الثلاثاء، 25 مارس 2014

امرؤ القيس أكثر الشعراء العرب تشبيها

امرؤ القيس أكثر الشعراء العرب تشبيها
مخطوط فريد لصلاح الدين الصفدي يستدرك على دواوين أربعين شاعرا

جليل العطية
صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (696 ـ 764هـ)، أديب ومؤرخ له عناية بالحديث واللغة، ولي كتابة الدست بدمشق، وكتابة السرّ بحلب، ثم تولى وكالة بيت المال بدمشق واستمر بها الى ان مات بطاعون دمشق، وقبل ذلك تولى كتابة الدرج بصفد، ثم في القاهرة، وكان تفوقه في النظم والنثر، واجادته الخط المنسوب من مؤهلاته لتسنم مثل هذه الوظائف المهمة. كان الصفدي موسوعي الثقافة.
ذكر (ابن العماد الحنبلي)، ان مؤلفاته تقرب من نحو خمسين مصنفا، منها ما أكمله، ومنها ما لم يكمله (وهي ما بين مطبوع ومخطوط ومفقود)، وكتب ما يقارب خمسمائة مجلد عدا ما كتبه في ديوان الانشاء، ومن اشهر مصنفاته المطبوعة:
تصحيح التصحيف، وتشنيف السمع بانسكاب الدمع وتمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون والشعور بالعور وغوامض الصحاح ونكت الهميان في نكت العميان والوافي بالوفيات وغيرها.
والوافي بالوفيات الذي ذيّله على وفيات الاعيان لابن خلكان (ت 681هـ)، هو موسوعة في التراجم يضم نحو خمسة عشر الف ترجمة، يتولى المستشرقون الالمان نشره منذ سنة 1350هـ/1931م، ثم تولى باحثون عرب مشاركة الالمان، ونهض المركز الالماني في بيروت بهذه المهمة العلمية، حيث صدر منه لحد اليوم 26 جزءا (ولم يتم بعد).
والكشف والتنبيه على الوصف والتشبيه، من احدث الاعمال الصفدية التي شقت طريقها الى النشر بتحقيق الاستاذين هلال ناجي ووليد بن احمد الحسين، صدر ضمن سلسلة اصدارات الحكمة في بريطانيا، ووقع في 530 صفحة.
لقد احسن الباحثان ـ والاول من العراق والثاني من السعودية ـ اختيار نشر هذا المخطوط المحفوظ في نسخة فريدة تعتز بها المكتبة الوطنية بباريس منذ نحو ثلاثة قرون من الزمن، والذي ينشر اول مرة في مجلد أنيق.
فلا يخفى ان ثمة أزمة في نشر الكتاب التراثي، استفحلت في العقدين الماضيين بعد غياب جيل الرواد من المحققين، فاستثمرت دور النشر التجارية في لبنان ومصر وغيرها، الامر بتزوير وتشويه وتلفيق الكتب المنشورة قديما بأسماء اخرى لا صلة لها بالعلم والمعرفة وغير ذلك من الوسائل. والكشف والتنبيه، هو الثاني الذي يشارك فيه الاستاذ هلال ناجي من آثار الصفدي بعد جنان الجناس (نشر في العددين الثالث والرابع ـ مجلة الذخائر ـ بيروت ـ 1421هـ/2000م).
ويعدّ (ناجي) من اغزر المحققين العرب نتاجا، حيث يبلغ رصيده العلمي نحو 120 كتابا بينها متخير الالفاظ لابن فارس، الذي نال جائزة الجامعة العربية في التحقيق، اما الاستاذ (وليد بن احمد الحسين)، فهو باحث في التراث الاسلامي يتولى حاليا رئاسة تحرير مجلة «الحكمة» في بريطانيا، وهي تعنى بالبحوث والدراسات الاسلامية وتحقيق المخطوطات.
وقعت مقدمة كتاب الكشف والتنبيه، في 47 صفحة تناولت المؤلف، عصره، آثاره، الكتاب والمصنفين في التشبيهات، واوضحت ان كتاب الكشف يضم مختارات شعرية واسعة.
وهو يعدّ اوسع كتاب في كتب التشبيهات، عرف حتى اليوم، امتاز عن غيره بميزتين:
1 ـ انه قدم دراسة مبسوطة لمبحث التشبيه لم نجد لها نظيرا في كتب الاقدمين.
2 ـ انه قدم لنا مجموعة ضخمة من اشعار التشبيه فيها الكثير مما لا وجود له في المصادر التي بين ايدينا، وفيه استدراكات على دواوين اربعين شاعرا من الدواوين المحققة المطبوعة، فهو يشكل اضافة قيمة في بابه.
وذكر الصفدي في مقدمته انه اختار من التشبيهات التي جمعها (ابن ابي عون، والحاتمي، وابن ظافر الازدي، والثعالبي في شعار الندماء، والوطواط الكتبي في مباهج الفكر وما في روح الروح وغيرها.
ومن خلال كشف المؤلف لمصادره يتبين لنا انه افاد من آثار للحاتمي والثعالبي مفقودة اليوم، من هنا تأتي أهميته، واضافة الى الاستدراكات المهمة التي قدمها على دواوين الاقدمين قدّم لنفسه مختارات شعرية تصلح ان تكون نواة ديوان له يصنع حديثا، لأن ديوانه مفقود لحد اليوم.
قدم المؤلف فصلا كاملا لتشبيهات القرآن الكريم والحديث الشريف، وخصص الفصل العاشر للشعر قال في مستهله:
امرؤ القيس اكثر العرب تشبيها واقدرهم على التنوع فيه والاتيان بفنون التشبيه وزعم الكثيرون انه اول من شبّه من العرب وعدّ تشبيهات كشاجم وابن وكيع فاترة، واشاد بتشبيهات صريع الغواني وذي الرمة من القدامى.
وتناولت فصول الكتاب الاخرى ـ بالاضافة الى ما تقدم ـ امثلة للتشبيهات التي تتناول السماء والنجوم والثريا والهلال والبدر والصبح والشمس والسحاب والمطر والرعد والثلج وقوس السحاب والزلازل والهواء والنرجس والورد والريحان والبهار والبنفسج واللينوفر والياسمين والزعفران والآس والنارنج والتفاح والتين والفستق والبقول والاطيار وغيرها. هذا عن محتويات الكتاب، وقارئه يلحظ الجهد المضني الذي بذله المحققان في تخريج نصوص الكتاب وتجليته وتخريج اشعاره على الدواوين والمجموعات الادبية المطبوعة والمخطوطة وذلك بأسلوب علمي رصين وفقا لتوصيات خبراء معهد المخطوطات العربية التابع لجامعة الدول العربية، وختماه بتراجم اعلام الكتاب وثبت بالمصادر والمراجع وفهرس للموضوعات.
ولئلا يتحول هذا المقال الوجيز الى تقريظ، تقتضي الامانة العلمية والموضوعية تقديم ملاحظات تقتصر على المنهج العلمي الذي اتبعه المحققان وهي:
ـ ذكرا في المقدمة اسماء عشرة كتب في التشبيهات وفاتهما ذكر كتاب التشبيهات لشهاب الدين محمود بن سلمان الحلبي (ت 725هـ)، وهو مخطوط محفوظ في جامعة البصرة ضمن المجموع 108 العباسية.
قلت: اهمية هذه الملاحظة ان الصفدي تلمذ للحلبي، وكتاب الاخير يبدو صغير الحجم، ولعل الصفدي اراد ان يجاري شيخه ويظهر تفوقه عليه بتصنيف هذا الكتاب الضخم، والذي وصل الينا ناقصا (ولعل الاصل يقع في مجلدين).
ـ لم يشر المحققان في المقدمة الى المنهج الذي اتبعاه في تحقيق الكتاب، فهل تقاسما المسؤولية؟ وكيف؟
ـ ثمة نقص شديد في فهارس الكتاب، حيث افتقدنا فيه فهارس الاعلام والاماكن والقوافي والمشبه والمشبه به وغير ذلك مما يزيد في اهمية الكتاب.
على ان هذه الملاحظات اليسيرة وسواها لا تقلل من اهمية هذا السفر الذي يعدّ نشره غنما في ظرف الكساد والفساد الذي يأخذ بخناق الكتاب العربي عموما والتراثي خاصة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق