الأربعاء، 19 مارس 2014

سمات شعر الصعاليك

صعاليك هي جمع لكلمة صعلوك.
والصعلوك باللغة هو الفقير الذي لا مال له ولا سند ...
اما الشعراء الصعاليك فهم جماعة من العرب عاشوا في القفار ومجاهل الارض يرافقهم الفقر والتشرد والتمرد وكانوا يغيرون على البدو والحضر بقصد النهب والتخريب ثم يمضون في الصحراء حيث مخابئهم ولا يستطيع احد لحاقهم لسرعة عدوهم من جهة ولمعرفتهم في طرق الصحراء من جهة اخرى واتصف الصعاليك عادة بالشدة والصبر والاحتمال والشجاعة والكرم والقوة وكانوا يقتسمون غنائمهم ويساعدون الضعفاء والمحتاجين....

صفات الصعاليك
كان من الصعاليك من اتصف بسواد لونه بسبب اصولهم الحبشية فاطلق عليهم اغربة العرب ومن اشهرهم الشنفري والسليك بن السلكة وتأبط شرا , ومن الصعاليك من خلعتهم قبائلهم لكثرة ما سببوا للقبيلة من المشاكل


دور الصعاليك اجتماعياً
كان الشعراء الصعاليك يمثلون الصوت الحي والشجاع للثورة على الواقع الاجتماعي , ويعبرون عن رفض المضطهدين للاضطهاد وعن ثورة المسحوقين اقتصاديا واجتماعيا وعرقيا على الطبقة الارستقراطية المتحكمة بالرزق والدم وعلى سطوة التقاليد المتهرئة والتحكم الطبقي , وقد تمرد هؤلاء الرجال على البنيان الاقتصادي والطبقي وأحيانا العنصري في القبيلة , ورغم ان القبيلة كانت في ذلك العصر هي القانون وهي الحماية الوحيدة للإنسان في الصحراء القاسية المخيفة , فانهم لم يغيروا موقفهم الثائر , وتمردوا على القبيلة وخلعوا منها ومن حمايتها وطردوا من اطارها فانطلقوا الى الصحراء العميقة الموحشة يقومون بالثورة على طريقتهم الفردية .

أماكن تواجدهم في العصر الجاهلي

وقد انتشروا على الاغلب في منطقة السراة المحيطة بمكة لوقوعها على الطريق التجاري الواصل بين اليمن والشام مما مكنهم من الغارة على القوافل التجارية , وقد اتاح انتشار الاسواق التجارية في تلك المنطقة الى انتشار تجارة الرقيق التي نقلت الكثير من الملونين المحرومين الى البادية والذين كانوا رافدا مهما في حركة الصعاليك , وقد اتاح الفارق الطبقي الكبير بين طبقة التجار وطبقة العبيد ان يتحول هؤلاء الى ثائرين متمردين على القبيلة الظالمة التي لم تلبث ان خلعتهم وطردتهم من حمايتها فاخذوا يعبرون عن واقعهم الاجتماعي المزري بطريقتهم , وهؤلاء الفقراء لم يكونوا لصوصا بالفطرة همهم السلب والنهب بل كثيرا ما تنقل لنا كتب الادب اقاصيص وروايات عن كرمهم وشجاعتهم وبرهم باقاربهم واهلهم واحساسهم بالترفع والكرامة.

الصعاليك في الإسلام والعصر الأموي :

استمرت الصعلكة على مدار العصر الجاهلي ولكن مجئ الاسلام الذي ساوى بين الناس ولم يفرق بين ابيض واسود وبين عربي واعجمي وحول ولاء الفرد من ولاء للقبيلة الى ولاء لله ورسله وبذلك تقلصت مؤقتاً مظاهر التفرقة الطبقية وعاش الناس لايميز احدهم عن الآخر الا ايمانه الشديد واخلاصه للعقيدة , ولم يكن ثمة مبرر لاستمرار ظاهرة الصعلكة بنفس قوتها في الجاهلية فالاسلام وزع الخيرات بالتساوي بين الناس ونصر المظلوم وساعد المحتاج ووضع همه في نشر تعاليم الدين الجديد , ولم يكن مجتمع الصعاليك بمنأى عن هذه القيم الاخلاقية الكريمة فهم فوارس وشجعان وكرماء ووجدوا في الدين وازعا لهم .
ولكن العصر الاموي عاد فكرس الفقر والطبقية وانتشرت الملاهي والترف وابتعد الناس عى نقاوة الاسلام الاولى , وعاد الغنى يتركز في ايدي القلة بينما كانت الاكثرية المحرومة لاتجد قوت يومها فنشا جيل من الثائرين على واقعهم الاجتماعي يشبهون كثيرا صعاليك الزمن الغابر , قد أصابهم الفقر ، فتاقوا الى الغنى ، عبر مسالك المغامرة والغزو والفتك ،
ولم يكن سلوكهم العدواني هدفا في حد ذاته بل مجرد وسيلة للحفاظ على حياتهم وكرامتهم .
ومن هؤلاء ابو النشناش النهشلي و الاحيمر السعدي.

مميزات شعر الصعاليك
لم يتميز شعر الصعاليك بالقصائد الطوال بل كان شعر مقطوعات صغيرة تعبر عن الغاية باختصار كما تميز شعرهم بوحدة الموضوع فلم يكن يفرع عن موضوع القصيدة مواضيع اخرى الا ماندر ونلاحظ انهم قد تركوا اسلوب الجاهليين في البكاء على الاطلال وتركوا المقدمات الغزلية التي لاتتناسب مع الموضوع الاساس ويتميز شعرهم بالواقعية والشفافية والصدق وحرارة شعورهم بالظلم والفاقة
تميزت الحركة الصعلوكية بانها كانت ثورة على الواقع الاجتماعي واحتجاجا على الفوارق الطبقية ومظهرا من مظاهر الصراع بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة وبما انهم كانوا يعبرون عن حال غالب الناس فقد تعاطف الفقراء معهم الى ابعد حد ولكن ثورتهم لم تكن ثورة منظمة شعبية بل كانت ثورة فردية عشوائية يعبر كل صعلوك فيها عن معاناته وقد يصل الامر ببعضهم الى حد الحقد على البشر جميعا واعتزالهم ونظرا لهذه الفردية غير المنظمة فقد فشلت هذه الحركة في تحقيق العدالة الاجتماعية لان العدالة الاجتماعية تتطلب ثورة اجتماعية جماهيرية وليس افرادا مغامرين فقط .



   يمثل الصعاليك من الناحية الفنية خروجًا جذريًا عن نمطية البنية الثلاثية للقصيدة العربية. فشعرهم معظمه مقطوعات قصيرة وليس قصائد كاملة. كما أنهم، في قصائدهم القليلة، قد استغنوا في الغالب عن الغزل الحسي وعن وصف الناقة. ويحل الحوار مع الزوجة حول حياة المغامرة محل النسيب التقليدي في بعض قصائدهم. وتمثل نظرتهم المتسامية إلى المرأة موقفًا يتخطى حسية العصر الجاهلي الذي يقف عند جمال الجسد ولا يتعداه إلى رؤية جمال المرأة في حنانها ونفسيتها وخُلقها.

   على الرغم من أن مقاصد شعر الصعاليك كلها في تصوير حياتهم وما يعتورها من الإغارة والثورة على الأغنياء وإباحة السرقة والنهب ومناصرة الفقراء، إلاّ أنه اهتم بقضايا فئة معينة من ذلك العصر، يرصد واقعها ويعبِّر عن همومها ويتبنى مشكلاتها وينقل ثورتها النفسية العارمة بسب ما انتابها من ظلم اجتماعي.


الاحيمر السعدي - من شعراء الصعاليك في العصر الأموي

هو الأحيمر بن حارث بن يزيد السعدي التميمي

كان لصاً فاتكاً ، مارداً ، من أهل بادية الشام ، أتى العراق فقطع الطريق وطلبه أمير البصرة سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ففر فأهدر دمه ، وتبرأ منه قومه .

وطال ذلك عليه ثم تاب وعاد إلى الشام .

لقد كره بني البشر اجمعين وحقد على واقعه الاجتماعي المزري ورفضه الطلب من لئام الناس لأن خيرات الله تملا الدنيا وليس على المرء سوى اخذها بالقوة :
يقول:


عوى الذئب فاستانست بالذئب اذ عوىوصـــــوت انــســـان فـــكـــدت طـــيـــر
وانــــي لاسـتـحـيـي مـــــن الله ان ارىاجــــرر حــبــلا لــيــس فــيـــه بـعــيــر
وان اســـال الــمــرء الـلـئـيـم بـعـيــرهوبـعــران ربـــي فــــي الــبــلاد كـثـيــر

و هذه قصيدته كامله:

عَوى الذئبُ فَاستَأنَستُ بِالذئبِ إِذَا عَوَىوَصَـــــوَّتَ إِنــسَـــانٌ فَـــكِـــدتُ أَطـــيـــرُ
يَـــــرَى اللهُ إِنِّـــــي لِـلأَنِــيــسِ لَـــكَـــارِهٌوَتُـبـغِـضُـهُـم لِـــــي مُـقــلَــةٌ وَضَــمــيــرُ
فَـلِـلَّـيـلِ إِن وارانِــــي الـلَّــيــلُ حـكــمُــهُوَلِلـشَـمـسِ إِن غَــابَــت عَــلَــيَّ نُــــذورُ
وَإِنِّــــي لأَسـتَـحـيِــي مِـــــنَ اللهِ أَن أُرَىأُجَــــرِّرُ حَــبـــلاً لَــيـــسَ فِــيـــهِ بَـعــيــرُ
وَأَن أَســــأَلَ الــمَــرءَ الـلَـئِـيـمَ بَـعــيــرَهُوَبَــعــرانُ رَبِّــــي فِــــي الــبِــلادِ كَـثـيــرُ
لَـئِــن طَـــالَ لَـيـلِــي بِـالـعِــراقِ لَـرُبَّـمَــاأَتَــــى لِـــــيَ لَــيـــلٌ بِـالــشَّــامِ قَـصــيــرُ
مَـعــي فِـتـيَـةٌ بِـيــضُ الـوُجــوهِ كَـأَنَّـهُــمعَـلَـى الـرَحـلِ فَــوقَ النَاعِـجَـاتِ بُـــدورُ
أَيَــــا نَــخــلاتِ الــكَــرمِ لاَ زَالَ رَائِــحـــاًعَـلَـيـكُــنَّ مُـنــهَــلُّ الــغَــمَــامِ مَــطــيــرُ
سُقـيـتُـنَّ مَـــا دَامَـــت بِـكَـرمـانَ نَـخـلَــةٌعَــوامِـــرَ تَــجـــرِي بَـيـنَــكُــنَّ بُـــحـــورُ
سُقـيـتُـنَّ مَـــا دَامَـــت بِـنَـجــدٍ وَشـيـجَــةٍوَلا زَالَ يَــســعـــى بَـيــنَــكُــنَّ غَـــديــــرُ
أَلا حَـبِّـذا الـمَـاء الَّـــذِي قَـابَــلَ الـحِـمَـىوَمُـرتَــبِــعٌ مَـــــن أَهــلِــنَــا وَمَــصــيــرُ
وَأَيَّـــامُـــنـــا بِـالـمــالِــكِــيَّــةِ إِنَّـــــنِـــــيلَـهُــنَّ عَــلَــى الـعَـهــدِ الـقَـديــمِ ذَكــــورُ
وَيَـــا نَــخــلاتِ الــكَــرخِ لاَ زَالَ مَــاطِــرٌعَـلَـيــكُــنَّ مُــســتَـــنُّ الـــرِيــــاحِ ذَرورُ
وَمَـــا زَالَـــتِ الأَيَّــــامُ حَــتَّــى رَأَيـتُـنِــيبِــــــــدَورَقَ مُــلـــقـــىً بَــيــنَــهُــنَّ أَدورُ
تُــذَكِّــرُنِـــي أَظــلالُـــكُـــنَّ إِذَا دَجَــــــــتعَـلَــيَّ ظِـــلالَ الــــدَومِ وَهــــيَ هَـجـيــرُ
وَقَـــد كُـنــتُ رَمـلِـيـاً فَأَصـبَـحـتُ ثَــاوِيــاًبِــــــــدَورَقَ مُــلـــقَـــى بَــيــنَــهُــنَّ أَدورُ
وَقَــد كُـنـتُ ذَا قُــربٍ فَأَصـبَـحـتُ نَـازِحــاًبِــكَــرمَـــانَ مُــلـــقَـــى بَــيــنَــهُــنَّ أَدورُ
وَنُـبِّـئــتُ أَنَّ الــحَــيَّ سَــعــداً تَـخَـاذَلــواحَـمَـاهُـم وَهُـــم لَـــو يَعـصِـبـونَ كَـثـيــرُ
أَطَـاعــوا لِـفِـتـيَـانِ الـصَـبَــاحِ لِـئَـامَـهُـمفَـذُوقُـوا هَــوانَ الـحَــربِ حَـيــثُ تَـــدورُ
خَـلا الجَـوفُ مِـن قُتَّـالِ سَـعـدٍ فَـمَـا بِـهَـالِمُسـتَـصـرِخٍ يَــدعــو الـثُـبــورَ نَـصـيــرُ
نَــظَــرتُ بِـقــصــرِ الأَبـرَشِــيَّــةِ نَــظـــرَةًوَطَــرفِـــي وَراءَ الـنَـاظِـريــنَ بَــصــيــرُ
فَــرَدَّ عَـلَــيَّ الـعَـيـنَ أَن أَنـظُــرَ الـقُــرَىقُــرَى الـجَـوفِ نَـخـلٌ مُـعـرِضٌ وَبُـحـورُ
وَتَـيـهَـاءُ يَـــزوَرُّ الـقَـطَـا عَـــن فَـلاتـهـاإِذَا عَسـبَـلَـت فَــــوقَ الـمِـتــانِ حَــــرورُ
كَـفَــى حَـزَنــاً أَنَّ الـحِـمَـارَ بـــنَ بَـحــدَلٍعَــلَـــيَّ بِــأَكــنَــافِ الــسَــتَّــارِ أَمـــيـــرُ
وَأَنَّ اِبـنَ مُـوسَـى بَـائِـعَ البَـقـلِ بِالـنَّـوَىلَــــهُ بَــيــنَ بَــــابٍ وَالـسِـتَــارِ خَـطــيــرُ
وَإِنِّــــي أَرَى وَجــــهَ الـبُــغَــاةِ مُـقَــاتِــلاًأُدَيــــــرَةَ يَـــســـدِي أَمـــرَنَـــا وَيُــنــيـــرُ
هَـنِـيـئـاً لِـمَـحـفـوظٍ عَــلَـــى ذَاتِ بَـيـنِـنَــاوَلابـــــنِ لَــــــزازٍ مَــغــنَــمٌ وَسُــــــرورُ
أَنَـاعِـيـمُ يَـحـويـهِـنَّ بِـالـجَــرَعِ الـغَـضَــاجَـعَـابِــيــبُ فِــيــهَــا رِثَّـــــــةٌ وَدُثـــــــورُ

هناك تعليق واحد: