيني خرجوا إلى دول عربية وأنت قبل قليل.
سميح القاسم: أيش عندكم بالدول العربية يعني أنتم قمة الحضارة والتطور الموجودة بالدول العربية.
بسام القادري: ليس بالضرورة هذا ما أعنيه.
سميح القاسم: ولا لفرنسا.
بسام القادري: ولكن خرجوا إلى دول عربية وأنت كنت تنادي بأن يكون المثقف أو الشاعر أو الأديب مثقف عربي وليس إقليمي فأنت ضد هذا كيف تفسر هذا التناقض؟
سميح القاسم: لا أبدا أنا ضد الإقليمية بالكامل ومن حقي أن أزور الدول العربية وأنا أتجول في الدول العربية بسعادة كبيرة والتقى جمهور الشعر في كل مكان لكن أنا أرفض الادعاء بأن تطوير القصيدة ينبغي أن يكون ملازما لترك الوطن هذا كلام سخيف، ببساطة كلام سخيف ومنحط وساقط يستطيع المبدع القطري أن يبدع وأن يحافظ على قطريته على إقليمه على بيته فليهاجر ليسافر فليغامر في جميع أرجاء الأرض أنا أسافر دُرت حول الكرة الأرضية عدة مرات لكن عنواني يبقى هو سجني وطني سجني هو عنواني.
بسام القادري: كتبت بغزارة شعرا ورواية ومقالة ولكن هذا الاندفاع أخذ يتراجع أو يأخذ اتجاهات متغيرة في الآونة الأخيرة هل كانت غزارتك الإبداعية شكلا من أشكال المقاومة؟
" كل أشكال الفن والتعبير الفني هي شكل من أشكال الدفاع عن النفس والدفاع عن النفس هو المقاومة "
سميح القاسم: بدون شك قلتها كثيرا إن الفن كل أشكال الفن كل أشكال التعبير الفني هي في نظري شكل من أشكال الدفاع عن النفس والدفاع عن النفس أطلق عليه تسمية المقاومة أنا أدافع عن نفسي، أدافع عن نفسي من الأخطار الجغرافية في الجغرافيا الأخطار على جبل هنا وواد هناك وتل هنا وكرم زيتون هناك وشجرة تين هنا وشجرة صبار هناك، هناك معركة دفاع عن هذه الجغرافيا الضيقة والصغيرة والأخيرة وهناك الدفاع عن الذات أيضا لأننا تعرضنا منذ عام النكبة تعرضنا إلى محاولة لمحو الذاكرة ولغسل الدماغ ومحو الشخصية الثقافية وإلغاء اللغة حتى كانت هناك مؤامرة لإلغاء اللغة العربية الفصحى لذلك فالدفاع عن الجغرافيا والدفاع عن التاريخ والدفاع عن الروح وعن المنزل وعن الأغاني الشعبية وعن القصيدة كل هذا خلق حالة من الازدواجية القسرية من الإدغام بين ما يُسمى ذاتيا وما يسمى عاما الذاتي والخاص وأعتقد أن هذه الصيغة أوجدت هذا التراكم أو هذه الغزارة نتيجة لرغبة أو لشهوة قوية دائما في ظروف الحصار والضغط تتوالى الانفجارات على شكل قصيدة أو مقالة أو مسرحية أو.
بسام القادري: سميح القاسم ماذا عما تردد عن قبولك لجائزة إسرائيلية رغم أنك في الماضي رفضت جائزة أخرى وقد قبلها الراحل إيميل حبيبي وهنا أيضا يدفعني هذا السؤال إلى سؤال آخر وهو هل صحيح ما نسب إليك بأنك رفضت جائزة نوبل؟
سميح القاسم: يعني لا تتحدث عن جائزة نوبل بهذه الفخامة هي كانت جائزة محترمة بدون شك لكنها في الأعوام الأخيرة تحولت إلى جائزة سياسية تبت فيها أجهزة المخابرات والحكومات والوزارات أكثر مما يبث فيها الإبداع هذه حقيقة معروفة، تمنح لكويتب من الصين لا لسبب إلا لأنه مثلا هاجم النظام أو تمنح لكويتب روسي لا سبب إلا لأنه هاجم النظام، إذاً أصبحت نوبل جزءا من اللعبة السياسية من لعبة العولمة ولا تعنيني حقيقة لا من قريب ولا من بعيد لكن ما حدث متصل بالجائزة الإسرائيلية حقيقة عُرضت علي جائزة إسرائيل وقيل لي في حينه نحن باتجاه السلام قلت أنا أتمنى أن نكون باتجاه السلام الصحيح لكن أريد قبل كل شيء وقلت هذا الكلام على (CNN) بالمناسبة ليس سرا في الوقت الذي يمنح فيه رئيس دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس جائزة فلسطين لكاتب يهودي أو لشاعر يهودي أو لفنان يهودي إذا عُرض علي جائزة إسرائيل سأفكر في الموضوع آنذاك، لم أعد قلت سأفكر في الموضوع وما لم يتحقق هذا فمن غير الوارد بالحسبان أن أقبل جائزة إسرائيل فكانت الإجابة السريعة هي خشبة القفز إلى نوبل وكانت إجابتي أيضا البسيطة والعادية لست من الذين يحلمون لا بنوبل ولا بألفريد ولا بأي جائزة، لا تعنيني هذه المسألة إذا جاءتني جائزة من جهة محترمة وغير مشروطة وغير مسيسة فلا بأس في ذلك هذا شيء أعتز به بكل بدون شك لكن أرفض أن تشترط نوبل بشروط سياسية مسبقة، التساهل مع الاحتلال مهاودة السلطة الإسرائيلية أو أي سلطة في المنطقة أو في العالم يعني لست على استعداد لمهادنة الأمم المتحدة من أجل نوبل.
بسام القادري: سميح القاسم الشاعر الفلسطيني وتاليا العربي شكرا لحضورك ومشاركتك معنا في هذه الحلقة من أوراق ثقافية مشاهدينا إلى هنا ونصل وإياكم إلى ختام حلقة هذا الأسبوع من برنامج أوراق ثقافية هذه تحية فريق البرنامج وإلى اللقاء.

فدريكو..
الحارس أطفأ مصباحَُه
انزل
أنا منتظر في الساحة
فد.. ري.. كو
قنديل الحزن قمر
الخوف شجر
فانزل
أنا أعلم أنك مختبئ في البيت
مسكونًا بالحمى
مشتعلاً بالموت
فانزل
أنذا منتظر في الساحة
مشتعلاً بلهيب الوردة
قلبي تفاحة..
الديك يصيح على قرميد السطح
فدريكو
النجمة جرح
والدم يصيح على الأوتار
يشتعل الجيتار
فد .. ريكو
الحرس الأسود ألقى في البئر سلاحه
فانزل للساحة
أعلم أنك مختبئ في ظل ملاك
ألمحك هناك
زنبقة خلف ستارة شباك
ترتجف على فمك فراشة
وتمسّد شعر الليل يداك
انزل فدريكو
وافتح لي الباب
أسرع
أنذا أنتظر على العتبة
أسرع
في منعطف الشارع
جلبة ميليشيا مقتربة
قرقعة بنادق
وصليل حراب
افتح لي الباب
أسرع خبئني
فدريكو
فد.. ري.. كو

وفيدريكو أولاً هو الشاعر الأسباني لوركا (1898 – 1936)، الذي صرعته كتائب الفاشيين الأسبان في حربها ضد الجمهوريين، وهو يمثل الإنسان المناضل في سبيل الحرية والكفاح ومواجهة الظلم والظلام.
وقصيدة سميح القاسم التي أرخها في مدريد 27.5.1985 فيها استلهام من بطولة هذا الشاعر ومشاركة له في الموقف، وحتى في الموت وفي الحياة.
وكثيرًا ما تناول الشعر الفلسطيني موضوعات إنسانية عالمية، بما فيها من مواقف بطولية ودعوات يسارية في نشدان الحرية والعدالة والمساواة... وقد أكثر القاسم من الكتابة في هذه المقولات، وحسبنا نظرة إلى المجلد الأول من مجموعة أشعاره الكاملة حتى نرى أنه تناول في قصائده أسماء وشعوبًا من هذا العالم الباحث عن حقه في الحياة، نحو قصائده في بتريس لومومبا، إيفان الكسبيفتش وجوني وديمتروفا وكذلك عن الكونغو وأرتيريا....
غير أن قصيدته هنا عن لوركا فيها مرآة للشاعر نفسه، فيها شعور عارم مذعور يحس بالنهاية والفجيعة.
وقد تمثلت هذه النهاية فيما توجه به الراوي الشاعر للوركا وهو يستنجده ويستصرخه "خبئني"، يقول ذلك مرتجفًا هلعًا (انتبه إلى تقطيع فد... ري..كو، وكذلك إلى إلحاحه " أسرع" التي كررها ثلاث مرات).
الراوي الشاعر منذ مطلع القصيدة يعلن للوركا أنه ينتظره في الساحة، فالحارس قد نام... يطلب منه أن ينزل (كررها أربع مرات) رغم أنه يعلم أن لوركا قد شبع موتًا.
وسؤالنا: لماذا يطلب منه النزول؟ وإلى أين سيتوجهان؟ وقد وجدت صعوبة ما في تحديد الغرض من النزول، وسأحاول أن أجتهد:
- الهروب... ولكن كيف يصح ذلك إذا كان الراوي يطلب منه في نهاية القصيدة أن يفتح له الباب... ثم أن يخبئه (بعد سماع صوت المليشيا المقترب)؟ ربما عزم على الهرب بعيدًا مع لوركا لينقذه- وكأن لم يمت- ثم قرر الاختباء بعد سماع جلبة العسكر.
- لعله يطلب منه المكوث معه في الساحة، وذلك بعد أن اطمأن أن الحارس نام (أطفأ مصباحه) وأن الحرس الأسود ألقى سلاحه نهائيًا... وبهذا المعنى تكون الساحة رمزًا، للنضال وأن عليهما واجبًا مشتركًا في التصدي لمظاهر الموت الرهيبة التي تتجلى فيما يلي:
1. الديك انزعج، وأحذ يصبح ليلاً.
2. النجمة غدت جرحًا بدل أن تكون نورًا.
3. الأوتار تعزف الدماء بدل الأنغام.
4. الجيتار مشتعل ...والنار تلتهم معاني الجمال.
5. وإذا أضفنا إلى هذه ما كان قد وصفه في المقطوعة الثانية بتشبيهات بليغة نستطيع هنا قلبها:
القمر كأنه قنديل حزن...
الشجر كأنها خوفٌ رهيب...
إذن، لم يبق أمام هذا المد الجارف من الرهبة إلا التصدي... ولكن، لماذا يطلب شاعر فلسطيني معتبر من "شعراء المقاومة" أن يشارك شاعرًا صريعًا؟
 إن الراوي الشاعر - قناع سميح القاسم - يرى لوركا مختبئًا (كررها مرتين) وليس ميتًا...
إذن لوركا مختبئ لا يتصدى ولا يتحدى، فهل الراوي يعطيه جرعة جرأة؟
 ولماذا يطلب منه أن ينزل ولوركا في عليين وهو:
1. في ظل ملاك
2. كزنبقة خلف ستارة شباك.
3. ترتجف على فمه فراشة.
4. يداه تمسدان شعر الليل (تستلطف برومانسية)
وتبقى الأسئلة من غير إجابة قاطعة.
وازدادت تساؤلاتي في فهم القصيدة بعد أن اطلعت على قصة مقتل لوركا في كتاب عرس الدم ( عرض وتحليل د. علي سعد، دار الفارابي، بيروت- 1985) فقد نقل د. علي سعد عن كتاب "بارو" الصادر سنة 1947 وعن المجموعة الكاملة لآثار لوركا التي أصدرها توري سنة 1938 مادة لعل فيها بعض الغناء.
يقول د. سعد:
وجد لوركا في منزل روزاليس بعض الراحة، ومن نافذة غرفته التي تطل على ساحة بيبارميلا الكثيرة الحركة... كان يتطلع إلى المدينة الثائرة في عيشها ونبضها... وساد المدينة شيء من الهدوء الظاهر" (ص50)
ورأيت في هذا الوصف مفتاحًا مهمًا في خدمة القصيدة، فالشاعر مختبئ في الأعلى (في دارة في غرناطة)، والحارس فذ أطفأ مصباحه، والحرس الأسود ألقى سلاحه، وهذان دليلان على الهدوء الظاهر- هذا الهدوء سرعان ما يزول بعد سماع جلبة المليشيا وصليل الحراب... إذن إنها- كما قالت العرب قديمًا – هدنة على دخن. لقد توهم الراوي بالهدوء... ويمكن- تبعًا لذلك- أن الراوي يطمئن لوركا، ويلح عليه بالنزول، وهنا نفهم التشبيهات البليغة فهما آخر- فقنديل الحزن كأنه قمر (وضوح واطمئنان) والخوف الذي كان أضحى كأنه شجر (فلا بأس ولا خوف) وأنت يا لوركا مسكون بالحمى ومشتعل بالموت،  بيد أني أنا كلي حياة وتفاؤل وقلبي تفاحة ( وبهذا أتفوق عليك، أنا مرشدك، وحيويتي كأنها مشتعلة- ولكنها بلهيب أو بحدة احمرار الوردة وتفتحها، أي أنك تشتعل موتًا وأنا أشتعل حياة).
واعترف أن هذه القصيدة مشحونة بإمكانيات تفسير وتأويل متباينة، ومن ضرورة الاحتمال أو إمكانية التفسير أن تتوافى مع استمرارية النص، ولعل هذه الإمكانات المفتوحة المتاحة سر نجاح كل نص أدبي كنصنا هذا. (1)
ــــــــــــــ
(1) ومع ذلك لا أوافق، الناقد رجاء النقاش (أبو سميح... تيمنًا بالشاعر) الذي رأى أن الحارس الذي معه سلاحه في قصيدة سميح إنما هو "يحرس قصائد الشاعر واسمه وذكراه ويمنع الاقتراب منه ....والحارس معنوي وهو رمز الخوف من أشعار لوركا... والنداء في القصيدة فيه إغراء للشاعر لوركا والتأكيد له بأن الجو مناسب للظهور بلا خوف" (أُنظر: المجموعة الكاملة لأشعار سميح القاسم، المجلد السابع، مقال رج اء النقاش ص412) وفي رأيي أن النقاش لم يحل اللغز: لماذا طلب منه أولاً أن ينزل، ثم سرعان ما طلب منه أن يخبئه... ثم لماذا يطفئ الحارس مصباحه في هذا المعنى؟
ولم يعطنا النقاش شرحاً أو تأويلاً لحركة الراوي ودراميته سوى قوله التعميمي " صورة غريبة ورائعة" (ص414). وكذلك لا أوافق ما أرتآه رؤوبين سنير من أن الراوي الشاعر منذ البدء كان يائسًا، وتنامى هذا اليأس مع صياح الديك- طلوع الفجر-، والراوي يصل تدريجيًا إلى منطقة يطل فيه على غرفته، فهذه الفراشة التي ترتجف على شفتي لوركا تعني أن الموت قد أصابهم وروحه ترتعش، وأن الحرس ألقى سلاحه بعد أن قتلوا لوركا...
وكأن سنير بهذا المعنى يرى أنهم قتلوه وأخذوا سلاحه وألقوا به في البئر، ولم يكلف الباحث نفسه لشرح: لماذا ينتظره الراوي في الساحة؟ ولماذا يلح عليه أن ينزل؟
(أُنظر: عيتون 77 العدد 100-مايو 1988، ص 87)  
وأعترف أنني – في أثناء تحليلي النص – استذكرت إلقاء الشاعر لقصيدته في "  مهرجان الثقافة  في لندن  سنة 1988  ، وكان سميح ممثلاً مبدعًا يحس القصيدة بكل خلجة من خلجاتها ...وأتساءل الآن : هل يختبئ الراوي الشاعر من الطغمة المعتدية كما كانت تقول  لك حركات الشاعر التمثيلية؟
المنطق أن يقول إن  لوركا في داخل المنزل ميت، ولن يستضيف الراوي، وتبعًا لذلك سيقبض عليه... سيقتل. لماذا القتل؟
لأن نتيجة لوركا المحكيّ عنه كانت القتل... وإلا فلماذا قتل لوركا المسالم الإنسان؟
لكن لغة الشعر لا تغلق بابًا، بل تفسح المجال لنهوض القتيل واحتضان الراوي.. وفي هذا الاحتمال الذي يغدق علينا في الشعر نرى موتًا آخر والتحامًا جديدًا... ومع ذلك فهل لوركا ميت حقًا؟ ألا تزال أشعاره حية ووجوده قائمًا في وجدان عشاق الحرية والكلمة؟
الراوي الشاعر يبحث عن الموت لا من خلال اليأس، كما ذهب سنير في الملاحظة أعلاه، وإنما من خلال البحث عن الذات وعن مرايا هذه الذات السكونية، حتى ولو برومانسية.
وأتساءل:وما الذي ذكّر سميح القاسم بلوركا في أثناء زيارته لمدريد؟
- يبدو لي أن زيارته في أيار 1985 كانت كذلك إلى نزل الطلبة الذي كان يقيم فيه لوركا في مدريد، وفي هذا النُزل المعدّ للطلاب التقى لوركا بسلفادور دالي وخيمينيث وماخادو وألبرتي وماكس جاكوب... وقد أقام فيه لوركا في العشرينيات من هذا القرن... واليوم يرتاد سميح القاسم هذا النُزل، فأوحى ذلك إلى شاعرنا ما أوحى، فاختار هذا الموقع حكاية النهاية (مع أن مقتله كان في غرناطة، ونحن لا نسأل عن ذلك.... لأنه ليس على الشعر فرض وتأريخ وتقنين).
واطلاع سميح على سيرة لوركا أوحى له نوعًا من التوجس الشرّي، تمامًا كما توجّس لوركا في رواية (ماريانا بنيدا-1924)، حيث صور الشاعر الهلع الذي كان يخيم على الحياة الإسبانية في أيام الملك فرناندو السابع، وقد قتلت جنود فرناندو مريانا الشجاعة_ لأنها طرزت العلم الذي كان معدًّا لأن يقود الثوار الجمهوريين- ومن العجيب أن نهاية لوركا كانت تطبيقًا لما وصفه هو في نهاية مريانة بطلته: فاقرأ معي نصًا قصيرًا من هذه الرواية، وأرجو أن تتبين هذا الجو المذعور الذي تشي به قصيدة القاسم كذلك:
يقول لوركا:
                             يا ألم النجمة العتيقة
                             الذي يغص بها حلقي
                             كان على الكواكب أن تطل على نافذتي
                             وأن تنفتح ببطء على الشارع الموحش
                             أي جهد يبذله الضوء
                              في مغادرة غرناطة
                              أن يتلولب على أشجار السرو
                              وذلك الليل الذي لا يأتي
                              ليل الرعب والأحلام
                              الذي يجرحني من بعد
                              بسيوف طويلة... جد طويلة
                    (مقدمة د. علي سعد لكتاب عرس الدم، ص23)
واقرأ نصً آخر في وصف مونتيلاّ:
صريعًا في الوادي
ملء جسمه الزنابق
وعلى صدغه الجلنار" (ص62)
وفي مقطع آخر:
"ريح شرقية
ومصباح درب
والخنجر
في القلب
والشارع يهتز
كالوتر المشدود" (ص63)
وسميح القاسم يرى لوركا: "زنبقة خلف ستار شباك"، فهل هذه الرؤية بعيدة عن معرفة الجو الذي وصف لوركا به نفسه: "إن مت دعوا الشرفة مفتوحة"
                             (انظر كتاب عبد الغفّار مكاوي: ثورة الشعر الحديث ج2، ص54)
ولغة" قنديل الحزن القمر" فيها تجميع من القاموس الشعري اللوركيّ... ألفاظ ثلاثة تتوارد في شعره بنفس روح التشبيه القاسمي، وقلبي تفاحة... ومشتعلاً بلهيب الوردة والجيتار المشتعل... عيّنات أخرى لا يصعب علينا إيجاد مثائل لها في شعر لوركا...
والتحليق في أجواء الشاعر الذي يكتب عه دليل عافية للقصيدة المستخدمة، ودليل على أن الشاعر يعيش بكليته في تجربة.
وفي ختام القول لن أذهب ما ذهب إليه سنير- في مقالته التي أشرت إليها –أن الشاعر يرى الكتائب السوداء وكأنها الجيش الإسرائيلي المحتل، وأن الشاعر الفلسطيني ضحيّة لهذا الاحتلال...
ذلك لأني أرى أن القصيدة تصب في وجهة المقارعة ومناهضة الاحتلال لا في جهة اليأس والانعزال.
وتوجه القاسم إلى لوركا فيه تمثل لمعاناته، كأنني أنا أنت، ولكن نهايتي ستؤول إلى نهايتك...
ستكون الزنبقة والرهفة (الفراشة) والتمسيد برومانسية حالمة وحياة وادعة... أما الكتائب السوداء- وهي عنصر الشر أنّى حل –فهي تحيق بنا منن كل حدَب...
وهذا الاستصراخ المعبّر عنه بتقطيع لفظه فدر.. ري... كو تارة ...وبتكرار الاستغاثة والاستجارة تارة أخرى ،  وببحر الخبب/ المتدارك، كل هذا يؤدي بالتالي إلى شحن الجو بالفجيعة والدرامية، بسبب ما يراه الشاعر على أرض الواقع من انتصارات الشر على البراءة وعلى الإنسانية العذبة.... ويبقى مع ذلك خلود الخير، فهو لا يموت، حتى لو شبع موتًا، وهو يضم كل باحث عنه ولاجئ إليه. 


أغاني الدروب
من رُؤى الأثلام في موسمٍ خصبِ
و من الخَيْبةِ في مأساةِ جدْبِ
من نجومٍ سهرت في عرشها
مؤنساتٍ في الدّجى قصةَ حبِّ
من جنون اللّيل..من هدأتهِ
من دم الشّمس على قطنة سُحْبِ
من بحار هدرتْ..من جدولٍ
تاهَ..لم يحفل به أيُّ مَصَبِّ
من ذؤابات وعت أجنحةً
جرفتها الريح في كل مهبِ
من فراش هامَ في زهر و عشبِ
ونسورٍ عشقت مسرحَ شُهب
من دُمى الأطفال.. من ضحكاتهم
من دموع طهّرتها روحُ رَبِّ
من زنود نسّقَتْ فردوسها
دعوةً فضلى على أنقاض حرب
من قلوب شعشعت أشواقها
شُعلاً تعبرُ من رحب لرحب
من عيون سمّمت أحداقها
فوهةُ البركان في نظره رعب
من جراحاتٍ يضرّي حقدَهـا
ما ابتلى شعبٌ على أنقاض شعب
من دمي.. من ألمي.. من ثورتي
من رؤاي الخضرِ.. من روعة حبّي
من حياتي أنتِ.. من أغوارها
يا أغانيَّ ! فرودي كل درب

جيل المأساة
هنا.. في قرارتنا الجائعهْ
هنا.. حفرت كهفها الفاجعهْ
هنا.. في معالمنا الدارساتِ
هنا.. في محاجرنا الدامعهْ
نَبوخَذُ نصّرُ و الفاتحون
و أشلاء رايتنا الضائعهْ
فباسمكَ يا نسلَنا المرتجى
و باسمكِ يا زوجنا الضارعه
نردُّ الزمان إلى رشده
و نبصق في كأسه السابعه
و نرفع في الأفق فجر الدماء
و نلهمه شمسنا الطالعه !
 
ما زال
دم أسلافي القدامى لم يزل يقطـــرُ منّي
و صهيل الخيل ما زال ، و تقريعُ السيوفْ
و أنا أحملُ شمساً في يميني و أطــوف
في مغاليــقِ الدّجى.. جرحاً يغنـّي !!
 
لأننــا
أحسُّ أننا نمــوت
لأننا..لا نتقن النّضال
لأننا نَعيد دون كيشوت
لأننا... لهفي على الرجال!
 
في القرن العشرين
أنا قبل قرونْ
لم أتعوّد أن أكره
لكنّي مُكره
أن أُشرِِعَ رمحاً لا يَعيَى
في وجه التّنين
أن أشهر سيفاً من نار
أشهره في وجه البعل المأفون
أن أصبح ايليّا (1) في القرن العشرين
أنا.. قبل قرون
لم أتعوّد أن أُلحد !
لكنّي أجلدْ
آلهةً.. كانت في قلبي
آلهةً باعت شعبي
في القرن العشرين !
أنا قبل قرون
لم أطرد من بابي زائر
و فتحت عيوني ذات صباح
فإذا غلاّتي مسروقه
و رفيقةُ عمري مشنوقه
و إذا في ظهر صغيرتي.. حقل جراح
و عرفت ضيوفي الغداّرينْ
فزرعوا ببابي ألغاماً و خناجر
و حلفت بآثار السكّينْ
لن يدخل بيتي منهم زائر
في القرن العشرين !
أنا قبل قرون
ما كنت سوى شاعر
في حلقات الصوفيّينْ
لكني بركان ثائر
في القرن العشرين
..................
(1) نبيّ يهوديّ حارب الأوثان، و ينسب إليه أنّه قتل كهنة بعل
 
أمطار الدم
((النار فاكهة الشتاءْ))
و يروح يفرك بارتياحٍ راحتين غليظتينْ
و يحرّك النار الكسولةَ جوفَ موْقدها القديم
و يعيد فوق المرّتين
ذكر السماء
و الله.. و الرسل الكرامِ.. و أولياءٍ صالحين
و يهزُّ من حين لحين
في النار.. جذع السنديان و جذعَ زيتون عتيـق
و يضيف بنّاً للأباريق النحاس
و يُهيلُ حَبَّ (الهَيْلِ) في حذر كريم
((الله.. ما أشهى النعاس
حول المواقد في الشتاء !
لكن.. و يُقلق صمت عينيه الدخان
فيروح يشتمّ.. ثم يقهره السّعال
و تقهقه النار الخبيثة.. طفلةً جذلى لعوبه
و تَئزّ ضاحكةً شراراتٌ طروبه
و يطقطق المزراب.. ثمّ تصيخ زوجته الحبيبة
-قم يا أبا محمود..قد عاد الدوابّ
و يقوم نحو الحوش.. لكن !!
-قولي أعوذُ..تكلمي! ما لون.. ما لون المطر ؟
و يروح يفرك مقلتيه
-يكفي هُراءً.. إنّ في عينيك آثار الكبَر ؟
و تلولبت خطواته.. و مع المطر
ألقى عباءته المبللة العتيقة في ضجر
ثم ارتمى..
-يا موقداً رافقتَني منذ الصغر
أتُراك تذكر ليلة الأحزان . إذ هزّ الظلام
ناطور قريتنا ينادي الناس: هبوا يا نيام
دَهمَ اليهود بيوتكم..
دهم اليهود بيوتكم..
أتُراك تذكرُ ؟.. آه .. يا ويلي على مدن الخيام !
من يومها .. يا موقداً رافقته منذ الصغر
من يوم ذاك الهاتف المشؤوم زاغ بِيَ البصر
فالشمس كتلة ظلمة .. و القمح حقل من إبر
يا عسكر الإنقاذ ، مهزوماً !
و يا فتحاً تكلل بالظفر !
لم تخسروا !.. لم تربحوا !.. إلا على أنقاض أيتام البشر
من عِزوتي .. يا صانعي الأحزان ، لم يسلم أحدْ
أبناء عمّي جُندلوا في ساحة وسط البلد
و شقيقتي.. و بنات خالي.. آه يا موتى من الأحياء في مدن الخيام !
ليثرثر المذياع (( في خير )) و يختلق (( السلام )) !!
من قريتي.. يا صانعي الأحزان ، لم يَسلم أحدْ
جيراننا.. عمال تنظيف الشوارع و الملاهي
في الشام ، في بيروت ، في عمّان ، يعتاشون..
لطفك يا إلهي !
و تصيح عند الباب زوجته الحبيبه
-قم يا أبا محمود .. قد عاد الجُباة من الضريبه
و يصيح بعض الطارئين : افتح لنا هذي الزريبه
أعطوا لقيصر ما لقيصر !!
***
و يجالدُ الشيخ المهيب عذاب قامته المهيبه
و تدفقت كلماته الحمراء..بركانا مفجّر
-لم يبق ما نعطي سوى الأحقاد و الحزن المسمّم
فخذوا ..خذوا منّا نصيب الله و الأيتام و الجرح المضرّم
هذا صباحٌ.. سادن الأصنام فيه يُهدم
و البعلُ.. و العزّى تُحطّم
***
و تُدمدم الأمطارُ..أمطار الدم المهدوم.. في لغةٍ غريبهْ
و يهزّ زوجته أبو محمود.. في لغة رهيبه
-قولي أعوذُ.. تكلّمي !
ما لون.. ما- لون المطر ؟
ويلاه.. من لون المطر !!
 
أطفال سنة 1948
كَوَمٌ من السمك المقدّد في الأزقة . في الزوايا
تلهو بما ترك التتار الانكليز من البقايا
أُنبوبةٌ.. و حطام طائرةٍ.. و ناقلةٌ هشيمه
و مدافع محروقة.. و ثياب جنديٍّ قديمه
و قنابل مشلولة.. و قنابل صارت شظايا
***
((يا اخوتي السمر العراة.. و يا روايتيَ الأليمه
غنّوا طويلاً و ارقصوا بين الكوارث و الخطايا ))
لم يقرأوا عن (( دنُ كشوت )) و عن خرافات القتال
و يجنّدون كتائباً تُفني كتائب في الخيال
فرسانها في الجوع تزحف.. و العصيُّ لها بنادق
و تشدّ للجبناء، في أغصان ليمونٍ، مشانق
و الشاربون من الدماء لهم وسامات الرجال
***
يا اخوتي !
آباؤنا لم يغرسوا غير الأساطير السقيمه
و اليتم.. و الرؤيا العقيمه
فلنجنِ من غرسِ الجهالة و الخيانة و الجريمه
فلنجنِ من خبز التمزّقِ.. نكبة الجوع العضال
***
يا اخوتي السمر الجياع الحالمين ببعض رايه
يا اخوتي المتشرّدين و يا قصيدتيَ الشقيّه
ما زال عند الطيّبين، من الرثاء لنا بقيّه
ما زال في تاريخنا سطر.. لخاتمة الروايه !
 
غرباء ..!
و بكينا.. يوم غنّى الآخرون
و لجأنا للسماء
يوم أزرى بالسماء الآخرون
و لأنّا ضعفاء
و لأنّا غرباء
نحن نبكي و نصلي
يوم يلهو و يغنّي الآخرون
***
و حملنا.. جرحنا الدامي حملنا
و إلى أفق وراء الغيب يدعونا.. رحلنا
شرذماتٍ.. من يتامى
و طوينا في ضياعٍ قاتم..عاماً فعاما
و بقينا غرباء
و بكينا يوم غنى الآخرون
***
سنوات التيهِ في سيناءَ كانت أربعين
ثم عاد الآخرون
و رحلنا.. يوم عاد الآخرون
فإلى أين؟.. و حتامَ سنبقى تائهين
و سنبقى غرباء ؟!
 
القصيدة الناقصة
أمرُّ ما سمعت من أشعارْ
قصيدةٌ.. صاحبها مجهول
أذكر منها، أنها تقول:
سربٌ من الأطيارْ
ليس يهمّ جنسُه..سرب من الأطياء
عاش يُنغِّمُ الحياه
قي جنَّةٍ..يا طالما مرَّ بها إله
***
كان إن نشنَشَ ضَوءْ
على حواشي الليل..يوقظ النهار
و يرفع الصلاه
في هيكل الخضرة، و المياه، و الثمر
فيسجد الشجر
و يُنصت الحجر
و كان في مسيرة الضحى
يرود كل تلّة.. يؤم كل نهرْ
ينبّه الحياة في الثّرى
و يُنهِض القرى
على مَطلِّ خير
و كان في مسيرة الغيابْ
قبل ترمُّد الشعاع في مجامر الشفق
ينفض عن ريشاته التراب
يودّع الوديان و السهول و التلال
و يحمل التعب
و حزمة من القصب
ليحبك السلال
رحيبةً..رحيبةً..غنيّة الخيال
أحلامُها رؤى تراود الغلال
و تحضن العِشاشُ سربَها السعيد
و في الوهاد، في السفوح، في الجبال
على ثرى مطامحِ لا تعرف الكلال
يورق ألف عيد
يورق ألف عيد..
***
و كان ذات يوم
أشأم ما يمكن أن يكون ذات يوم
شرذمةٌ من الصّلال
تسرّبت تحت خِباءِ ليلْ
إلى عِشاشِ.. دوحها في ملتقى الدروب
أبوابها مشرّعةْ
لكل طارقٍ غريب
و سورها أزاهرٌ و ظل
و في جِنان طالما مرَّ بها إله
تفجّرت على السلام زوبعهْ
هدّت عِشاشَ سربنا الوديع
و هَشَمتْ حديقةً.. ما جدّدت (( سدوم ))(1)
و لا أعادت عار (( روما )) الأسود القديم
و لم تدنّس روعة الحياه
و سربُنا الوديع ؟!
ويلاه.. إنّ أحرفي تتركني
ويلاه.. إنّ قدرتي تخونني
و فكرتي.. من رعبها تضيع
و ينتهي هنا..
أمر ما سمعت من أشعار
قصيدة.. صاحبها مات و لم تتم
لكنني أسمع في قرارة الحروف
بقيّة النغم
أسمعُ يا أحبّتي.. بقيّة النغمْ
 
بوابة الدموع
أحبابنا.. خلف الحدود
ينتظرون في أسى و لهفة مجيئنا
أذرعهم مفتوحة لضمنا لِشَمِّنا
قلوبُهم مراجل الألم
تدقّ.. في تمزّق أصم
تحارُ في عيونهم.. ترجف في شفاههم
أسئلة عن موطن الجدود
غارقة في أدمع العذاب و الهوان و الندم
***
أحبابنا.. خلف الحدود
ينتظرون حبّةً من قمحهم
كيف حال بيتنا التريك
و كيف وجه الأرض.. هل يعرفنا إذا نعود ؟!
يا ويلنا..
حطامَ شعب لاجئ شريد
يا ويلنا.. من عيشة العبيد
فهل نعود ؟ هل نعود ؟!
 
صوت الجنة الضائع
صوتها كان عجيباً
كان مسحوراً قوياً.. و غنياً..
كان قداساً شجيّاً
نغماً و انساب في أعماقنا
فاستفاقت جذوة من حزننا الخامد
من أشواقنا
و كما أقبل فجأة
صوتها العذب، تلاشى، و تلاشى..
مسلّماً للريح دفئَه
تاركاً فينا حنيناً و ارتعاشا
صوتها.. طفل أتى أسرتنا حلواً حبيباً
و مضى سراً غريبا
صوتها.. ما كان لحناً و غناءاً
كان شمساً و سهوباً ممرعه
كان ليلا و نجوما
و رياحاً و طيوراً و غيوما
صوتها.. كان فصولاً أربعه
لم يكن لحناً جميلاً و غناءا
كان دنياً و سماءا
***
و استفقنا ذات فجر
و انتظرنا الطائر المحبوب و اللحن الرخيما
و ترقّبنا طويلا دون جدوى
طائر الفردوس قد مدّ إلى الغيب جناحا
و النشيد الساحر المسحور.. راحا..
صار لوعه
صار ذكرى.. صار نجوى
و صداه حسرةً حرّى.. و دمعه
***
نحن من بعدك شوق ليس يهدا
و عيونٌ سُهّدٌ ترنو و تندى
و نداءٌ حرق الأفقَ ابتهالاتِ و وجْدا
عُدْ لنا يا طيرنا المحبوب فالآفاق غضبى مدلهمّه
عد لنا سكراً و سلوانا و رحمه
عد لنا وجهاً و صوتا
لا تقل: آتي غداً
إنا غداً.. أشباح موتى !!
 
أنتيــجونا
أنتيــجونا
((ابنة أوديب_ الملك المنكوب_التي رافقته في رحلة العذاب..
حتّى النهاية ! )) (1)
خطـوه..
ثِنْتـان..
ثلاث..
أقدِمْ.. أقدِمْ !
يا قربانَ الآلهة العمياء
يا كبشَ فداء
في مذبحِ شهواتِ العصرِ المظلم
خطـوه..
ثِنْتـان..
ثلاث..
زندي في زندك
نجتاز الدرب الملتاث !
***
يا أبتاه
ما زالت في وجهك عينان
في أرضك ما زالت قدمان
فاضرب عبر الليلِ بِأشأمِ كارثةِ في تاريخ الإنسان
عبرَ الليل.. لنخلق فجر حياه
***
يا أبتاه !
إن تُسْمِـلْ عينيك زبانيةُ الأحزان
فأنا ملءُ يديك
مِسرَجَةٌ تشربُ من زيت الإيمان
و غداً يا أبتاه أُعيد إليك
قَسَماً يا أبتاه أُعيد إليك
ما سلبتك خطايا القرصان
قسماً يا أبتاه
باسم الله.. و باسم الإنسان
***
خطـوه..
ثِنْتـان..
ثلاث..
أقدِمْ.. أقدِمْ !
...........................................
(1) انتيجونا هي بطلة المسرحي الاغريقي سوفرخليس، التي تمثل رمز الوفاء للأب. و التضحية في سبيله. طلت تقود خطوات أبيها الأعمى، الملك أوديب ، إلى أن حكم عليها بالإعدام.
 
بابل
أنا لـم أحفـظ عـن الله كتابا
أنا لـم أبنِ لقـديسٍ قبـابـا
أنا ما صليت.. ما صمت.. و ما
رهبت نفسي لدى الحشر عقابا
و الدم المسفوك من قافيتـي
لم يراود من يَدَيْ عَدنٍ ثوابا
فهو لو ساءلتـَه عن مَطْمَـحٍ
ما ارتضى إلا فدى النور انسكابا
***
غضبي.. غضبة جرح أنشبت
فيه ذؤبانُ الخنا طفراً و نابا
و انتفاضاتي عذابٌ.. ودَّ لو
ردّ عن صاحبِهِ الشرقُ عذابا
و أنا أومن بالحق الذي
مجدهُ يؤخذ قسراً و اغتصابا
و أنا أومن أني باعثٌ
في غدي الشمسَ التي صارت ترابا
فاصبري يا لطخة العار التي
خطّها الأمسُ على وجهي كتابا
و انظري النار التي في أضلعي
تهزم الليل و تجتاح الضبابا
شعشعت في آسيا فاستيقظت
و صحت افريقيا.. غاباً فغابا!
***
يا حمام الدوح! لا تعتب أسىً
حسبنا ما أجهش الدوحُ عتابا
نحن لم نزجرْك عن بستاننا
لم نُحكّمْ في مغانيك الغرابا
نحن أشباهٌ و قد أوسعنا
غاصب الأعشاش ذلاً و اغترابا
فابكِ في الغربة عمراً ضائعاً
و ارثِ عيشاً كان حلواً مُستطابا
علّ نار الشجو تُذكي نخوةً
في الأَُلى اعتادوا مع الدهر المصابا
فتهد اللحدَ عنـها جُثــثٌ
و يمور البعث شِيـباً و شبابا
***
يا قرى.. أطلالُها شاخصةٌ
تتقرّى غائباً أبكى الغيابا
يا قرىً يُؤسي ثرى أجداثها
أنّ في النسل جراحاً تتغابى
يا قرانا.. نحن لم نَسْلُ.. و لم
نغدر الأرض التي صارت يبابا
خصبها يهدر في أعراقنا
أملاً حراً، و وحياً، و طِلابا
و الذرى تشمخ في أنفسنا
عزةً تحتطبُ البغي احتطابا !
***
يا بلاداً بلّلت كلَّ صدىً
و صداها لم يَرِدُ إلا سرابا
يا بلادي نحن ما زلنا على
قسم الفدية شوقاً و ارتقابا
يا بلادي! قبل ميعاد الضحى
موعدٌ ينضو عن النور حجابا !
***
نكبةُ التيهِ التي أوردت بنا
فطرقنا في الدجى باباً فبابا
عَمّقت سكِّينها في جرحنا
و جرت في دِمنا سُمّاً و صَابا
و تهاوينا على أنقاضنا
فخرابٌ ضمّ في البؤسِ خرابا
و من الأعماق.. من تُربتنا
هتف التاريخ.. و المجد أهابا
فإذا أيامنا مشرقةٌ
بدمٍ.. من لونه أعطى الترابا
و إذا روما نداءٌ جارحٌ
طاب يومُ النارِ يا نيرونُ طابا!
***
أيها العاجمُ من أعوادنا
نحن ما زلنا على العَجمْ صِلابا
فاسأل الجرح الذي عذّبنا
كيف ألّبنا على الجرح العذابا
نكبةُ التيه التي سّدّت بنا
كل أُفق ضوّأت فينا شهابا
فأفاقت من سُباتٍ أعينٌ
وُلِدَ الدهرُ عليهنّ و شابا
و اشرأبّت في المدى ألويةٌ
خفقت في الأربع الجُرد سحابا
و على وقعُ خطانا التفتت
أمم أغضت هواناً و اكتئابا
و رؤانا أخصبت فاخضوضرت
أعصُرٌ ناءَت على الشرق جِدابا
***
شعَفَاتُ الشمس من غاياتنا
فازرعي يا أمتي الليلَ حِرابا
و إذا الأسداف أهوت جُثثاً
و إذا أحنى الطواغيتُ رقابا
و إذا فَجّرْتِ أنهارَ السنى
و سنون الجدبِ بُدّلن خِصابا
فانشري النور على كل مدى
و ابعثي أمجاده عجباً عجابا
نحن أحرى مستجيباً إن دعا :
من يُفَدّي؟ و هو أحرى مستجابا !
 
أكثر من معركة
في أكثر من معركةٍ دامية الأرجاءْ
أشهر هذي الكلمات الحمراء
أشهرها.. سيفاً من نارِ
في صفِّ الإخوة.. في صفِّ الأعداء
في أكثر من درب وعْرِ
تمضي شامخةً.. أشعاري
و أخافُ.. أخاف من الغدرِ
من سكين يُغمد في ظهري
لكني، يا أغلى صاحب
يا طيّبُ.. يا بيتَ الشعرِ
رغم الشكّ.. و رغم الأحزانِ
أسمعُ.. أسمعُ.. وقع خطى الفجرِ!
رغم الشكّ.. و رغم الأحزانِ
لن أعدم إيماني
في أنّ الشمس ستشرقُ..
شمس الإنسانِ
ناشرةً ألوية النصرِ
ناشرةً ما تحمل من شوقٍ و أمانِ
كلماتي الحمراء..
كلماتي.. الخضـراء !
 
الساحر والبركان
((أسطورة مهداة إلى الحكم العسكري))
و شَعوذَ الساحر فانطلقْ
من قُمقُمِ البحار.. ماردٌ صغير
يريد للزورق.. أن يقبّل الغرق
يريد للحريّة الحمراء
أن تقطن في كوخ.. من الورق
يريد للجذور أن تحيا بلا شجر
يريد للأشجار أن تحيا بلا ثمر
يريد للإنسان أن يموت في الحياة!
يريد أن...
و انفجر البركان !
و التهمت ساحِرَهُ النيران
فعاد للقمقمِ يستجير
بساحرٍ جديد
بساحرٍ.. ليس له وجود !!
 
أخوة ..
((إلى الذين يعرون الأخوة من جلدها,,
((و يتركونها مرتجفة في صقيع الزيف!
***
أيا سائلي في تحدٍّ و قوّهْ
أتُنشدُ ؟ أين أغاني الأخوّه؟
قصائدك السود بركان حقد
و مرجل نار، و سخط و قسوه
فأين السلام.. و أين الوئام
أتجني من الحقد و النار نشوة
و صوتُك هذا الأجشّ الجريح
صئمنا صداه الكئيبَ و شَجْوَه
فهلاّ طرحت رداء الجداد
و غنيت للحبّ أعذبَ غنوه
***
أيا سائلي! خلّ عنك العتاب !
تلوم جريحاً إذا ما تأوّه
أخوك أنا! هل فككتَ القيود التي
حَفرتَ فوق زنديَّ فجوه
أخوك أنا! من ترى زج بي
بقلب الظلام.. بلا بعض كوّه .؟
أخوك أنا ؟ من ترى ذادني
عن البيت و الكرْم و الحقل.. عنوه
تُحمّلني من صنوف العذاب
بما لا أطيق و تغشاك زهره
و تشتمني.. و تُعلّمُ طفلَك
شتمَ نَبيّ..بأرض النبوه
تشكُّ بدمعي إذا ما بكيت
و تُسرف في الظن ان سِرتُ خطوه
و تُحصي التفاتاتي المُتعبات.
فيوماً ((أشارَ)) و يوماً ((تفوّه ))
***
و إن قام، من بين أهلك، واعٍ
يبرّئُني.. تردريه بقسوه
و تزجره شاجباً ((طيشه ))
و تعلن أنَّى توجّهتَ (( لُغوَه ))!
و إما شكوتُ.. فمنك إليك..
لتحكم كيف اشتهت فيك شهوه
فكيف أغني قصائد حبٍ
و سلمٍ.. و للكُره و الحربِ سطوه
و أنشد أشعار حريه..
لقضبان سجني الكبير المشوّه
أيا لائميّ أنتَ باللوم أحرى!
إذا شئتَ أنتَ.. تكون الأخوه !!
 
السلام ...
ليُغنِّ غيري للسلامْ
ليُغنِّ غيري للصداقة، للأخوّةِ، للوئامْ
ليُغنِّ غيري.. للغراب
جذلانَ ينعقُ بين أبياتي الخراب
للبوم.. في أنقاضِ أبراجِ الحمام !
ليُغنِّ غيري للسلام
و سنابلي في الحقل تجهشُ بالحنين
للنورج المعبود يمنحها الخلود من الفناء
لصدى أغاني الحاصدين
لِحُداء راعٍ في السفوح
يحكي إلى عنزاته.. عن حّبّه الخَفِرِ الطموح
و عيونهِا السوداء.. و القدِّ المليح
***
ليُغنِّ غيري للسلام
و العينُ ما عادت تبلُّ صدى شُجيرات العنب
و فروعُ زيتوناتها.. صارت حطب
لمواقد اللاهين.. يا ويلي.. حطب!
و سياجُنا المهدودُ أوحشهُ صهيل الخيل في الطِّفلِ المهيب
و الُجرن يشكو الهجرَ.. و الإبريقُ يحلم بالضيوف
بالـ (( يا هلا )) ! .. عند الغروب
و رؤى البراويز المُغَبَّرةِ الحطيمه
تبكي على أطرافها، نُتفٌ من الصور القديمة
و حقائبُ الأطفال... أشلاءٌ يتيمه
لبثت لدى أنقاض مدرسةٍ مهدّمةٍ حزينه
ما زال في أنحائها.. ما زال يهزاُ بالسكينه
رَجعٌ من الدرس الأخير..
عن المحبة و السلام !!
***
ليُغنِّ غيري للسلام
و هناك.. خلف حواجز الأسلاك.. في قلب الظلام
جثمت مدائن من خيام
سُكّانُها..
مستوطنات الحزن و الحمّى، و سلّ الذكريات
و هناك.. تنطفئ الحياة
في ناسِنا..
في أبرياء.. لم يسيئوا للحياة !
و هنا... !
هَمَت بيّارةٌ من خلقهم.. خيراً كثير
أجدادهم غرسوا لهم..
و لغيرهم، يا حسرتي، الخير الكثير
و لهم من الميراث أحزان السنين !
فليشبع الأيتام من فضلات مأدبة اللئام !!
***
ليُغنِّ غيري للسلام..
و على ربى وطني، و في وديانه.. قُتِل السلام ؟
(الأسطر الثمانية الأخيرة من هذه القصيدة محذوفة بالشكل التالي:
)X X X X X X X X
لا نُصبَ.. لا زَهرةَ.. لا تذكار
لا بيتَ شعرٍ.. لا ستار
لا خرقة مخضوبة بالدم من قميص
كان على إخوتنا الأبرار
لا حَجَرٌ خُطّت به أسماؤهم
لا شيءَ.. يا للعار
***
أشباحُهم ما برحت تدورْ
تنبش في أنقاش كَفْر قاسم القبور
(الأسطر الثمانية الأخيرة من هذه القصيد أيضاً محذوفة بإشارة الرقيب الصهيوني...)
 
روما
روما احترقت قبل قرون
لكنَّ الجدرَ الضارب في أرضهْ
لم يفقد في النكبة معنى نبضه
روما عادت.. يا نَيرون ..
 
كرمئيــل
كرمئيــل
((مدينة الحقد و الجوع و الجماجم))
صباحَ مســاء
يطالعنا.. و جهُها و السماء
و نبسمُ.. لا بسمةَ الأغنياء
و لكنها بسمةُ الأنبياء
تَحدّاهم صالبٌ تافه
يغطي الشموس.. ببعض رداء !
***
غداً.. يا قصوراً رست في القبور
غداً يا ملاهي,, غداً يا شقاء
سيذكر هذا التراب، سيذكرُ
أنّا منحناهُ لون الدماء
و تذكر هذي الصخور رعاةً
بنوها أدعيةٍ من حداء
و تذكر أنّا..
***
هنا سِفرُ تكوينهم ينتهي
هنا.. سفر تكويننا.. في ابتداء !
 
من وراء القضبان
السجين الأول
دوريّة البوليس لا تنامْ
ما فتئت تبحر في مستنقع الظلام
تجوس كل قرية.. تطرق كل بابْ
و تَنْكُتُ العتمةَ في الأزقة السوداء
من غيظها.. تكاد أن تُقلّب الجيوب
لعابرٍ.. كان لدى أصحاب !
***
((يا بيتنا الوديع,, يا شبّاكنا المضاء
((ما أجمل السلامَ في حَلْقةِ أصدقاء
((يطالعون الشعرَ، يشربون، يَرَون من النّكات
((ما يُضحك الأحياءَ من بليّةِ الحياة !
((محارب مخضّبُ لواء
((سلاحه.. أشعار
((تقطر من حروفها الدماء !
***
و داهمت مجلسَهم دوريةُ البوليس
لتلقيَ القبضَ على محارب وِجهتُهُ النهار
. . . . . . . . . . . . .
و باتت الخمرة في الكؤوس
(حذف الرقيب الصهيوني المقطعين الثاني و الثالث من هذه الصفحة و هما على سعة سبع صفحات من الديوان)
 
رسالة من المعتقل
ليس لديّ ورقٌ، و لا قلمْ
لكنني.. من شدّة الحرّ، و من مرارة الألم
يا أصدقائي.. لم أنمْ
فقلت: ماذا لو تسامرتُ مع الأشعار
و زارني من كوّةِ الزنزانةِ السوداء
لا تستخفّوا.. زارني وطواط
وراح، في نشاط
يُقبّل الجدران في زنزانتي السوداء
و قلتْ: يا الجريء في الزُوّار
حدّث !.. أما لديك عن عالمنا أخبار ؟..؟!
فإنني يا سيدي، من مدّةٍ
لم أقرأ الصحف هنا.. لم أسمع الأخبار
حدث عن الدنيا، عن الأهل، عن الأحباب
لكنه بلا جواب !
صفّق بالأجنحة السوداء عبر كُوّتي.. و طار!
و صحت: يا الغريب في الزوّار
مهلاً ! ألا تحمل أنبائي إلى الأصحاب ؟..
***
من شدة الحرّ، من البقّ، من الألم
يا أصدقائي.. لم أنم
و الحارس المسكين، ما زال وراء الباب
ما زال .. في رتابةٍ يُنَقّل القدم
مثليَ لم ينم
كأنّه مثليَ، محكوم بلا أسباب !
***
أسندت ظهري للجدار
مُهدّماً.. و غصت في دوّامةٍ بلا قرار
و التهبتْ في جبهتي الأفكار
. . . . . . . . . . . . . .. . . . .
أماه! كم يحزنني !
أنكِ، من أجليَ في ليلٍ من العذاب
تبكين في صمتٍ متى يعود
من شغلهم إخوتيَ الأحباب
و تعجزين عن تناول الطعام
و مقعدي خالٍ.. فلا ضِحْكٌ.. و لا كلام
أماه! كم يؤلمني !
أنكِ تجهشين بالبكاء
إذا أتى يسألكم عنّيَ أصدقاء
لكنني.. أومن يا أُماه
أومن.. .. أن روعة الحياه
اولد في معتقلي
أومن أن زائري الأخير.. لن يكونْ
خفّاش ليلٍ.. مدلجاً، بلا عيون
لا بدّ.. أن يزورني النهار
و ينحني السجان في إنبهار
و يرتمي.. و يرتمي معتقلي
مهدماً.. لهيبهُ النهار !!
 
يهـوشع مــات
((على حد ما يبدو من القصيدة، فإن يهوشع هو اللفظ الآخر الذي يقصد به الشاعر به يشوع بن نون، القائد العسكري اليهودي الذي عبر الأردن من تيه سيناء، و احتل أريحا، و أحرقها..{ و كان بعد موت موسى، عبد الرب، أن الرب، كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلا*موسى عبدي قد ما
العهد القدم_ يشوع_الأصحاح الأول ))
يا حائرين في مفارق الدروب !
لا تسجدوا للشمسِ
لن يرقى لها صدى صَلاتكم
بينكمُُ و بينها سقفٌ من الذنوب
لا تسكبوا الدموع، لن ينفعكم ندم
الشمس في طريقها.. راسخةُ القدم
لا تركعوا.. لا ترفعوا أيديكم إلى السماء
تدمّرتْ و اندثرت أسطورة السماء
و أطرقتْ على متاه بؤسكم جنازة الهباء
يا حائرين في مفارق الدروب !
أغواركم خاوية.. إلا من الخواء
صلاتكم خاوية.. إلا من الخواء
يا ويلكم ! يا ويلكم
سرعان ما تغوص في أعماقكم
أظافر الغروب !
***
يهوشَعٌ ماتَ
فلا تستوقفوا الشمس، و لا تستمهلوا الغروب
سور أريحا شامخٌ في وجهكم إلى الأبد
يا ويلكم ! يا ويلكم !
سرعان ما تغوص في أعماقكم
أظافر الغروب
يَهوشَعٌ راح.. و لن يؤوب
يهوشع مات !!
 
الذئاب الحمر
حُمّت سراياك فاشربْ من سرايانا
كأساً جَرَعت بها للذلّ ألوانا
أركانُ عرشِكَ، آلينـا نقوّضها
فاحشد فلولَكَ.. حيّاتٍ و عُقبانا
أسطورة الأسَدِ المهزوم تمهرها
جداولٌ من دمٍ تجتاح (( ردفانا ))
بلادنا.. القَدَرُ المحتوم قاطنها
مُذْ كانت الشمسُ، ما لانت و ما لانا
يا عابد النار ! ما زالت مُؤَرَّثةً
على القَنال.. فماذا تعبد الآنـا
يا غازياً غُسِلتْ بالنار حملتُه
لقد فتحتَ لدفن التاج كثبانا
بلادنا.. القَدَرُ المحتوم قاطنها
مُذْ كانت الشمسُ، ما لانت و ما لانا
و طارفُ المجدِ أقسمنا نشيّده
على التليد الذي شادت ضحايانا
يا عابد النار ! ما زالت مُؤَرَّثةً
على القَنال.. فماذا تعبد الآنـا
 
توتم
((توتم_رقصة إفريقية. تمثل صراع القبيلة
((مع وحش أسطوري مخيف.. يهاجم مضاربها من
((الغابة و لكنها تنتصر عليه !..
ألسنةُ النارِ تزعردُ في أحشـاءِ الليلْ
و يُدمدم طبلْ
و تهدُّ بقايا الصمت طبولٌ ضارية و صنوج
و يَهيجُ الإيقاعُ المبحوحُ.. يهيج
فالغابة بالأصداء تموج
صرخاتُ وحوشٍ تطفو فوق هدير السيل
و أفاعٍ جائعةٌ تحت الأعشاب العملاقة تنسَلّ
و يُحلّقُ حولَ النار زنوج !
أشباحٌ ترقص حول النار
و إلى أطراف الغابة يمتد الظل
بخطى تترددُ.. هيابه
و يمزّق قلب الليل دويُّ الثار
تَوْتَمْ.. تَوْتَمْ.. تَوْتَم !
و أكفٌ سودٌ تُلهب جلدَ طبول
فتدمدم من ألمٍ.. و تدمدم
دُم دُم.. دُ.. دُ.. دُم
دُم دُم.. دُ.. دُ.. دُم
أحقاد قرون تتضرّم
و يعود يمزق قلب الليل دوي الثار
تَوْتَمْ.. تَوْتَمْ.. تَوْتَم !
و تُشَرّعُ في وهجِ النيران رماح
تنقضّ لتعصر عار عصور الظلمة بالدمّ
((الغابة قبركَ..يا استعمار !!
 
باتريــس لومومبا
باتريــس لومومبا
((شاعر الحرية و رسولها. في مجاهل
غابات الكنونغو الزنجي المعذب ! ))
لاطم الريح بالجناجين.. و اصعد.. يا حبيب الحرية المتمرّدْ
أيهذا النسر الذي راعه العيشُ بوادِ كابٍ.. ذليلٍ.. مقيّد
فتلوّى في بؤرة الوحل و الشوك.. بشوقٍ إلى السنى متوقّد
و أضاءت أحلامُه برؤى موسى، و عيسى، و أمنيات محمد
و أضاءَ الحنينَ للذروة الشماءِ.. بين النجوم.. أعلى و أبعد
فنَزاه للعلاء.. ميناؤه الشمروخ، في قمة الإباء الموطّد
***
يا هتافا، لوقعه زُلزِلَ الكونغو الحزين المعذبُ المستعبَد
أغفلته عصابةٌ ساقت الشعب عبيداً.. لأجنبيّ مسوّد
نسرَ إفريقيا العظيمَ.. نداءُ الشمسِ دوّى على الوجود و أرعد
فاستجبتَ النداءَ.. لبيكِ أمي.. غدا في أفق البطولات موعد
و شددتَ الجناح، في القلبِ نبضٌ لهبيٌ.. و أدمعٌ تتجلّد
بعد عهد من الظلامِ، طويلٍ، في سماء العبيد أشرقت فرقد
فاحمل المشعل العظيم و مزّقْ ما أراد الغزاةُ ليلاً مُخلّد !
 
في صف الأعداء
أمس استوقفني في الشارع يسأل عن (( بارْ ))
يقضي فيه بقيّةَ ليله
زنجي بحّار
يعمل عتّالا في إحدى سفن الدولار
و تحدّثنـا فإذا بي أستلطف ظلّهْ
_هل نشرب كأساً يا صاحب ؟..
و لدى مائدةٍ واجمةٍ في المقهى الثرثار
كان صديقي يشربُ.. يشربُ باستهتار
هذا الزنجيُّ يحبّ النسيان
فلماذا؟.. من أيةِ أغوار
ينبع هذا الإنسان ؟
_قل لي.. حدّثني عنكم في أميركا الحرّة
عن مدرسة البيِض، كنيستهِم، فندقهم، و عبارات
كتبتْ بالفوسفور و جابت كل الحارات:
((ممنوع إدخال كلاب و يهودٍ و زنوج )) !
_او.. وه.. اتركني باسم الشيطان
هل حولَكَ لي أُنثى؟ فقُبَيْلَ الفجر
سنُسيّبُ هذا الميناء.. و نمضي عبر الأخطار !
_حسناً ! حدثني عن وطنِ النارِ السوداءْ
هل تسمع عن أسدٍ يُصطاد
عن أدغالٍ تهوي تحت الليل رماد
عن حقل مزروع شهداء
عن شعب يَنْبَتُ في أرضٍ
بدماء القتلى مرويّه
عن شمسٍ تولّد حاملةً
خبزاً.. أحلاماً.. حريّه
هل تسمع عن افريقيّة ؟!
_أسمع.. أسمع.. دقات طبول (( السمبا ))
و أرى الحسناء الزنجيّه
تترجرج كالنار الغضبى
في رقصة حبّ دمويّه
_حسناً.. حسناً.. حدّث عن كوبا
هل تعرف شيئاً عن شعبٍ
ما عاد مسيحاً مصلوبا
لو أنشد هذي الليلةَ أغنيّه
_كوبا؟ لو أحمل هذه الليلة قيثاره أغنيّه
فتزاح ستاره
عن جسدٍ بضّ في إحدى الشرفات
***
يا ساقية الحانه
وَيْلمِّكِ.. فارغةٌ كأسي
و أنا ما زلتُ أُحُسُّ على عنقي، رأسي
و رفيقُكِ.. ما لرفيقِكِ أخمدَ ألحانه ؟ ..
أمس استوقفني في الشارع يسأل عن بار
و اليوم صباحاً كان من الأخبار
أمريكيٌ أبيض مات
مات و في شفتيه نداءٌ:
فلتسقط كلمات
كتبت بالدمّ و بالأحزان
فليسقط عارُ الإنسان
يرفعه الفاشست على وحل الرايات
((ممنوع إدخال كلابٍ و يهود و نزنوج )) !
 
من أجل
من أجل صباح !
نشقى أياماً و ليالي
نحمل أحزان الأجيالِ
و نُكوكِبُ هذا الليل جراح !
***
من أجل رغيف !
نحمل صخرتنا في أشواك خريف
نعرى.. نحفى.. و نجوع
ننسى أنّا ما عشنا فصلّ ربيع
ننسى أنّا..
خطواتٌ ليس لهنّ رجوع !!
 
عروس النيل
أسمعُهُ.. أسمعُهُ !
عبرَ فيافي القحط، في مجاهلِ الأدغال
يهدرُ، يَدْوي، يستشيط
فاستيقظوا يا أيها النيام..
ولْنبتنِ السدود قبل دهمة الزلزال
تنبهوا.. بهذه الجدران
تنزل فينا من جديد نكبة الطوفان !
***
لمن تُزَيّنونَها.. حبيبتي العذراء !
لمن تبرّجونها ؟
أحلى صبايا قريتي.. حبيبتي العذراء !
حسناؤنا.. لمن تُزَفّ ؟
يا ويلكم، حبيبتي لمن تُزَفّ
لِلطّمْيِ، للطحلب، للأسماك، للصّدف ؟
نقتلها، نُحْرَمُها، و بعد عام
تنزل فينا من جديدٍ نكبةُ الطوفان
و يومها لن يشفع القربان
يا ويلكم، أحلى صبايا قريتي قربان
و نحن نستطيع أن نبتنيَ السدود
من قبل أن يداهمنا الطوفان !
***
بَدارِ.. باسم الله و الانسان
فانني أسمعُهُ.. أسمعُهُ :
و لي أنا.. حبيبتي العذراء !!
 
الجنود
الجنــود
قوموا اخرجوا من قَبْوِكم، يا أيها النيام !
اليوم للأعراس
دُقّوا له الأجراس
و ارفعوا الأعلام
لاقُوه في حماس
لاقوه بالهتاف.. بالأفراح.. بالأغاني
هبّوا اصنعوا أعظم مهرجانِ
غَطُّوا المدى بأغصنِ الزيتون
و طيّروا الحمام
جاءكم السلام
يا مرحبا.. جاءكم السلام !
نحن على الحدود
نحن على الحدود.. لا ننام
أكُفُّنا لصيقةٌ على مقابض الحديد
عيوننا ساهرةٌ.. تجود في الظلام
قلوبنا تدق في انتظارهم..
أعدائما الغزاة
نحن تعلّمنا.. تعلّمنا..
أن نسلب الحياة !
***
نحن على الحدود.. كالكلاب، كالقرصان !
لا نعرف الهدوء.. لا ننام
فاستقبلوه.. استقبلوا السلام
عاش السلام.. عاش السلام !!
 
إلى صاحب ملايين
نَمْ بين طيّاتِ الفراش الوثيرْ
نَمْ هانئَ القلب، سعيداً، قريرْ
فكل دنياك أغَاني سرور !
***
المال في كفّيـك نهـر عزير
و القوت، أغلاهُ، و أغلى الخمور
و ألفُ صنفٍ من ثياب الحرير
و الصوف و السجاد، منه الكثير
(( و كادِلاك )).. في رحاب القصور
و الغيد، و اللحن و سحر الدهور !
نَمْ خالياً.. لا قارَبَتْك الشرور
و كلّ ما تبغيه.. حتماً يصير
إن شئت.. فالليل صباح منير
أو شئت.. فالقفر ربيع نضير
و القبر إن ترغبْ.. حياةٌ و نور
و اطلب.. ففي الجلمود يصفو غدير
و الآن ! يا نجلَ العلى يا أمير
يا عالي المقامِ.. يا .. يا خطير
يا تاجَ رأسي.. يا زعيميَ الكبير
إسمحْ لهذا الشيء.. هذا الفقير
إسمح له بكلمةٍ لا تضير
عندي سؤالٌ مثل عيشي حقير
أرجوك أن تسمعه، ألاّ تثور
من أين هذا المال.. يا (( مليونير )) ؟!
 
المطر والفولاذ
و ينتصب المصنع الماردُ
إلهاً.. كلانـا لـه عابدُ
و تَدوي الدواليبُ مزهوةً
و يدري بنا شوقُنا الصامدُ
فيا سُحُبَ الغيثِ مُدّي يداً
سحابُ مداخننا صاعد
و صبّي الحياة على شرقنا
فقد هيّأَ المنجل الحاصد
و آلتنا وَعَدَتْ طفلَنــا
بكعكٍ.. فهل يكسف الواعد ؟
***
تهلّل بنا يا غداً لم يكن
سوى مطمحٍ.. فالسنى عائد
تهلّل! ستخضرّ أشواقُنا
و ينبض شريانُها الخامدُ
ففي كل أُفقٍ لنا مشرقٌ
و في كلِّ دربٍ لنا رائد
و مِغْزَلُنا بعد طول انتظارٍ
تحرّكَ منوالهُ البارد
و ضم غيوم البحار و غيم الـ
مصانعِ.. منهجُنا الواحد
إذا ماتَ من يأسِهِ عاجزٌ
فإنّ الرجاءَ.. بنا خالد
 
السرطان
((إلى قابين و هابيل العصر اللذين
لم يصرع بعد، أحدهم الآخر !؟؟))
_1_
شواهد الرخام
تجثمُ في الطين، تغطي الشاطئَ المديد
و لم تزل سفائن العبيد
مُثقَلةً بالنارِ، بالسموم، بالحديد
تَمخرُ بحر الدمع و الصديد
و خلفها مدائن الموتى
و الصمتُ، و الخراب، و الدخان
و في مغاور المدى الدفينِ في الظلام
يَعوِي مخاضُ الرعب و القَتامْ
و السرطان يُطفئُ الشمس و يستفيق
يشبّ من شهوتِه حريق
متى تزلزل الوجود صرخة اللئام؟
إلى الأمام.. إلى الأمام !!..
_2_
من ألفِ ألفِ عام
لا يَنْشفُ السكينُ.. و الجراحُ لا تنام
حمائمُ القماش في الفضاء
مطلقة بالمعدنِ الممسوخِ.. بالرياء
و خلف بيرق السلام
تَغلي صنابيرُ الدماء
و يرجف التراب في الأعماق
و يَهْلَعُ الاسفنجُ في القيِعان
و الرعب يُقلِقُ النجوم
و السرطان يطفئُ الشمس و يستفيق
ينتظر الدم المراق
و فُضلة الجذورِ و العظام
من ألف ألف عام
_3_
مفترق الطريقِ
من أين يا قوافلَ الرقيق ؟
في أي شعْبٍ تزحفين ؟
لأي أُفْق ترحلين ؟
تمهلوا يا حاملي الصخور
تمهلوا.. مفترق الطريق
و البحر من ورائكم يموجُ
و العدو من أمامكم يموج
و الشواظ.. و الحريق
يُفَزِّع الغِلال و المروج
و الصخرُ في الأغوار
يضخمُ.. يعلو.. ينذرُ الخليج
و خلفكم، يا ضائعون، ماتت الشطآن
و لم يعد مكان
تُغرَسُ في جراحه شواهد الرخام
خلفكمو لم يبق غير البومِ و الديدانِ و الغربان
و الرّعبِ، و الأوباءِ، و الظلام
و القيظِ، و الصدى، و الازدحام
و خطوة المصير في مفترق الطريق
و السرطان !
يطفئ الشمس و يستفيق !!
 
طفل يعقوب
((إلى فمك بالبوق، كالنسر على بيت
الرب، لأنهم قد تجاوزوا عهدي،
و تعدوا على شريعتي )).. التوراة
من هذا الصخر.. من الصلصالْ
من هذي الأرض المنكوبه
يا طفلاً يقتُل يعقوبَهْ
نعجن خبزاً للأطفال !
من ترمي في ليلِ الجُبِّ
أُنظر.. و احذر
من حفرة غدرٍ تحفرها في دربي
يا خائنَ عهدِ الربِّ !!
 
اقطاع
يا ديداناً تحفر لي رمسي
في أنقاض التاريخ المنهار
لن تسكت هذي الأشعار
لن تخمد هذي النار
ما دامت هذي الدنيا
ما دمنا نحيا
في عصر الاقطاع النفسي
فسأحمل فأسي
سأشُجُّ حماقات الأوثان
و سأمضي.. قُدماً، قُدماً، في درب الشمسِ
باسم الله الطيب.. باسم الانسان !!
 
الانسان الرقم
رفَعَ المقعدُ لي نظارتيه
سيدي ماذا تريد ؟
و مضى.. بالقلم المسلول، و الوجه الكليل
يحرث الأوراق في صمت بليد
و الحروف الصمّ و الأرقام ثلجٌ في يديه :
سيدي.. ماذا تريد ؟
***
و تنحنحتُ.. أنا أبحثُ عن نفسي هنا
رَقَمي.. خمسةُ آلافٍ و تسعه
***
و مضى يبحث عن خمسةِ آلافٍ و تسعه
ليس يعنيه (( أنا )) !
***
ثم عاد الأخطبوط الأصفر الشاحبُ من وعرِ الرحيل
غاضباً.. بالقلم المسلول و الوجه الكليل :
(( سيدي.. ليس له أي وجود )) !!
***
ثم عاد المقعد الميّتُ يجثو من جديد
كُوَمَ الأوراقِ
يغتالُ الحروفَ السودَ و الأرقامَ في صمتٍ بليد
***
رقمي ليس له أي وجود
و (( أنا )) .. ليس له.. أي وجود !!
 
مرثيــة أغنية قديـمة
كم استثرتِ عندهم كوامنَ الأشواق
كم كنتِ بينهم حمامة السلام
فعاودتْ قلوبَهم نوازغُ الغرام
و دمعت عيونهم من الفرح
فاختصروا العتاب
و عمّروا مجالس الشراب
***
من سنةٍ.. آخرهم.. يرحمه اللهُ
و يومها..
_و لم يكن يفهم ما تحكين إلاّهُ_
من سنةٍ يرحمكَ الله !
يا طابعاً أهمله البريد
فلن يُعيد
من حلوةٍ جواب
لمدنفٍ مُتيّمٍ.. لن يجمع الأحباب
***
لن تستثيري عندهم كوامنَ الأشواق
لن تبعثي أجدادَنا العشاق
يا جدّةً طاهرةَ الرفات
يا حيّةَ الممات..
يا مَيْتَةَ الحياة !!
 
درب الحلــوة
عيناك!!.. و ارتعش الضياء بسحر أجمل مقلتينْ
و تلفّتَ الدربُ السعيد، مُخدّراً من سكرتين
و تبرّجَ الأُفُقُ الوضيء لعيد مولد نجمتين
و الطير أسكتها الذهول، و قد صدحتِ بخطوتين
و الوردُ مال على الطريق يودّ تقبيل اليدين
و فراشةٌ تاهت إلى خديكِ.. أحلى وردتين
ثم انثنيت للنور في عينين.. لا.. في كوكبينْ
و نُحَيْلةٌ همْتْ لتمتص الشذى من زهرتين
رحماك!.. ردّيها.. و لا تقضي بموتي مرتين
فأنا.. أنا دوّامةٌ جُنّت ببحرٍ من لُجين
أصبحتُ، مذ نادى بعينيك السبيل.. كما ترين
سُكْرٌ غريب الخمر.. منكِ.. اجتاحني قلباً و عين
ماذا؟.. أحُلماً ما أرى.. أم واقعاً.. أم بين بين
يا طلّة الأسحار قلبي ذاب في غمّازتين
و ثوى هنالك ناسكاً، ما حمّلَ المعبودَ دَين
يا حلوة العينين، إنكار الهوى زورٌ، و مَيْن
فتشجّعي .. و بقبلةٍ صغرى أبيعك قبلتين
و تشجّعي .. و الحبّ يخلقُ هيكلاً من هيكلين
إن تعطِني عيناكِ ميعاداً ألمّ الفرقدين
أيكون من حظي لقاءٌ يا ترى ؟ و متى ؟ و أين ؟ ..
 
يوم الأحد
 ((إلى الجنة الحزينة.. و اللقاء الأول..
و شجرة الكرمل ))
***
المواعيد سَهتْ عن موعدي
فتشـرّدتُ بتيـه الأبـَدِ
أنكرتْ سود الليالي أرَقي
و جناح الدفء جافي مرقدي
و القتينا صدفةً قِدّيسةً
جمعتْ قلبين يومَ الأحدِ
فغدى يوم المسيح المفتدى
بدءَ تاريخي، و ذكرى مولدي
***
حلوتي، يا جنّةً مخزونةً
أنا من قبلُ، بها لم أنشد
طائري ما كان يبني عُشّه
في جِنانِ الحب لو لم توجدي
فاحضنيني.. أدمعاً حائرةً
أقسم الحرمان ألاّ تهتدي
رُوِيتْ منها قلوبٌ جّمّةٌ
و أنا.. منبعُها الثرّ.. الصدي
عانقيني بهجةً ناسكةً
غير أرباب الهوى لم تعبدِ
و خيالاتٍ تجلّت في دُنىً
لم تطُفْ أشباحها في خَلَدِ
عالمٌ للروح طوّفت به
شطه استعصى على كل يد
أنا أهواكِ.. هوىً نيرانُه
اتخذت أحطابها من جسدي
طهّرتْ روحي، و مسّتْ شفتي
فإذا فيها الذي لم يُعهَدِ
قُبَلٌ تسألني عن شفةٍ
لم تنَلْ.. كالوهم في ظنِّ الغد
و حروف يسجد الوحيُ لها
لسوى عاطفتي لم تسجد
يا ابنة الأحلام في غيبوبتي
جسّدي أحلامَ حبي.. جسّدي
المواعيد التي لم نَحْيَها
أمسِ.. نحياها غداً.. في موعدِ
 
غوانتانامو
هنا يَفسُدُ الملحُ. يأسنُ ماءُ الينابيعِ. يؤذي النسيمُ. ويُعدي الغمامُ
هنا تثلجُ الشمسُ. مبخرةُ الثلجِ تُشعلُ شعرَ الحواجبِ والأنفِ. تدنو الأفاعي. وينأى الحمامُ
هنا يسهرُ الموتُ في اليومِ دهراً. وروحُ الحياةِ تنامُ نهاراً ودهراً تنامُ
بكاءُ الرجالِ هنا. وبكاءُ النساءِ. ليضحكَ ملءَ البكاءِ لئامٌ لئامُ
هنا غوانتانامو..
وجوهٌ وما من وجوهٍ. وصوتٌ ولا صوتَ. والوقتُ لا يعرفُ الوقتَ. لا ضوءَ. لا همسَ. لا لمسَ. لا شيءَ. لا شمسَ. ليلٌ. وليلٌ يجبُّ النهارْ
وقيدٌ يُسمَّى السِّوارْ
وقيدٌ دماءٌ. وقيدٌ دمارْ
وراءَ الجدارِ. وراءَ الحديدِ. وراء الجدارْ
هنا قلقٌ لا يفيقُ. هنا أرقٌ لا ينامُ
هنا غوانتانامو..
تدفُّ رفوفُ العصافيرِ رُعباً. وتخفقُ أجنحةُ الموتِ في فخِّ أسلاكِهِ الشائكهْ
ويسطو طنينُ الذبابِ على ثَمَرِ الأعينِ الهالكهْ
وتعلو على لهبِ الدمِّ والدّمعِ أبخرةٌ فاتكهْ
ويهوي الظلامُ
هنا غوانتانامو..
أتعلمُ أُمُّكَ أنّكَ تذوي حنيناً إليها؟ أتعلمُ أمّكَ يا أيّهذا الأسيرُ الغريبْ
أتعلمُ أنّك تلمحُ في الموتِ كفَّ الطبيبْ
أتعلمُ أمكَ أنكَ في ربقةِ الأسرِ تحلمُ حرّاً
بدفءِ يديها
وتبكي عليكَ. وتبكي عليها
وأنّك تدعو وتدعو. وأنّ السماواتِ لا تستجيب
لأنك في غوانتانامو
وبعضُ الدّعاءِ مَلامُ..
تضنُّ القلوبُ بأسرارها. ويبوحُ المسدَّسُ. ما الحلُّ؟
يا جنرالَ الظلامِ . ويا سيّدَ النفطِ والحلِّ والرّبطِ . ما الحلُّ
يا سيّدَ البورصةِ الخائفهْ
ويا قاتلَ الوقتِ في رَحْمِ ساعاتِنا الواقفهْ
إلى أين تمضي جنائزُ أحلامِك النازفهْ
إلى أين يمضي السلامُ؟
إلى أين يمضي الكلامُ؟
إلى غوانتانامو..
تعيشُ اللغاتُ هنا. وتموتُ اللغاتْ
على الملحِ والدمعِ والذكرياتْ
وتؤوي بقايا الرفاتِ بقايا الرفاتْ
وأحذيةُ الجندِ لا تستريحُ. وقبضاتُهم لا تريحُ. وما من شرائعَ. ما من وصايا. ولا دينَ. لا ربَّ. لا شرقَ. لا غربَ. ما من حدودٍ. وما من جهاتْ
هنا كوكبٌ خارجَ الأرضِ. لا تُشرقُ الشمسُ فيه. وما من حياةٍ عليه. وما من حروبٍ. وليسَ عليه سلامُ
هنا كوكبٌ خارجَ الجاذبيَّهْ
وما من معانٍ إلهيَّةٍ تدَّعيهِ
وما من رؤىً آدميَّهْ
ظلامٌ
ظلامٌ
ظلامُ
هنا.. غوانتانامو..
جناحُ الفراشةِ ينسى زهورَ الربيعِ. جناح الفراشةِ ينسى الربيعَ القديمَ الجديدَ القريبَ البعيدَ. ويسقطُ في النارِ. لا طَلْعَ. لا زرعَ. كفُّ الأسيرِ جناحُ الفراشةِ. مَن أشعَلَ النارَ في البدءِ؟ مَن أرهبَ النسمةَ
الوادعَهْ
ومن أرعبَ الوردةَ الطالعهْ
لتسقطَ كفُّ الأسيرِ. ويسقطَ قلبُ الطليقِ. على لهبِ الفاجعَهْ
ويرحلَ بالراحلينَ المقامُ
إلى غوانتانامو..
كلامٌ جميلٌ عن العدلِ والظلمِ. والحربِ والسلمِ. في مجلسِ الحسنِ والصونِ والأمنِ. في كافيتيريا الرصيفِ. وفي البرلمانِ. وفي المهرجانِ. وبين القضاةِ. وفي الجامعاتِ. كلامٌ غزيرٌ. وحلوٌ
مريرٌ. ومَرَّ الكرامِ يمرُّ عليه الكرامُ
ويمضي الصدى. ويضيعُ الكلامُ
ولا شيءَ يبقى سوى.. غوانتانامو..
ويبقى غبارٌ على صُوَرِ العائلهْ
ووجهٌ يغيبُ رويداً رويداً. وتشحُب ألوانُه الحائلهْ
وسيّدةٌ عُمرُها ألفُ عُمرٍ. تقاومُ قامتُها المائلهْ
لترفعَ عينينِ ذابلتينِ إلى صورةِ الأُسرةِ الذابله
"تُرى أين أنتَ؟"
"متى ستعودُ؟"
"وهل ستعودُ قُبيل رحيلي؟"
"لأمِّك حقٌّ عليكَ. ترفَّقْ بأمِّك يا ابني. تعالَ قليلاً. ألستَ ترى أنّني راحلهْ؟"
"تُرى أين أنتَ؟"
وتجهلُ أُمُّ الأسيرِ البعيدِ مكاناً بعيداً
يسمُّونَهُ غوانتانامو
وتبكي.. وتبكي عليها العنادلُ. تبكي النسورُ. ويبكي اليمامُ..
هنا وطنُ الحزنِ من كلِّ جنسٍ ولونٍ. هنا وطنُ الخوفِ والخسفِ من كلِّ صنفٍ. هنا وطن السحقِ والمحقِ والموتِ كيف تشاءُ المشيئةُ موتٌ ترابٌ. وموتٌ رخامُ
هنا غوانتانامو
أراجيحُ ضوءٍ شحيحٍ عقاربُ ساعتِهِ المفلتهْ
ورقّاصُ ساعتِهِ الميّتهْ
هنا غوانتانامو
يغنّي المغنّي الأسيرُ دماً. يا صديقي المغنّي
لجرحِكَ إيقاعُ جرحي
لصوتِكَ أوتارُ حزني
لموتِكَ ما ظلَّ لي من حياتي
وما ظلَّ للموتِ منّي
وكلُّ زمانٍ هُلامُ
وكلُّ مكانٍ هُلامُ
سوى غوانتانامو..
لبرجِ المراقبةِ الجهْمِ أن يستثيرَ الرياحَ وأن يستفزَّ الجهاتْ
وللحارسِ الفظّ أن يشتُمَ الأمَّهاتْ
وللثكناتِ .. وللأسلحهْ
ممارسةُ الحلمِ بالمذبحهْ
وللزيتِ والشَّحم والفحمِ أن تتحدّى طموحَ الزهورِ
وأن تتصدّى لتوقِ النباتْ
وللقبضاتِ. وللأحذيهْ
معاقبةُ الأغنيهْ
وقمعُ الصَّلاةْ
هنا ما يشاءُ النِّظامُ
وفوضى تُرتِّبُ فوضى
ويُسكِتُ جوعاً صِيامُ
هنا غوانتانامو..
ينامون بين الأسرَّةِ والريحِ. أهدابُهم في النجومِ. وأطرافُهم في مياهِ المحيطِ. ينامونَ صفراً عُراةً وسوداً وبيضاً عراةً وسُمراً عُراةً. لحافُ السماءِ غطاءٌ ثقيلٌ. ينامون بين شفيرِ الجحيمِ وحبلِ الخلاصِ.
وهل من خلاصٍ سوى ما تُتيحُ حبالَ المشانقِ؟ هل من خلاصٍ سوى ما تُتيحُ حبالُ المشانقِ؟ مَن يُصدرُ الحُكمَ يا حضراتِ القضاةِ الغزاةِ الطغاةِ؟ ينامون أسرى الحنينِ وأسرى الجنونِ. ولا نومَ . لا صحوَ. ما
من أسِرَّهْ
سوى شُهُبٍ من شظايا المجرَّهْ
وما من لحافٍ سوى ما يُهيل القتامُ
على غوانتانامو
وأكفانِ حزنٍ. ونيرانِ حَسْرَهْ
هنا غوانتانامو
تقولُ الدساتيرُ ما لا تقولُ البنادقْ
تقولُ المغاربُ ما لا تقولُ المشارقْ
تقولُ الأراجيحُ ما لا تقولُ المشانقْ
يقولُ الأساطينُ في فنِّ قتلِ المحبَّةِ. ما لا
تقولُ أناشيدُ عاشقْ
فماذا يقولُ لنا الاتهامُ؟
وماذا يقولُ لنا غوانتانامو؟
وماذا يقولُ رمادُ المحارِقِ. ماذا يقولُ رمادُ المحارقْ؟
وماذا يقولُ زجاجُ النوافذِ للشمسِ والريحِ؟ ماذا
يقولُ القميصُ العتيقُ لعاصفةِ الرملِ والثلجِ؟ مِن
أينَ تأتي الأفاعي إلى غُرفِ النّوم؟ ما يفعلُ الطفلُ
بالقنبلهْ
وكيف يردُّ الذبيحُ على الأسئلهْ
وماذا تقولُ لصاعقةٍ سُنبُلهْ
وماذا تقولُ الصبيّةُ بعد اقتناصِ أبيها
وكيف يجيبُ الغُلامُ
على غوانتانامو؟
لأنَّ دماءَ المسيحِ تسحُّ على شُرفةِ الأرضِ
من شُرفةِ الآخرهْ
لأنَّ دموعَ النبيّينَ تنفعُ إن لم تعُدْ تنفع الآصرهْ
وتَشفع للأُممِ الصابِرهْ
لأنّ الخليقةَ مؤمنَةٌ أوّلَ الأمرِ بالله. موعودةٌ
آخرَ الأمرِ بالرحمةِ الغامرهْ
لأنّ النفوسَ البسيطةَ طيّبةٌ غافرهْ
فهل تتخلَّى السماءُ؟ وهل يستريحُ الأنامُ
إلى الصمتِ والموتِ في غوانتانامو؟
لإيكاروسِ العصرِ حكمةُ ذيذالوسِ العصرِ..
O.K... فهمنا الرسالةَ. لكنَّ أجنحةَ الطائراتِ الرهيبةِ أقوى من الرّيشِ والريحِ. أسرعُ من نبضةِ القلبِ في قلعةِ البنتاغونِ القصيَّهْ
ويسقطُ إيكاروسُ العصرِ. تسقطُ حكمةُ ذيذالوسِ العصرِ،
بين المارينـزِ وحاملةِ الطائراتِ العصيَّهْ
وتبقى التفاصيلُ. لكنْ تضيعُ القضيَّهْ
ويبقى الحلالُ. ويبقى الحرامُ
ويبقى النـّزيفُ على غوانتانامو..
متى تسقطُ الكأسُ من كفِّ يوضاسَ؟ أين الوصايا؟ وأين المرايا؟ أليسَ هنا أَحَدٌ؟ أين أنتم؟ وهُم؟ أين نحنُ؟ وأين قضاةُ النظامِ الجديدِ؟ ألم يفرغوا من طقوسِ العشاءِ الأخيرِ؟ ومن خطّةِ الضَّربِ والصَّلبِ؟ أين رُعاةُ
الحقوقِ؟ وأينَ حُماةُ الحدودِ؟ ألم يشبعوا من طعامِ العشاءِ الأخيرِ؟ ألم يكفِهم جسدي خبزهم ودمي خمرهم؟ يتخمونَ على رسلِهم. يثملونَ على رِسلِهم. يصخبونَ. وشاهدةُ القبرِ بينهم المائدهْ
ووجبتُهم جثّتي الخامدهْ
هنا غوانتانامو
هنا تتهاوى النواميسُ. يسقطُ سرُّ اللّغاتِ. هنا تتشظّى الجراحُ. هنا تتلظّى الرياحُ. متى تنهضُ الشمسُ من قبرِها؟
متى تُسفرُ الأرضُ عن فجرِها؟
متى تتصدَّى حياةٌ لموتٍ؟ متى تتحدّى الحروبَ السلامُ؟
كفى غوانتانامو
كفى غوانتانامو
كفى غوانتانامو
كفى
 
البيان قبل الأخير ..
البيان قبل الأخير عن واقع الـحال مع الغزاة الّذين لا يقرأون
----------------
لاَ. لاَ تَعُدُّوا الْعَشَرَهْ..
يَوْمُ الْحِسَابِ فَاتَكُمْ
وَبَعْثَرَتْ أَوْقَاتَكُمْ
أَرْقَامُهَا الْمُبَعْثَرَهْ
فَلاَ تَعُدُّوا الْعَشَرَهْ...
تَدَفَّقُوا مِنْ مَجْزَرَهْ
وَانْطَلِقُوا فِي مَجْزَرَه
أَشْلاَءُ قَتْلاَنَا عَلَى نَهْرِ الدِّمَاءِ قَنْطَرَهْ
فَلاَ تَعُدُّوا الْعَشَرَهْ..
تَزَوَّجُوا دَبَّابَةً
وَأَنْجِبُوا مُحَنْزَرَهْ
وَحَاوِلُوا
وَعَلِّلُوا
وَقَاتِلُوا
وَقَتِّلُوا
كُلُّ شَهِيدٍ غَيْمَةٌ
تَصْعَدُ مِنْ تُرَابِنَا
تَهْمِي عَلَى حِرَابِكُمْ
وَمَرَّةً أُخْرَى وَرَاءَ مَرَّةٍ أُخْرَى
يَعُودُ غَيْمَةً مِنْ بَابِنَا
كُلُّ شَهِيدٍ غَيْمَةٌ
كُلُّ وَلِيدٍ شَجَرَهْ
فَلاَ تَعُدُّوا الْعَشَرَهْ..
يَا أَيُّهَا الآتُونَ مِنْ عَذَابِكُمْ
عُودُوا عَلَى عَذَابِنَا
عُودُوا إِلَى صَوَابِنَا
أَلشَّمْسُ فِي كِتَابِنَا
فَأَيُّ شَيْءٍ غَيْرَ هَذَا اللَّيْلِ فِي كِتَابُكُمْ
يَا أَيُّهَا الآتُونَ مِنْ عَذَابِكُمْ
لاَ. لاَ تَعُدُّا الْعَشَرَهْ
وَغَازِلُوا قَاذِفَةً
وَعَاشِرُوا مُدَمِّرَهْ
وَأَتْقِنُوا الْمَكَائِدَ الْمُحْكَمَةَ الْمُدَبَّرَهْ
خُذُوا دَمِي حِبْرًا لَكُمْ
وَدَبِّجُوا قَصَائِدَ الْمَدِيحِ
فِي الْمَذَابِحِ الْمُظَفَّرَهْ
وَسَمِّمُوا السَّنَابِلْ
وَهَدِّمُوا الْمَنَازِلْ
وَأَطْلِقُوا النَّارَ عَلَى فَرَاشَةِ السَّلاَمْ
وَكَسِّرُوا الْعِظَامْ
لاَ بَأْسَ لَوْ تَصِيرُ مَزْهَرِيَّةً
عِظَامُنَا الْمُكَسَّرَهْ
لاَ. لاَ تَعُدُّوا الْعَشَرَهْ
مَنْ أَوْصَدَ السِّحْرَ عَلَى قُلُوبِكُمْ؟
مَنْ كَدَّسَ الأَلْغَازَ فِي دُرُوبِكُمْ؟
مَنْ أَرْشَدَ النَّصْلَ إِلَى دِمَائِنَا؟
مَنْ دَلَّ أَشْبَاحَ الأَسَاطِيرِ عَلَى أَسْمَائِنَا؟
مَنْ أَشْعَلَ الْفَتِيل؟
مَنْ لاَطَمَ الْقَتِيلَ بِالْقَتِيلْ؟
لاَ تَسْأَلُوا
لاَ تَقْبَلُوا
لاَ تَعْبَأُوا بِالدَّمْعَةِ الْمُفَكِّرَهْ
وَلاَ تَعُدُّوا الْعَشَرَهْ..
مِنْ هَهُنَا كَرَّتْ جُيُوشٌ مِثْلَكُمْ
وَهَهُنَا فَرَّتْ جُيُوشٌ قَبْلَكُمْ
فَاقْتَحِمُوا
وَالْتَحِمُوا
وَأَخْطِئُوا
وَاتَّهِمُوا
مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا لَكُمْ
قَاضٍ، بِمَا تَرَوْنَهُ حَقًّا وَعَدْلاً يَحْكُمُ
وَنَحْنُ لَسْنَا غَيْرَ اُسْطُوَانَةٍ مُكَرَّرَهْ
أَقْوَالُنَا. فِي عُرْفِكُمْ. مُزَوَّرَهْ
كُوشَانُنَا، شُهُودُنَا، عُقُودُنَا مُزَوَّرَهْ
وَجَدُّنَا مُزَوَّرٌ
وَأُمُّنَا مُزَوَّرَهْ
وَلَحْمُنَا وَدَمُّنَا شَهَادَةٌ مُزَوَّرَهْ
لاَ.. لاَ تَعُدُّوا الْعَشَرَهْ...
جِئْتُمْ
إِذَنْ، فَلْيَخْرُجِ الْقَتْلَى إِلَى الشَّوَارِعْ
وَلْيَخْرُجِ الآبَاءُ وَالأَبْنَاءُ.. لِلشَّوَارِعْ
وَلْتَخْرُجِ الأَقْلاَمُ وَالدَّفَاتِرُ الْبَيْضَاءُ
وَالأَصَابِعْوَلْتَخْرُجِ الْمَكَاحِلْ
وَخُصَلُ النَّعْنَاعِ وَالْجَدَائِلْ
وَلْتَخْرُجِ الأَفْكَارُ وَالأَشْعَارُ وَالآرَاءُ
وَالْفَصَائِلْ
وَلْيَخْرُجِ الْمُنَظِّرُ الْمُبَشِّرُ الْمُقَاتِلْ
وَلْتَخْرُجِ الأَحْلاَمُ مِنْ كَابُوسِهَا
وَلْتَخْرُجِ الأَلْفَاظُ مِنْ قَامُوسِهَا
وَلْتَخْرُجِ الْبُيُوتُ وَالْوَرْشَاتُ والْمَزَارعْ
وَلْتَخْرُجِ الْمِحْنَةُ وَاللَّعْنَةُ لِلشَّوَارِعْ
وَلْتَخْرُجِ النَّكْبَةُ وَالنَّكْسَةُ لِلشَّوَارِعْ
وَلْيَخْرُجِ الدَّجَاجُ وَالسِّيَاجُ لِلشَّوَارِعْ
وَلْتَخْرُجِ الْبُطُونُ وَالأَفْخَاذُ وَالأَحْلاَفُ
وَالأَحْزَابْ
وَلْتَخْرُجِ الأَدْيَانُ وَالشَّرَائِعْ
وَلْتَخْرُجِ الأَشْيَاءُ وَالأَسْمَاءُ وَالأَلْقَابْ
وَلْيَخْرُجِ الْحُبُّ عَلَى أَجْنِحَةِ الضَّغِينَهْ
أَبْيَضَ فِي أَزِقَّةِ الْمُخَيَّمْ
أَسْوَدَ فِي كُوفِيَّةِ الْمُلَثَّمْ
أَخْضَرَ فِي حَارَاتِنَا الْحَزِينَهْ
أَحْمَرَ فِي انْتِفَاضَةِ الْقَرْيَةِ
وَالْمَدِينَهْ
وَلْتَخْرُجِ الأُهْزُوجَةُ الشَّعْبِيَّهْ
وَلْتَخْرُجِ الْقَضِيَّهْ...
حِئْتُمْ
إِذَنْ فَلْتَخْرُجِ السَّاحَاتُ وَالشَّوَارِعْ
فَيْضًا مِنَ النُّورِ
عَلَى الْعَتْمَةِ فِي السَّاحَاتِ وَالشَّوَارِعْ
سَدًّا مِنَ اللَّحْمِ
عَلَى مَدٍّ مِنَ الْفُولاَذِ وَالْمَطَامِعْ
أَلْكُلُّ.. لِلسَّاحَاتِ وَالشَّوَارِعْ
وَالْكُلُّ.. فِي السَّاحَاتِ وَالشَّوَارِعْ
وَلْتُدْرِكِ الْمَصَارِعُ الْمَصَارِعْ
وَلاَ تَعُدُّوا الْعَشَرَهْ
لاَ. لاَ تَعُدُّوا الْعَشَرَهْ...
جِئْتُمْ
إِذَنْ فَلْيَأْخُذِ الْفُولاَذُ مَا يَشَاءْ
وَلْتَأْخُذِ الْهِرَاوَةُ الْحَمْقَاءْ
وَلْيَأْخُذِ الْمَطَّاطُ وَالرَّصَاصْ
وَلْتَأْخُذِ الأَسْلاَكُ وَالْغَازَاتُ مَا تَشَاءْ
أبْرَقَتِ الْكَآبَهْ
فِي أُفُقِ الْكَوَارِثِ الصَّمَّاءْ
وَأَرْعَدَتْ إِرَادَةُ الْخَلاَصْ
فَلْتَخْتَصِرْ تَارِيخَهَا السَّحَابَهْ
وَلْتُمْطِرِ الدِّمَاءْ
وَلْتُمْطِرِ الدِّمَاءْ
وَلْتُزْهِرِ السُّفُوحُ وَالسُّهُولُ وَالْوِدْيَانْ
قَتْلَى وَزَيْتُونًا وَزَعْفَرَانْ
وَلْتَقْدَحِ الشَّرَارَهْ
بِحِكْمَةِ الْحِجَارَهْ
وَلْيَخْتَرِعْ إِنْسَانَهُ الإِنْسَانْ
فَلاَ تَعُدُّا الْعَشَرَهْ
وَلاَ نَعُدُّ الْعَشَرَهْ
تَرَاجَعَ الصِّفْرُ إِلَى الصِّفْرِ
انْطَلِقْ
مِنْ قُمْقُمِ الْمَوْتِ
إِلَى سَمَائِكَ الْمُحَرَّرَهْ
وَأَرْضِكَ الْمُحَرَّرَهْ
عِمْلاَقُنَا مِقْلاَعُنَا
مِقْلاَعُنَا عِمْلاَقُنَا
وَلاَ تَعُدَّ الْعَشَرَهْ
لاَ
لاَ تَعُدَّ الْعَشَرَهْ!!
 
مزامير ..!
مزمور الجنرالات
اسمعوا يا آل إسرائيل صوت الأنبياء
واسمعوا يا آل هارون النداء
نصدر الأمر لكل الملحدين الأشقياء
ولكل الطيبين الأتقياء :
اعبدوا أصنام واشنطن ، قوموا واعبدوها :
خالطوا أوثان بون القاتلة
واجعلوا أبناءكم قربان آي . بي . سي.
وفي القلب احفظوها
باسمها . . دكوا البيوت الآهلة
وأريقوا تحت رجليها الدماء
وعلى أقدام كنعان اسجدوا ، يا آل يا هودا،
ولا بأس إذا صارت مغانيكم ، صحاري قاحلة !
هللويا . . هللويا !
مزمور بقايا الفلسطينيين
من هنا
من مطهر الأحزان في ليل الجريمة .
أيها العالم ، تدعوك العصافير اليتيمة .
من هنا من غزة الموت،
زمن جينين ، والقدس القديمة ...
أيها العالم ندعوك
فرد الغاز ، والنابالم ، والأيدي الأثيمة !
هللويا ..
ذات يوم
كان في غزة صبر وحنين
وفلول من أناس طيبين
ذات يوم ، كان موال حزين
يشعل النكبة في كل خيام اللاجئين
ذات يوم ،
كان في القدس صغار ينشدون :
راجعون .. راجعون .. راجعون !
هللويا
كان في القرميد أعشاش ، وفي الأفق سنونو
كان في المنفى قلوب وعيون
تحت لفح الشمس .. تحت الريح ..
كانت تتمنى ،
"
يا إله المجد ! جُربنا طويلا ..
فأعِدنا .."
هللويا .. هللويا
كان يا ما كان ،
وانقضت نسور معدنية
لم تكن حاملة من آل صهيون – إلى صهيون-
أفواج البقية .
لم تكن حاملة لحائط المبكى .. مزامير تقيه .
يا إله المجد .. ماذا حملت . ؟
نارا .. وغازا .. ودخانا
ومجاعات .. وصلبانا .. ويتما .. وهوانا ! !
يا إله المجد فاسمع
صوت شعب – يتفجع
يا إله المجد .. يكفيننا قرونا ما حملنا
نحن جربنا طويلا .. –كيف لا تقنع ؟
جُربنا طويلا .. فأعِدنا ..
هللويا .. هللويا .. هللويا..
مزمور أطفال العالم
يا إله الانتقام !
يا إله الانتقام اظهر .. ورد الخيلاء !
رد من يذبح في القدس اليتامى
والثكالى والايامي ..
رد من يظلم ميراثك
من يصلب في القدس سلاما
كيف لا يسمع من كوّن سمعا للبشر؟
كيف لا يبصر ، من سَوى البصر
يا إله الانتقام
هللويا
شق للفاسق حفره
رد للماكر مكره !
مزمور أحفاد أشعياء
نحن أحفاد إشعياء،
نناديه،
ننادي وجهه السمح الهلامي ،
الذي يرتج ، من خلف الدموع القانيه !
نحن أحفاد إشعياء نناديه .. غضابا مجهشين :
يا إشعياء الذي أغفى قرونا وقرون !
كيف صارت هذه القرية .. صارت زانية ؟!
زغلا فضتها صارت ،
على أيدي الطغاة الأغبياء
كيف يقضون بعسف لليتيم ؟
كيف لا تبلغهم دعوى الأرامل ؟
يا أشعياء المناضل
هللويا
......
رسل السلم هنا يبكون حقدا ومرارة
بعد أن حز رؤوس الآمنين
أدعياء الحق .. أعداء الحضارة .
يا أشعياء الحزين .
فانهض اليوم في قرية
تهوي على سفح المهالك :
"
بعد سبعين ، رعاك الله يا هذي،
"
فلم عدت إلى الأجرة،
"
تزنين مع التجار ، من كل الممالك ؟
أنهض اليوم ، وصح في تل أبيب:
"
ألف ويل للذي لا يطلب الرب
"
ويمضي نحو مصر
"
حاملا للشرق أعواد الصليب.
يا إشعياء الحبيب .
ذاك وحي جاء من تيماء ، من أرض العرب :
احملوا الماء ولاقوا اللاجئين
أيها الناس :
ووافوا الهارب الجائع أياما بخبزه ..
ضمدوا للمرة الأخرى جراح النازحين
من أمام السيف ولو هاربين
ومن القوس الذي شدته للحرب أكف المجرمين
يا أشعياء الشجاع
إنهض اليوم لكي يلعب أطفال فلسطين
ولا يخشون أنياب الصلال
ولكي يأمن حملان ، بآجام السباع
.......
هللويا ..
ثم يقضي في الأمم
دون أن يزهق حق
دون أن يكتم فم
........
يا أشعياء المناضل .
ثم تغدو سككا كل السيوف
ورماح القوم تنصب مناجل
ثم لا ترفع سيفا أمة كما تقاتل .
وصغار القوم لا يدرون ما الحرب وما سفك الدماء
وسيحلو ليهودا وفلسطين الغناء :
هللويا .. هللويا ..
يا إله المجد حارنا طويلا وذُبحنا .. وذَبحنا
وسفحنا دمنا ، دهرا ، سفحنا
يا إله المجد .
جُربنا طويلا .. واسترحنا ...
هللويا .. هللويا .. هللويا ..
 
تعالي لنرسم معاً قوس قزح
نازلاً كنت : على سلم أحزان الهزيمة
نازلاً .. يمتصني موت بطيء
صارخاً في وجه أحزاني القديمة :
أحرقيني ! أحرقيني .. لأضيء !
لم أكن وحدي ،
ووحدي كنت ، في العتمة وحدي
راكعاً .. أبكي ، أصلي ، أتطهر
جبهتي قطعة شمع فوق زندي
وفمي .. ناي مكسّر ..
كان صدري ردهة ،
كانت ملايين مئه
سجداً في ردهتي ..
كانت عيوناً مطفأه !
واستوى المارق والقديس
في الجرح الجديد
واستوى المارق والقديس
في العار الجديد
واستوى المارق والقديس
يا أرض .. فميدي
واغفري لي ، نازلاً يمتصني الموت البطيء
واغفري لي صرختي للنار في ذل سجودي :
أحرقيني .. أحرقيني لأضيء
نازلاً كنت ،
وكان الحزن مرساتي الوحيدة
يوم ناديت من الشط البعيد
يوم ضمدت جبيني بقصيدة
عن مزاميري وأسواق العبيد
من تكونين ؟
أأختاً نسيتها
ليلة الهجرة أمي ، في السرير
ثم باعوها لريح ، حملتها
عبر باب الليل .. للمنفى الكبير ؟
من تكونين ؟
أجيبيني .. أجيبي !
أي أخت ، بين آلاف السبايا
عرفت وجهي ، ونادت : يا حبيبي !
فتلقتها يدايا ؟
أغمضي عينيك من عار الهزيمة
أغمضى عينيك .. وابكي ، واحضنيني
ودعيني أشرب الدمع .. دعيني
يبست حنجرتي ريح الهزيمة
وكأنا منذ عشرين التقينا
وكأنا ما افترقنا
وكأنا ما احترقنا
شبك الحب يديه بيدينا ..
وتحدثنا عن الغربة والسجن الكبير
عن أغانينا لفجر في الزمن
وانحسار الليل عن وجه الوطن
وتحدثنا عن الكوخ الصغير
بين احراج الجبل ..
وستأتين بطفلة
ونسميها " طلل "
وستأتيني بدوريّ وفلـّه
وبديوان غزل !
قلت لي - أذكر -
من أي قرار
صوتك مشحون حزناً وغضب
قلت يا حبي ، من زحف التتار
وانكسارات العرب !
قلت لي : في أي أرض حجرية
بذرتك الريح من عشرين عام
قلت : في ظل دواليك السبيه
وعلى أنقاض أبراج الحمام !
قلت : في صوتك نار وثنية
قلت : حتى تلد الريح الغمام
جعلوا جرحي دواة ، ولذا
فأنا أكتب شعري بشظية
وأغني للسلام !
وبكينا
مثل طفلين غريبين ، بكينا
الحمام الزاجل الناطر في الأقفاص ، يبكي ..
والحمام الزاجل العائد في الأقفاص
...
يبكي
ارفعي عينيك !
أحزان الهزيمة
غيمه تنثرها هبة الريح
ارفعي عينيك ، فالأم الرحيمة
لم تزل تنجب ، والأفق فسيح
ارفعي عينيك ،
من عشرين عام
وأنا أرسم عينيك ، على جدران سجني
وإذا حال الظلام
بين عيني وعينيك ،
على جدران سجني
يتراءى وجهك المعبود
في وهمي ،
فأبكي .. وأغني
نحن يا غاليتي من واديين
كل واد يتبناه شبح
فتعالي . . لنحيل الشبحين
غيمه يشربها قوس قزح !
وسآتيك بطفلة
ونسميها " طلل "
وسآتيك بدوريّ وفلـّه
وبديوان غزل !!
 
الخفافيش
الخفافيش على نافذتي،
تمتصّ صوتي
الخفافيش على مدخل بيتي
والخفافيش وراء الصّحف
في بعض الزوايا
تتقصّى خطواتي
والتفاتي
والخفافيشُ على المقعد،
في الشارع خلفي..
وعلى واجهة الكُتب وسيقان الصّبايا،
كيف دارت نظراتي!
.......................
الخفافيشُ على شرفة جاري
والخفافيش جهازٌ ما، خبّيءٌ في جدار.
والخفافيشُ على وشك انتحار.
......................
إنّني أحفرُ درباً للنهار!
 
بطاقات معايدة
أُسْوَةً بالملائكةِ الخائفينَ على غيمةٍ خائفهْ
في مَدى العاصفهْ
أُسْوَةً بالأباطرةِ الغابرينْ
والقياصرةِ الغاربينْ
في صدى المدنِ الغاربَهْ
وبوقتٍ يسيرُ على ساعتي الواقفَهْ
أُسْوَةً بالصعاليكِ والهومْلِسّ
بين أنقاضِ مانهاتن الكاذبَهْ
أُسْوَةً بالمساكينِ في تورا بورا،
وإخوتِهم، تحت ما ظلَّ من لعنةِ التوأمينِ،
ونارِ جهنَّمها اللاهبَهْ
أُسْوَةً بالجياعِ ونارِ الإطاراتِ في بوينس إيريسْ،
وبالشرطةِ الغاضبَهْ
أُسْوَةً بالرجالِ السكارى الوحيدين تحت المصابيحِ،
في لندنَ السائبَهْ
أُسْوَةً بالمغاربةِ الهائمينَ على أوجه الذلِّ والموتِ ،
في ليلِ مِلِّيلَةَ الخائبَهْ
أُسْوَةً بالمصلّينَ في يأسهم
والمقيمينَ ، أسرى بيوتِ الصفيح العتيقْ
أُسْوَةً بالصديقِ الذي باعَهُ مُخبرٌ ،
كانَ أمسِ الصديقَ الصديقْ
أُسْوَةً بالرهائن في قبضةِ الخاطفينْ
أُسْوَةً برفاقِ الطريقْ
أُسْوَةً بالجنودِ الصِّغار على حربِ أسيادهم ،
وعلى حفنةٍ من طحينْ
أُسْوَةً بالمساجين ظنّاً ،
على ذمّةِ البحثِ عن تهمةٍ لائقَهْ
أُسْوَةً بالقراصنةِ الميّتينْ
بضحايا الأعاصيرِ والسفنِ الغارقَهْ
بالرعاةِ الذين أتى القحطُ عاماً فعاماً
على جُلِّ إيمانهمْ
وعلى كُلِّ قُطعانهمْ
أُسْوَةً بالشبابِ المهاجرِ سرّاً ،
إلى لقمةٍ ممكنَهْ
خارجَ الجوعِ في وطنِ الفاقةِ المزمنَهْ
أُسْوَةً بالفدائيِّ أَوقَعَهُ خائنٌ في كمينْ
أُسْوَةً بالنواصي التي جزَّها النزقُ الجاهليّ
والرقابِ التي حزَّها الهَوَسُ الهائجُ المائجُ الفوضويّ
أُسْوَةً بالمذيعِ الحزينْ
مُعلناً ذَبْحَ سبعينَ شخصاً من العُزَّلِ الآمنينْ
باسم ربِّ السماءِ الغفورِ الرحيمْ
والرسولِ العظيمْ
والكتابِ الكريمْ
وصراط الهدى المستقيمْ
أُسْوَةً باليتامى الصغارْ
بالمسنّينَ في عزلةِ الزمنِ المستعارْ
بينَ نارٍ وماءٍ.. وماءٍ ونارْ
أُسْوَةً بالجرار التي انكسرتْ ،
قبلَ أن تبلغَ الماءَ ،
في واحةٍ تشتهيها القفارْ
أُسْوَةً بالمياهِ التي أُهرقتْ في الرمالِ ،
ولم تستطعْها الجرارْ
أُسْوَةً بالعبيد الذينْ
أَعتقتْهم سيولُ الدماءْ
ثمَّ عادوا إلى رِبْقَةِ السادةِ المترفينْ
في سبيلِ الدواءْ
وبقايا بقايا غذاءْ
أُسْوَةً بالقوانين ، تقهرها ظاهرَهْ
بالبحارِ التي تدَّعيها سفينَهْ
بالجهاتِ التي اختصرتْها مدينَهْ
بالزمانِ المقيمِ على اللحظةِ العابرَهْ
أُسْوَةً برجالِ الفضاءِ وحربِ النجومِ اللعينَهْ
أُسْوَةً بضحايا الحوادثِ في الطرقِ المتعَبَهْ
وضحايا السلامْ
وضحايا الحروبِ وأسرارِها المرعبَهْ
وضحايا الكلامْ
وضحايا السكوتِ عن القائلينَ بحُكم الظلامْ
وبفوضى النظامْ
أُسْوَةً بالمياهِ التي انحسرتْ ،
عن رمادِ الجفافْ
والجذوعِ التي انكسرتْ ،
واستحالَ القطافْ
أُسْوَةً بالشعوبِ التي أوشكتْ أن تبيدْ
واللغات التي أوشكتْ أن تبيدْ
في كهوفِ النظامِ الجديدْ
أُسْوَةً بضحايا البطالَهْ
يبحثونَ عن القوتِ في حاوياتِ الزبالَهْ
أُسْوَةً بالطيورِ التي هاجرتْ
ثم عادتْ إلى حقلِهَا الموسميّ
في الشمالِ القَصِيّ
لم تجدْ أيَّ حقلٍ.. ولا شيءَ غير المطارْ
والفراشاتُ ظلُّ الفراشاتِ في المشهد المعدنيّ
ظِلُّ نفاثةٍ قابعَهْ
خلفَ نفّاثةٍ طالعَهْ
بعدَ نفّاثةٍ ضائعَهْ
خلفَ نفّاثةٍ راجعَهْ
لم تجدْ غير دوّامةٍ من دُوارْ
أُسْوَةً بغيومِ الشتاءِ على موتها مُطبِقَهْ
بالبراكينِ في آخرِ العمرِ.. مُرهَقةً مُرهِقَهْ
بالرياحِ التي نصبتْ نفسها مشنقَهْ
وتدلَّتْ إلى قبرِهَا
بين قيعانِ وديانها الضيّقَهْ
أُسْوَةً بالشعوبِ التي فقدتْ أرضَها
بضحايا الزلازلِ والإيدز والجوعِ والأوبئَهْ
أُسْوَةً بالبلادِ التي خسرتْ عِرضَها
ومواعيدَ تاريخها المُرجأهْ
في سُدى هيئةِ الأُمم المطفَأَهْ
أُسْوَةً بي أنا
نازفاً جارحا
غامضاً واضِحا
غاضباً جامحا
أُسْوَةً بي أنا
مؤمناً كافراً
كافراً مؤمِنا
أُسْوَةً بي أنا
أرتدي كفني
صارخاً: آخ يا جبلي المُنحني
آخ يا وطني
آخ يا وطني
آخ يا وطني !
 
مقاطع من 30 آذار
(
أعلناه يومًا للأرض . . وأعلنته دماء شهدائنا عيدًا فلسطينيًا من أعياد الصمود والفداء . .)
1 –
مع الشهداء . .
"
كل عام وأنتم بخير"
صاحها دمكم وانكفا
ساخنًا نابضًا في وحام الجذور
نيزك الحب والحقد صاح: انهضوا !
أجّ في الليل نارًا ونور
أشعل الحب والحقد في دمنا
زلزل الطمي في غورنا وانكفا
دمكم دمنا
سال ، لكنه ما انطفأ . .
(
يا أم الشهيد زغردي
كل الشباب أولادك)
الإذاعات والصحف المترفه
تجهل الفرق يا أخوتي
بين معرفة الدم، والمعرفه
فاكرزوا في الشعوب ، اكرزوا باسمنا
دمكم صوتنا !
أين سخنين ، عرابة ، كفر كنَّه ؟
أين بحر البقر ؟
أين يا أخوتي دير ياسين أو كفر قاسم ؟
أين يا أخوتي عين جالوت أو ميسلون ؟
أين ؟
لا نسأل !
أين ؟
لا نجهل !
نحن لا نجهل الفرق يا أخوتي
بين معرفة الدم، والمعرفة
نحن لا نسأل الخارطة
دمكم وحده الخارطة
ليس للنقب أو الجليل
دمكم شارة في الطريق الطويل !
عندما يفقد الزمن النذل أعصابه
عندما يفتح الموت أبوابه
تنتخي أختنا ، يرتخي المستحيل
ويصيح العذاب الفتي العجوز :
لعناوينها شفرة (أيها الموت خذ بيدي)
لدمي شفرة . .
فانهضوا !
حكمة الدم يا فتيتي أن يسيل !
(
تنقذني من موتي البسمة
يا وطني تنقذني البسمة
حين أرى أطفالك في الساحات
شررا يحرق أعصاب الدبابات
حين أرى أطفالك
يلقون قشور الموز على الطرقات
فعسى ولعل
يتزحلق علج من جيش المحتل!)
يا له من عَماس
أن تداس الشفاه التي أقسمتْ
أنها لن تُداس.
عارنا فادحْ. حقدنا فادح. والألم
هل بكينا؟ أجل !
غير أن دموع الغضب
لهجة في بلاد العربْ
فاسمعي يا جميع الأمم
موتنا جملة كامله
فلنفك الرموز معًا
ولتكن بئرنا راحة القافلة
بئرنا ؟
بحَّةُ الموت في صوتنا
صوتنا ؟
يعلم الله يا صاحبي !
يعلم الله يا صاحبي !
بين ليلين : ليل الهلاك وليل الهلاك
تقرعُ الأرض أقدامنا الحافيه
ترصد الخطوة الباقيه
غير أن الألم
لم يزل جاهزًا للقتال
والمطر
جاهزٌ للقتال
فاسمعي واشهدي يا جميع الأمم
(
بالروح بالدم
نفديك يا وطن)
عندما أطلقوا النار صاح الشهيد :
أطلقوا النار كيف اشتهيتُم
طلقة . . طلقة . . وانتهيتم .
ثم غاص الشهيد
في مطاوي جذور الجدود
واستوى في ذرى مكَّةٍ صائحًا :
وها أنا يا يوم القيامة عاظِبُ
يبددني وكْس ويجمع لازِبُ
تُدثرُ أثواب الأفاعي جوارحي
وينهشني همٌّ من الروح ناصب
ولكن لي سرًا قديمًا ذخرته
يشع ، فدرب في الدجنات لاحب
أناقب فيه كل وجه نسيته
وكم شام وجهي في ثناياه ناقب
مقيم على ضيم مقيم . . وانني
مقيم ، وطاغوت الطواغيت ذاهب
فيا قاتلي استكملوا كل عدة
وصولوا وجولوا واحشدوا وتكابلوا
تقمصت الحوباء مني عوالمًا
إذا غاب منها نابض ، عاد غائب
ويا قتلي اليوم ، صدق شهادتي
وموت المحبين المعاميد كاذب
أنا الحق . جلت عن نكوص مشيئتي
وها آنذا قد شئت . والحق غالب !
ثم ضجت شرابينه
وعلى مسمع الخوذ البربرية
صاح في الساحة المركزية :
جسدي غيمة . صخرة . مدرسه
جسدي ألف طفل جديد.
جسدي قبلة صاغّة.
جسدي أرغن الموت والبعث
فلتسمعي يا جميع الأمم :
أهديل ؟ أم غرغرات دماء ؟
أم لواء مصفق للواء ؟
أم تراها زغرودة للسرايا
أطلقتها ((سكينة)) من خباء ؟
لا تسل . والجواب في كل وجه
من وجوه العروبة السمراء
غمغمات وجلجلات تدوي
بين فجر كابٍ وليلٍ مضاء
يقتل الجزر مدَّه . ثم يعلو
ألف مد على رقاب الفداء
انها سُنَّة البطولات : كر
بعد فرّ . ومطرح للرجاء
فتقر القبور . لا لوقوف
وبكاء . . لكن للاستيحاء !
(
يسعدني أن أعلن للعالم
أنك يا وطني ترجيء موتي حتى ميعاد آخر
حتى يتضح الفرق الهائل
بين المعرفة ومعرفة الدم
فلتأتِ شعوب الأرض إلي اليوم
ولتسمع أرغن جسدي
يتفجر بالدم الصاخب
بين الكدف الأحمر والعشب الأخضر
ولتشهد وجهي الساطع في ليل الأعداء
شمسًا تحرق ذيل العصفورة
نارًا تأكل جذر الأسطورة
ولتدلِ شعوب الأرض بأقوال شهادتها
في محكمة العدل الدولية
لا في لاهاي . . ولكن في سخنين !)
آن أن يزهق الباطلُ
آن أن يعلم اللصُّ والقاتل
بين كفِّ الشعوب ومخرز أعدائها
لن يطول الحوار
بعد ليلٍ قصيرٍ يطل نهار
تجمع الأرض أشتات سيمائها
ينطقُ الأخرس
ينهضُ المقعد
تبرأ الشمس من كل أوبائها !
عاودَ الفرسُ والروم كراتها
لحمُنا نهبُ أنيابهم . .
آن يا أخوتي
آن أن نبعث الثائر المصطفى
آن أن تشهر الثورة الرمح والمُصحفا
آن أن يعلم اللصُّ والقاتلُ
أنَّه زائل
زائل
زائل !
 
رماد ..!!
ألا تشعرين؟....
بأنّا فقدنا الكثير
.
وصار كلاماً هوانا الكبير
.
فلا لهفةٌ
.. لا حنين...
ولا فرحةٌ في القلوب، إذا ما التقينا

ولا دهشةٌ في
العيون..
ألا تشعرين؟
..
بأنّ لقاءاتنا جامدة
.
وقُبلاتنا باردة
.
وأنّا
فقدنا حماس اللقاء
وصرنا نجاملُ في كل شيءٍ.. وننسى

وقد يرتمي موعدٌ.. جثّةٌ
هامدة.
فنكذبُ في عُذرنا.. ثم ننسى

ألا تشعرين؟
..
بأنّ رسائلنا
الخاطفة.
غدت مبهماتٍ .. قصيرة
.
فلا حسّ .. لا روح فيها.. ولا عاطفة
.
ولا
غمغماتٌ خياليةٌ
ولا أمنياتٌ.. ولا همساتٌ مثيرة
!
وأن جواباتنا أصبحت لفتاتٍ
بعيدة.
كعبءٍ ثقيلٍ..نخلّصُ منه كواهلنا المتعبة
.
ألا تشعرين؟
..
بدنيا
تهاوت.. ودنيا جديدة.
ألا تشعرين ؟
..
بأن نهايتنا مرّةٌ .. مرعبة
.
لأنّ
نهايتنا .. لم تكن مرّةٌ .. مرعبة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق